ترسخ لدى سهام اعتقاد يدور حول كره والدتها لها من خلال معاملتها السيئة لها، بخلاف المعاملة التي يحظى بها باقي إخوتها، فيما تتوهم ابتسام أن والدتها تغار منها ولا تحب أن تراها في أبهى حللها، ونظرا لتعليقاتها وانتقاداتها المستمرة لنوعية الملابس التي ترتديها، مما زاد من اتساع الشرخ الذي طال علاقة البنتين بوالدتيهما. تغيرت مشاعرها اتجاه والدتها، وبدأت تتجنب الجلوس معها والحديث إليها بشكل حميمي كما كان عليه الأمر في السابق، وكما تفعل كل الفتيات من عمرها، وتحاول قدر الإمكان أن لا تتجاوز الضروريات في التعامل معها، لأنها تعتقد في قراره نفسها أنها تكن لها مشاعر الكره. والدتي تكرهني! تعاني سهام ذات السادسة عشر سنة من معاملة والدتها القاسية، التي كانت تعاملها معاملة سيئة وعنيفة رسخت داخلها الإحساس بأن وجودها غير مرغوب فيه، وأن والدتها تعاملها بطريقة مغايرة لما تعامل به بقية إخوتها. تفسر سهام كل تصرفات والدتها وتحاول تطويعها لتتماشى مع أوهامها بأن والدتها لا تحبها، وهذا الإحساس الذي سيطر عليها انعكس على تعاملاتها مع والدتها ومع باقي إخوتها الذين ترى أنها تفضلهم عليها، وتعاملهم بطريقة مغايرة لما تفعل معها. كلما جلست سهام مع نفسها إلا وتذكرت كيف كانت والدتها تقسو عليها وتضربها لأتفه الأسباب، وهو الأمر الذي تعتبره مقصودا من والدتها ولا تحاول أن تجد لها الأعذار أو المبررات لذلك، خاصة أن معاملتها مع أختها الصغرى تختلف عنها كثيرا. بالرغم من حاجة سهام الكبيرة إلى التقرب من والدتها خاصة في فترة المراهقة التي تمر منها، إلا أنها كانت تفضل الابتعاد عنها وتعوض ذلك بالتقرب من والدها أكثر، ولكن هذا الأمر لم يستطع تعويض النقص الذي تحس به من جراء علاقتها المتوترة بوالدتها. تجد سهام نفسها غير قادرة على تحمل تصرفات والدتها وطريقة كلامها معها، فقد تحولت أوهامها إلى حقيقة تؤمن بها، وأصبحت ترى الكره والحقد في عين والدتها، بالرغم من أنها مجرد أوهام علقت بمخيلتها منذ الصغر، والتي لم تستطع الأيام محوها. أحاديث الفتاة ووالدتها غالبا ما تتحول إلى جدال لا يخلو من صراخ كل واحدة منهما في وجه الأخرى، لغياب التفاهم والتقارب بينهما، وبسبب الفكرة الراسخة في ذهن الفتاة عن كره والدتها لها. ترى الغيرة في عيني والدتها! اختلف كل شيء بالنسبة لها منذ غادرت مرحلة الطفولة وخطت خطواتها الأولى في عالم المراهقة حيث بدأت تهتم بأناقتها وجمالها، ولم تعد تلك الطفلة البريئة التي تعتمد على والدتها في قضاء كل متطلباتها وحاجياتها، وبدأ تقربها لوالدتها يتحول إلى تباعد، في الوقت الذي أحست فيه بأن أمها أصبحت تغار منها. استنتاجات ابتسام بخصوص سلوكات والدتها لم تكن نابعة من فراغ، وإنما بنتها على التصرفات التي كانت تقوم بها أمها معها، والتي تظهر جلية من خلال اعتراضها على نوعية الملابس التي تختارها البنت المراهقة، وتعليقاتها الساخرة من كل ماتقوم به. آراء الأم دفعت ابتسام إلى تجنب أي نقاش مع والدتها مخافة أن يتحول إلى خلاف، وأصبحت تلجأ إلى صديقاتها لاستعانة بآرائهن فيما تلبسه أو تشتريه من ملابس. لا تخلو مرافقة الأم لابنتها إلى السوق من الخلافات خاصة إذا كانت ابتسام تريد شراء الملابس، لأنها تعتبر كل ملاحظات والدتها وآرائها في غير محلها وتكون دائما مخالفة لما تراه مناسبا لها. أما عندما تكون ابتسام مغادرة المنزل في اتجاه المدرسة فتجد والدتها لها بالمرصاد لتراقب ملابسها وتعطي موافقتها عليها قبل أن تخرج من البيت، وهو الأمر الذي يشكل استفزازا للفتاة ويدفعها للاحتجاج عليه بجميع الطرق. تصرفات الأم الطبيعية نابعة من خوفها على ابنتها، لكن ابتسام لم تكن لتفهم هذا الأمر، واعتبرته نوعا من الغيرة التي تكنها لها والدتها بالرغم من أنها لا تجد سببا مباشرا يدفعها للقيام بذلك. تغيرت علاقة البنت بوالدتها وبدأت تتجنب الحديث معها، ومشاورتها في أمورها المتعلقة بنوعية الملابس التي تشتريها أو ترتديها، فأصبحت مع مرور الأيام غريبة عنها، لأنها لا تعرف عنها الكثير من الأمور. تحول اعتقاد ابتسام وتوهمها لغيرة والدتها إلى حقيقة ويقين من وجهة نظرها، وهو ما ساهم في اتساع الشرخ الذي طال علاقتها بوالدتها، ووسع المسافة بينهما. مجيدة أبوالخيرات