منذ مؤتمر القمة العربي السادس والعشرين في شرم الشيخ في مارس الماضي، لم يزدد المشهد السياسي في الوطن العربي إلا سوء وتعقيدا، سواء في سوريا التي ستدخل فيها الحرب الأهلية في مارس القادم سنتها الخامسة، أو بالتصعيد الذي رافق الوضع في ليبيا، أو التدهور الأمني الذى يعانيه اليمن، أو لبنان الذي يعيش أزمة فراغ سياسي بسبب عدم الاتفاق على رئيس يكون مقبولا من جميع الأحزاب والطوائف… ولكن العزاء أمام كل ذلك أن من سيتولى قيادة العمل العربي المشترك في المرحلة المقبلة هو الملك محمد السادس الذي سيستضيف قمة عربية في 28 و29 مارس القادم في مراكش، وهي أول قمة تعقد في المغرب بعد 17 سنة من توليه العرش. مابين قمة مارس 2015 في شرم الشيخ المصرية وقمة مارس 2016 المنتظرة في مراكش سارت مياه كثيرة تحت جسر الوضع العربي، الأكثر من ذلك أن حرائق ومشاكل العرب ازدادت استفحالا، انضاف إلى ذلك تحدي تغول الجار الإيراني. وهذه أمور تضع مسؤولية أكبر على المغرب لوضع كل ثقله وتجربته من أجل إنجاح القمة العربية حتى تخرج ببيان ختامي يكون في مستوى التحديات، بالاعتماد أساسا على ما يملكه محمد السادس من حنكة وعلاقات متميزة مع كل الدول العربية دون استثناء، لذلك تأتي أهمية هذه القمة والدور المغربي المنتظر منها من خطورة التحديات التي يواجهها العالم العربي وتستلزم حسما عربيا بشأنها، لأنه لا بديل عن إنجاح قمة مراكش، وإلا سيخلف العرب مرة أخرى موعدهم مع التاريخ. حكمة الملك محمد السادس.. والبحث عن حلحلة لأزمات العرب تعيش المنطقة العربية الآن حالة استثنائية. فالتهديدات الإرهابية تتربص بأكثر من قطر عربي. ففي سوريا خرج الوضع عن السيطرة، أما في اليمن فالحرب الأهلية لا تزداد إلا اشتعالا وهي الحالة نفسها في ليبيا. أما لبنان فهو الآخر يعيش فراغا رئاسيا لعدم اتفاق الفرقاء فيه على انتخاب رئيس للجمهورية يكون مقبولا من جميع الأحزاب والطوائف، وقبل كل هؤلاء يكون مقبولا من اللاعبين الكبار في بلد الأرز وأساسا فرنساوإيران والعربية السعودية. أمام كل هذه الحرائق فالمسؤولية على عاتق الملك محمد السادس والمغرب كبيرة، لسبب وحيد أن الأخير يتهيأ لاستضافة قمة للقادة العرب هي الأولى من نوعها تعقد في المملكة منذ 17 سنة مرت على حكم الملك محمد السادس، ومن هذا المنطلق فالتحديات كبيرة ومسؤولية الملك محمد السادس أكبر لأنه هو من سيتولى قيادة سفينة العمل العربي المشترك لمدة سنة كاملة، انطلاقا من مارس القادم وإلى غاية مارس من العام القادم 2017، وخصوصا في سنة لن تكون أحسن من سابقتها، بل قد تستمر الحافلة بالأحداث والأزمات وستعرف انتخابات رئاسية في بلدين كبيرين ومؤثرين في العالم العربي وهما الولاياتالمتحدة الأمريكية في نونبر القادم وفي ماي من العام الذي يليه في فرنسا، واللذان لهما مصالحهما واستراتيجياتهما في المنطقة العربية، لا تكون أحيانا على نفس التناغم مع المصالح العربية. قمة مراكش ستلتئم يومي 29 و 30 مارس القادم وستكون خلالها محط أنظار ملايين المواطنين العرب والمراقبين الدوليين المتابعين لقضايا الوطن العربي وهم يتطلعون إلى ما ستسفر عنه أشغال أول قمة عربية تحتضنها المملكة المغربية، وبسبب الظروف الصعبة التي تنعقد في ظلها أجمع الكثيرون أن انتظاراتها ستكون كبيرة لسببين. الأول أن مشاكل وأزمات العالم العربي لم تزدد إلا استفحالا منذ آخر قمة عقدت في شرم الشيخ المصرية في مارس 2015، الأمر الذي أصبح لازما معه ضرورة إطلاق حقبة جديدة من العمل المشترك يركز بشكل خاص على الأمن القومي للمنطقة في مواجهة التحديات الحالية وعلى رأسها تفشي ظاهرة الإرهاب. وثانيا أن مكانة وموقع الملك محمد السادس وخبراته المتراكمة ستكون فرصة وعاملا لن يعوضان لحلحلة العديد من القضايا التي لاتقبل التأجيل. بعد أسابيع إذن من الآن وبعد إنهاء كل الترتيبات السياسية واللوجستيكية ستقوم وفود وزارية حاملة دعوات من جلالة الملك محمد السادس إلى ملوك وأمراء ورؤساء عرب من أجل المشاركة في القمة العربية التي ستعقد في مراكش في أواخر مارس القادم. القمة العربية في دورتها السابعة والعشرون والتي اختار جلالة الملك أن تستضيفها إحدى العواصم التاريخية السابقة للدولة المغربية وهي مراكش من المنتظر وحسب أغلبية المحللين والمراقبين للشأن العربي أن تدشن عقدا جديدا، أولا لمواجهة التحديات الخطيرة والصعبة والمصيرية المطروحة على العالم العربي حاليا وفي صلب ذلك إخراج المنطقة من الزوابع والارتدادات التي ما فتئت تحيط بها وتهدد كياناتها من أكثر من طرف متربص وفي مقدمة ذلك شبكات الإرهاب والتطرف، وثانيا دفعا بعمل الجامعة العربية بعد أن تعالت الأصوات منذ مدة بضرورة حلها بعد أن أصبحت مجرد آلية لتسجيل المواقف ولا شيء غير ذلك. رغم أن قمة العرب في مارس القادم هي قمة عادية وليست طارئة إلا أنه ومع ذلك وبالنظر إلى الظروف الخطيرة التي مرت وتمر منها البلدان العربية خاصة في السنة المنصرمة 2015 والحالية 2016 تجعل منها أحد القمم المنتظرة والضروري منها أن تخرج بقرارات كبرى، جوابا على التحديات العديدة المطروحة على أجندة الملوك والرؤساء العرب. في مقدمة ذلك ماتعلق منها بالتهديدات الإرهابية ارتباطا بما يجري في العراق وسوريا والتي أصبحت تهدد أكثر من دولة عربية في عقر دارها، ثم الوضع الفلسطيني الذي مايزال يراوح مكانه دون حل بسبب السياسات الإسرائيلية الرافضة للحل خاصة منها ماتعلق بتواصل السياسة الاستيطانية، أما الوضع في لبنان فهو الآخر مايزال يراوح مكانه بعد أن فشلت القوى الفاعلة على المستوى اللبناني في الاتفاق على مرشح لتحمل منصب الرئاسة مقبولا من جميع الأحزاب والطوائف خصوصا في هذه الفترة التي أصبح الإرهاب يطرق أبوابها هي الأخرى. ثم أكبر القضايا التي لم تعد تقبل التأجيل بعد أن أصبحت تشكل أكبر تهديد لشمال إفريقيا وجنوب المتوسط ألا وهي ليبيا. رغم صعوبة إيجاد حلول خلال قمة مراكش القادمة لكل هذه القضايا الصعبة والخطيرة يتطلع الكثيرون من الراغبين في إخراج العالم العربي من مشاكله على حكمة الملك محمد السادس والاحترام والتقدير الذي يتمتع به في كل العواصم العربية من أجل الدفع بمعية قادة العالم العربي لحلحلة كل هذه الانتظارات لاسيما أن جلالة الملك ومنذ اعتلائه المسؤولية ظل يعبر في كل فرصة سانحة عن مواقف متميزة تجمع ولا تفرق، وهي المواقف التي أعاد التأكيد عليها في خطاب العرش الأخير وفيه قال أن المغرب ووفاء لانتمائه العربي والإسلامي دعم وسيدعم أشقائه وشركائه الاستراتيجيين العرب وخاصة في حربهم ضد آفة الإرهاب، ومن هذا المنطلق وكما قال في الخطاب ذاته انخرط في التحالفات العربية، لمكافحة الإرهاب، ومن أجل إعادة الشرعية في اليمن، وقدم ومازال يقدم الدعم للعديد من البلدان العربية وهي تواجه خطر التهديد الإرهابي والتكفيري سواء في تونس أو الإمارات العربية المتحدة أو السعودية أو مملكة البحرين. وآخر تدخل للمغرب من أجل المساهمة في حل القضايا العربية الدور الحاسم للملك محمد السادس بخصوص الأزمة الليبية حيث لعب دورا حاسما في إبرام اتفاق السلام التاريخي الليبي بالصخيرات، وهو الاتفاق الذي وضع خارطة طريق من أجل إعادة الاستقرار والسلم إلى ليبيا. وكان لدور المملكة في هذا البلد المغاربي تقدير من العديد من الدول الكبرى بما فيها أمريكا وفرنسا وإيطاليا، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي عبر عن تشكراته للملك محمد السادس، وللحكومة المغربية عقب التوقيع على هذا الاتفاق السياسي التاريخي. ومن المستجدات التي طرأت على الوضع العربي أسابيع قليلة على انعقاد قمة مراكش، الأمر الذي سيفرض على الأخيرة اتخاذ موقف مساند للرياض التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران والذي وصل حد سحب السفراء وتجميد العلاقات بينهما والذي يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات وإن كانت لن تصل لمرحلة الحرب المباشرة لأن الصراعات تدار حاليا ب «حروب الوكالة» وفي وضع الرياض وطهران تجري هذه الحرب في سوريا واليمن ولبنان. ويبقى التساؤل بخصوص الأزمة السعودية الإيرانية هل ستتمكن قمة مراكش من القدرة على إصدار موقف موحد داعم للعربية السعودية، أو ستتحفظ عليه كل من الجزائر ولبنان كما وقع في اجتماع للجامعة العربية على مستوى وزارء الخارجية في القاهرة منذ أسابيع قليلة. رغم أن الأوضاع الصعبة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وبشكل أقل في لبنان تقتضي إيجاد حلول سريعة لأوضاعها مع احترام سيادتها ووحدتها كما قال جلالة الملك في خطاب العرش الأخير، إلا أن القضية الفلسطينية تبقى إحدى القضايا العربية الأخرى التي لن تغيب عن مناقشات القمة والتي تتوجب البحث عن حلول لها. وكما أكد محمد السادس في الخطاب ذاته بصفته ملك المغرب ورئيس لجنة القدس، دعمه الموصول لأشقائه الفلسطينيين، قادة وشعبا، من أجل استرجاع حقوقهم المشروعة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. المغرب .. أكثر البلدان استضافة للقمم العربية يعتبر المغرب من أكثر البلدان استضافةً للقمم العربية باجتماعاتها الاعتيادية والاستثنائية. فأول قمة كانت في البيضاء سنة 65 وآخرها في المدينة ذاتها سنة 89 . وقد استضاف المغرب القمة العربية سبع مرات، تليه مصر بست مرات. شتنبر 1965 كان انعقاد أول قمة عربية في الدارالبيضاء في المغرب بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني في شتنبر من عام 1965. مؤتمر قمة البيضاء الذي شاركت فيه 12 دولة عربية بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، صدر عنه بيان ختامي شمل مجموعة من القرارات أهمها الموافقة على نص ميثاق التضامن العربي والمطالبة بتصفية القواعد الأجنبية وتأييد نزع السلاح ومنع انتشار الأسلحة النووية ودعم منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير، ودراسة مطلب إنشاء المجلس الوطني الفلسطيني. دجنبر 1969 وبعد أربع سنوات استضافت العاصمة المغربية الرباط القمة العربية التي عقدت في دجنبر من عام 1969 وشاركت فيها أربعة عشرة دولة عربية، بهدف وضع استراتيجية عربية لمواجهة إسرائيل، ولكن قادة الدول العربية افترقوا قبل أن يصدر عنهم أي قرار أو بيان ختامي. 1974 أكتوبر عاد المغرب عام 1974 وبالضبط في 26 أكتوبر لاستضافة قمة جديدة وضعت أسس العمل العربي المشترك، والالتزام باستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، واعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني في المغرب. مؤتمر هذه السنة شاركت فيه جميع الدول العربية ومن بينها الصومال التي تشارك لأول مرة في مؤتمر قمة عربي. ومن قراراته التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة في يونيو 1967، وتحرير مدينة القدس، وعدم التنازل عن ذلك.. تعزيز القوى الذاتية للدول العربية عسكريا، واقتصاديا، وسياسيا، وتجنب المعارك والخلافات الهامشية. ثم اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.. توثيق الصلة والتعاون مع المنظمات والمحافل الدولية..تقديرالاحتياجات السنوية لدعم دول المواجهة عسكريا.. إنشاء صندوق خاص للإعلام العربي..توحيد الموقف العربي من قضية الصحراء المغربية وتقديم معونات للصومال وموريتانيا..الموافقة على تلبية دعوة الرئيس الصومالي انذاك محمد سياد بري في استضافة القمة العربية القادمة في العاصمة الصومالية مقديشو. نونبر 1981 وبعد سبعة أعوام استضافت المملكة مرة أخرى مؤتمر قمة عربي وكان هذه المرة في فاس وعقد في 25 نونبر 1981. القمة شاركت فيها جميع الدول العربية باستثناء مصر والتي كانت ماتزال مبعدة من الجامعة العربية بسبب اتفاقات كامب ديفيد، وانتهت أعمال المؤتمر بعد خمس ساعات، عندما رفضت سوريا مسبقا خطة العاهل السعودي الملك فهد لحل أزمة الشرق الأوسط التي طرحت في المؤتمر، وتقرر إرجاء أعمال المؤتمر إلى وقت لاحق في فاس أيضا، حيث عقد في 6 شتنبر 1982 أياما قليلة بعد إنهاء الحصار الإسرائيلي المدمر للعاصمة اللبنانيةبيروت وإخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وشاركت فيه تسعة عشرة دولة وتغيبت ليبيا ومصر، واعترفت فيه الدول العربية ضمنيا بوجود إسرائيل، وصدر عنه بيان ختامي تضمن مجموعة من القرارات أهمها إقرار مشروع السلام العربي مع إسرائيل، أهم ما تضمنه: انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، وإزالة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي التي احتلت بعد عام 1967 وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعويض من لا يرغب بالعودة. مع الإدانة الشديدة للعدوان الإسرائيلي على الشعبين اللبناني والفلسطيني..وبخصوص الحرب العراقيةالإيرانية، دعا المؤتمر إلى ضرورة التزام الطرفين بقرارات مجلس الأمن الدولي. غشت 1985 وفي 20 غشت 1985، وبناء على دعوة من الملك الحسن الثاني استضاف المغرب في الدارالبيضاء قمة عربية أخرى. البيان الختامي الصادر عن الأخيرة تضمن مجموعة من القرارات أهمها..تأليف لجنتين لتنقية الأجواء العربية وحل الخلافات بين الأشقاء العرب..الاستنكار والأسف الشديدين لإصرار إيران على مواصلة الحرب، وإعلان المؤتمر تعبئة جميع الجهود لوضع حد سريع للقتال.. التنديد بالإرهاب بجميع أشكاله وأنواعه ومصادره، وفي مقدمته الإرهاب الإسرائيلي داخل فلسطين.. المطالبة برفع الحصار الذي تفرضه ميليشيات حركة أمل الشيعية على المخيمات الفلسطينية. مايو 1989 الدارالبيضاء وبعد أربع سنوات وبالضبط 23مايو 1989 استضافت قمة جديدة أهم ما تمخض عنها استعادة مصر وضعها على الصعيد العربي وعضويتها في الجامعة العربية، وتغيب لبنان الذي كانت تتنازع السلطة فيه حكومتان..لم يصدر عن المؤتمر بيان ختامي، لكن أصدر مجموعة من القرارات، من بينها تقديم الدعم والمساعدة المعنوية والمادية للانتفاضة الفلسطينية..تأييد عقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط.. تأييد قيام دولة فلسطين المستقلة والعمل لتوسيع الاعتراف بها.