احتراف نهب الأراضي وبيعها أصبحت حرفة ومهنة لدى الكثيرين بشمال المغرب، من تطوان لمرتيل للمضيق فالفنيدق، سماسرة متخصصون في الترامي على الأراضي، البناء فوقها أو بيعها مباشرة. الحرفة لم تعد مقتصرة على سماسرة عاديين، لكن بعض المنتخبين والمستشارين الجماعيين، أصبحوا هم الوسطاء أو «الدعامة» الأساسية لكل هاته العمليات، حتى أن المواطنين يرون فيهم «الضمانة» لعملية البيع والشراء تلك، ولا يصدقون أنهم ضحايا قد يذهب الريح بكل ما دفعوه في حال ظهر مالك للأرض، أو قررت السلطات هدم المنازل المبنية بطريقة غير قانونية كما حدث مؤخرا. حي الصومال الذي أضحى مرتعا لبعض من هؤلاء السماسرة، كادت أراضيه تستنزف بعد نهب الكثير منها، بعضها للأملاك المخزنية وأخرى للأوقاف وثالثة للخواص، لكن كلها كانت تلقى نفس المصير، سماسرة متمرسين بمعية مستشارين جماعيين، يلعبون كما يريدون بالوثائق وعقود البيع، مما أنشأ حيا عشوائيا بكل المقاييس، لكن الحسم الذي تعاملت به السلطات مؤخرا، جعل هؤلاء السماسرة يغيرون وجهتهم ويبحثون عن أماكن أخرى. السلطات المحلية بتطوان، التي وجدت نفسها خلال الأشهر القليلة الماضية أمام مشكل الترامي على أراضي الغير، والبناء العشوائي خاصة في فترة الحملة الانتخابية وما تلاها، لكنها استدركت الوضع بعد ذلك لتضع حدا للنصب على المواطنين الذين ذهب عدد منهم ضحية هؤلاء النصابة، والذي تبين بالملموس أن من بينهم مستشارين جماعيين، معروفون بعملياتهم تلك في أحياء أخرى، والذين انتقلوا إلى أحياء أخرى «لنقل التجربة» لها، معتمدين على وضعيتهم كمستشارين لتأكيد عمليات البيع تلك، خاصة وأن منهم من رافقهم مسؤولون جماعيون خلال الحملة الانتخابية لعين المكان، وكان هدف ظهورهم أمام المواطنين ل«ختم» عمليات نصبه. «الأحداث المغربية» اطلعت على واحدة من الوثائق التي تؤكد ذلك، حيث يفوض شخص لا يملك ولا سنتمتر واحد من الأراضي بحي مورسيا، لأحد المستشارين المعروفين، حق بيع قطع أرضية لفائدته بالحي ذاته. الوثيقة المعنية هناك ما يشبهها بأسماء مستشارين آخرين، وصلت إلى أيادي السلطات الترابية التي فتحت تحقيقا ميدانيا لمعرفة كيف تتم العملية ككل، فيما أكدت مصادر أخرى أن النيابة العامة تشتغل في الموضوع ذاته، وأنها على وشك فتح تحقيق رسمي خاصة بعد تقدم بعض الضحايا بشكاوى مباشرة، تؤكد بيع هؤلاء تلك الأراضي لهم بواسطة عقود مصادق عليها. «انا الموقع أسفل... بصفتي مالكا للقطع الأرضية... بحي مورسيا، أفوض السيد... بصفته مستشارا بجماعة تطوان حق بيع البقع الأرضية الموجودة في حوزتي والمذكورة في هذا التفويض...» هكذا يتم تحرير تلك التفويضات ليس للشخص، بل له بصفته مستشارا، وهو ما يضفي على عملية البيع تلك «مصداقية»، خاصة وأنها تتم بعقود مصادق عليها فقط، الأمر الممنوع قانونيا من لدن مصالح الجماعة والسلطات، لكن الحسابات السياسية تجعل توقيعها من السهولة بمكان بالنسبة للمستشار المعني، بل أحيانا يكون هو الآمر الناهي وما على الموظف سوى الاستجابة له. التحقيق في هاته القضية هو الآن بيد والي تطوان، بعد استجماع بعض مسؤولي المقاطعات لتلك الوثائق/التفويضات، التي تبين أن هناك العشرات منها، وجلها باسم أحد المستشارين، كذلك بعض المستشارين المحسوبين على الأغلبية المسيرة، ممن استغلوا الوضع خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لتمرير ما يريدون مقابل رزمة من الأصوات. بعض الفاعلين والمهتمين بالشأن المحلي، طالبوا بضرورة الكشف عن أسماء المستشارين المتورطين وفتح تحقيق رسمي في الموضوع، بهدف تعويض الضحايا من المواطنين الذين اشتروا منهم أراض، وممن بنوا فوقها ليجدوا الجرافات تهدم منازلهم. المطالبة بالحق في التعويض أمر مشروع يقول مصدر حقوقي بتطوان، في توضيح لمطالب بعض المواطنين الذين هدمت منازلهم من طرف السلطات مؤخرا، حيث يوجد من بينهم من اشترى تلك الأراضي من هؤلاء المستشارين السماسرة، ويتوفر على أختمام الجماعة، بل ووثائق شبيهة برخص حقيقية تنطلي على البسطاء من المواطنين، جلهم قادمون من البوادي ومعارفهم محدودة جدا، وأكد مصدر مقرب أن والي تطوان يتتبع الموضوع عن كثب، وبتنسيق مع النيابة العامة والسلطات المختصة، حيث يمكن أن يوقع هذا الملف الكثير من الرؤوس المعروفة. مصطفى العباسي