قدمت الطبعة 21 من مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف لمتابعيها مساء أمس الأحد بمسرح محمد الخامس ضمن فقرة العروض الخاصة للسينما المغربية، عرضا جديدا من الفيلم السينمائي "البحر من ورائكم" للمخرج المتميز هشام العسري بحضور عدد من الممثلين المشاركين فيه على غرار مالك أخميس ونجاة خير الله.. الفيلم يحكي قصة الشاب "طارق" الذي يتمثل في مخيلته بالشخصية التاريخية "طارق بن زياد"، رغم فشله البادي في الحياة من خلال استسلامه الذي جعله يفقد زوجته ويقبل بسهولة قتل أبنائه من قبل ضابط شرطة متعسف في استعمال السلطة. "طارق" الذي لا يجد ذاته، إلا لحظات وقوفه على العربة للرقص، بعد ارتداء لباس نسوي والتزين بمختلف المساحيق التجميلية رغم الشنب الذي يحيل إلى ذكورته… لحظتها فقط، يشعر "طارق" بالرضا إثر جلب اهتمام كل المتابعين لرقصاته لتنتهي هاته السعادة المؤقتة مجددا، بعد خلعه الملابس النسوية وإزالة الماكياج.. وسيرا على النهج الفني الذي اختاره المخرج هشام العسري في مختلف أعماله السينمائية، فإنه اختار رواية قصة فيلمه "البحر من ورائكم" موظفا اللونين الأبيض والأسود في إشارة واضحة إلى قتامة الحياة من جهة وقتامة الظروف التي يعيشها أبطال العمل من جهة ثانية.. سواد تجلت معالمه في العديد من الصور القوية التي تضمنها الفيلم، والتي تحمل العديد من الاستعارات التي تحيل إلى مقاصد المخرج.. ولعل من بين هاته المشاهد مثلا، مشهد يبدو فيه البطل وهو يحرك فنجان القهوة والحليب، و الذي يحيل إلى تذكره مداعبة ثدي خليلته..
القساوة والسواد والظلم الاجتماعي والعجز والكبت وغيرها من المواضيع القاتمة التي صورها المخرج هشام العسري بنظرته الخاصة وحكيه البعيد عن السرد الكلاسيكي للأحداث، من خلال إيلاء أهمية قصوى للصورة القوية التي تنقل للمشاهد أدق التفاصيل بعيدا عن الحوار. ليترك للأخير حرية الاستخلاص والفهم، بدون تقييده بمضمون حوار صاغه واعتمده في بناء فيلمه السينمائي.. وفي هذا الإطار، تضمن فيلم "البحر من ورائكم" العديد من المشاهد القوية، على غرار مشهد يبدو فيه أحد الأبطال وهو يضاجع حمارة مستمتعا بالأمر بل، ومغريا صديقه "طارق" بتجريب العمل بالمسألة إن لم يكن قد فعلها سابقا، ومشهد احتضار الحصان الذي منحه صاحبه اسم "العربي" ورفضه المضي، وآخر يتعلق بقتل الحمار من قبل الشرطي.. هو النهج الذي اختاره هشام العسري في مساره الإخراجي، والذي ميزه على باقي المخرجين المغاربة على مستوى السينما المغربية.. وكما جرت العادة، فإن نقاشا أعقب عرض الفيلم بحضور بطله الفنان مالك أخميس، الذي أوضح أنه استمتع بتجسيد دور "طارق" في العمل مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بشخصية ضعيفة وفاشلة تتمنى في الخيال التمثل بشخصية طارق بن زياد التاريخية والمشهود لها ببطولتها وشجاعتها.. وهو ما تمنت شخصية "طارق" أن تكون عليه في واقع الحال، الذي تعيشه ضعيفة وواهنة ومستسلمة لكل الشخصيات السلطوية المحيطة بها. كما ذكر مالك أخميس أنه يحب الاشتغال تحت إدارة المخرج هشام العسري، لأنه يمتلك طريقة سحرية في التعامل مع الممثل خلال التصوير، وهو ما يجعل الأخير يمنح للدور كل الطاقة ليكون في المستوى المطلوب الذي يتوخاه المخرج..
يشار إلى أن فيلم "البحر من ورائكم" من تشخيص كل من مالك أخميس وحسن باديدا ومحمد أوراغ وياسين السكال وحنان زهدي وزينب السمايكي ومشاركة لنجاة خير الله.. اكرام زايد