المرضى الذين توافدوا في صباح ذلك اليوم من أيام شهر دجنبر من السنة الماضية إلى القاعة المخصصة للاستقبال بالطابق السفلي بجناح أمراض الدم بمستشفى 20 غشت بالبيضاء، كانوا أقل تفاؤلا. علامات الترقب كانت تعلو ملامحهم المتعبة، منهم من وجد صعوبة حتى في العثور على كرسي متحرك للتمكن من الدخول دون مساعدة مرافقين له من العائلة، وهم يتابعون حركة الموظفة المسؤولة عن توزيع المواعيد الطبية، التي تظهر وتختفي بين الأقسام، دون أن تعير أدنى اهتمام للحالات المستعجلة للبعض منهم في «الفوز» بفحص من طبيب أو طبيبة أو في أفضل الحالات الحصول على موعد قريب يجنبهم ماقد تحمله مضاعفات وضعهم الصحي الحرج. مقامهم بهذا الفضاء الذي لايعبأ القائمون فيه كثيرا بملفات المرضى المتروكة بشكل فوضوي فوق المكاتب وفي «الكولوار» يدعو إلى الاستغراب، «ألالا مابقيتش غادي نرجع، أنا غادي نمشي نموت فمدينتي» هكذا ظل يصرخ أحد المرضى، قدم من مدينة ورزازات في وجه الموظفة كجواب أخير على التماطل المتكرر لاستقباله وهو يلوح بملفه الأزرق و«مراطون» «سير واجي» بدون جدوى أملا في العلاج وهو يتأمل التاريخ الذي دونته، والذي يمتد إلى أربعة أسابيع. أما الطامة الكبرى فإن الموعد مقرون بتوفير جملة من التحليلات الطبية، وصور الأشعة، هي بدورها تتطلب منه الحصول على مواعيد طويلة بمختبر المركز الجامعي ابن رشد، حيث لن يكون بمقدوره إنجازها بالقطاع الخاص بإمكانياته المنعدمة أصلا في ظل عدم استفادته من تغطية صحية. الاستشفاء، نقص التجهيزات والموارد البشرية، مشكلة المواعيد المتباعدة بداخل المؤسسة الاستشفائية، هي صورة مصغرة لتداعيات الخصاص بالمستشفيات العمومية والمراكز الجامعية، دفعت النقابات الممثلة للشغيلة الصحية، إلى إبداء قلقها من الوضعية الكارثية التي تعيشها المؤسسات الصحية بالمغرب، ومطالبتها المتكررة للوزارة المعنية والحكومة بالتراجع عن سياسة إفراغ القطاع من الأطر، خاصة بعد المغادرة الطوعية ل 2200 إطار وممرض دواليب العمل، بمختلف المراكز والمؤسسات الاستشفائية، والفراغ الذي خلفته العملية والذي قدر بالآلاف على المستوى الوطني. روزنامة مطالب شغيلة القطاع المضمنة في الحوار الاجتماعي ل 5 يوليوز 2011 والنصوص التي ظلت وإلى حدود الأسبوع الأخيرة من السنة الماضية «مجمدة» في «ثلاجة» وزارة المالية، وبالرغم من التوقيع على نصوصها التطبيقية من طرف وزير المالية السابق، في انتظار مصادقة نهائية عليها من طرف المجلس الحكومي، تظل غير كافية، فمطالب النقابات الصحية حسب دحماني محمد الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة العمومية العضو في الفيدرالية الدموقراطية للشغل، وفي تصريح للجريدة، تتمثل بالدرجة الأولى في «التسريع بتعميم أنظمة التغطية الصحية على شرائح عريضة من الفئات الفقيرة والتي لم تستفد بعد من نظام “الراميد”»، محملا مسؤولية ذلك للحكومة، بالنظر إلى ضعف الميزانية المخصصة للقطاع. وإذا كانت بطاقة «راميد»، هي الوسيلة التي وجد المتدخلون أنها حل لأزمة التطبيب والاستفشاء في المغرب، والتي ستمكن المرضى من العلاج مجانا وبدون أية شروط، فإن تعميمها مطلع سنة 2012 والشروع في توزيعها على أزيد من ثمانية ملايين نسمة من المعوزين وذوي الدخل المحدود، سيضع استراتيجية وزارة الصحة التي امتدت من سنة 2008 إلى 2012 على المحك في تجاوبها مع مطالب النقابات بخصوص تعميم الخدمات الصحية ومجانيتها على الفقراء. التعيينات الواسعة التي أقدمت عليها الوزارة مؤخرا في صفوف المدراء الجهويين للوزارة، حسب المسؤول النقابي، طرحت بدورها العديد من الأسئلة حول الظروف التي دفعت الوزيرة السابقة إلى إعفاء العديد من مسؤوليها الذين لم يعمروا على رأس المندوبيات الجهوية أكثر من سنة، في الوقت الذي لا تخضع فيه الترقيات للمسؤولية ولمعايير الكفاءة والمردودية، حيث يظل مطلب النقابات حسب دحماني «ضرورة تطبيق مزيد من الشفافية، في التعيين وإسناد المسؤوليات بمختلف المراكز حسب الكفاءة والأقدمية». أوضاع المراكز الجامعية، ستكون بدورها حاضرة في المفاوضات المقبلة بين النقابات المهنية، والحكومة، من خلال المطالبة بتحسين الأوضاع المادية والمهنية، للأطباء المقيمين والداخليين، ومراجعة القوانين المنظمة لهذه المراكز، وتعميم تطبيق المراسيم الصادرة عن وزارة الصحة مع تفيعل الحركة الانتقالية في مابين المراكز. أما بالنسبة للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، التي أعلنت منذ البداية عن رفضها لمضامين اتفاق خامس يوليوز ضمن الحوار الاجتماعي، من السنة الماضية، على اعتبار أن «جل بنوده مرهونة بشروط مستقبلية غامضة لا تشجع على تطبيقه»، فمن بين المطالب الكبرى التي سترفعها النقابة إلى الحكومة والوزارة الوصية، وعلى لسان كاتبها العام، لهناوي، للجريدة «التعجيل بمعادلة دكتوراه الطب بالدكتوراه الوطنية، وهي مسألة عادلة ومشروعة تسمية وواقعا ومضمونا، وبالتالي فإن طرح النظام الأساسي ونظام الدكتوراه يجب ألا يكون بمعزل عن باقي الجوانب الأخرى بشكل يضمن تكوينا دراسيا يأخذ بعين الاعتبار الخصاص الذي يعرفه القطاع»، علاوة يقول المسؤول على مطالب ك «توفير الأمن داخل المؤسسات الصحية، وتحسين ظروف شغيلة القطاع، لأن كرامة الطبيب أو الممرض هي من قبل كل شيء من كرامة المريض». عارف