ما الذي يمكن أن يجمع بين ملاكم مبتز مزق جواز سفره في التلفزيون مباشرة، وبين انفصالية من انفصاليي الداخل استفادت من "كريمات" ولا تتورع عن سب بلدها الذي لا تعتبره بلدها في كل محافل الدنيا وبين ضابط سابق في الجيش لم يكتشف "الفساد" في هاته المؤسسة إلا بعد أن أمضى سنوات فيها، مستفيدا منها ومن خيراتها، وبين رجل يقول عن نفسه إنه مؤرخ وفي الوقت نفسه إنه يكون الصحافيين الاستقصائيين في البلد وفي الوقت نفسه يقفل مركزا للدراسات دون سابق إشعار فقط لأن حسابات مالية غامضة تهم هذا المركز؟ لا جامع ظاهريا بين هؤلاء، لكن هناك من يستطيع فعلا لي عنق الحقيقة، والقفز على عديد المتناقضات من أجل أن يصل إلى نتيجة لا رابط منطقي فيها سوى أنها تخدم المراد الوصول إليه. أي رابط بين المعطي وأميناتو وزكريا وعلي وأديب والآخرين غير المساس بصورة البلد واستغلال أي فرصة للإساءة للمغرب، والسقوط لعبة في يد أعداء الوطن؟ قراءة سريعة في بورتريهات لا رابط بينها سوى الإضراب عن الطعام، وأنها اليوم تسير عكس تيار المغرب فعلا وتريد بأي شكل من الأشكال أن تعيده إلى الوراء زكريا: الضربة القاضية لم يكن الملاكم زكريا المومني يعلم أنه سيوجه لنفسه بنفسه ضربة قاضية خطيرة للغاية وهو يمزق جواز سفره عبر الهواء مباشرة في بلاتو "تي في سانك" الفرنسية. الرجل الذي بح صوته وهو يطالب بالمزيد من الرخص أو على الأقل بالمزيد من المال لكي يصمت لم يستطيع أن يقنع المغاربة أنه معارض سياسي، ولم يستطع أن يدخل إلى أذهانهم أنه تعرض للتعذيب فعلا تاريخ الرجل مع اللهاث وراء "الكريمات" حرمه من أي مصداقية لدى الناس الذين ظلوا يتابعون قصته على أساس أنها مغامرة طائشة من رياضي سابق تصور أنه يمكن أن يمضي حياته كلها طالبا للمزيد من المال. عندما توقفت عجلة "الصدقة" عن الدوران تجاه المومني اكتشف على حين غرة أن التعذيب لازال قائما في السجون المغربية، واتهم مسؤولين كبار بأنهم تركوا كل مهامهم وتفرغوا لتعذيبه بأيديهم في معتقلات سرية كثيرة ضحك من يتابعون المغرب وأحواله وتوقعوا نهاية سيئة لملاكم تعود أن يضرب في الفراغ كل مرة أحس فيها حسابه البنكي بأنه فارغ، وكذلك كان. أتى المومني إلى بلاتو قناة أجنبية، مزق جواز سفره، ومعه مزق آخر أمل في أن يعتقد مغربي واحد في يوم من الأيام أن "معركة" هذا المبتز هي معركة عادلة، تماما مثل معركة المبتزة اللاحقة في البورتريه اللاحق أميناتو: اللا انتماء والارتزاق أميناتو حيدر لم تكن معروفة لدى الجمهور العريض إلا عندما تقرر لها أن تصبح واحدة من وجوه الانفصال في الداخل. اكتشف الناس أن السيدة سبق لها أن حصلت على امتيازات عديدة في البلد وأنها تنحدر من أسرة ذات وجاهة، وأنها فهمت من خلال إضراب مفتعل عن الطعام منذ سنوات أنه من السهل أن تنساق وراءك وسائل الإعلام الأجنبية التي تريد "الخدمة فالبلد" إذا ما سوقت جيدا إضرابك لذلك بقيت أميناتو في مطار أجنبي فترة من الوقت تدعي أنها تموت وتتضور جوعا لأنها لم تتمكن من الدخول بجواز سفرها المغربي إلى بلد لاتعتبره بلدها هو المغرب وذلك لكي تواصل النضال من أجل التحرر من هذا البلد الحكاية سوريالية ولا يصدقها عقل سليم، لكن أميناتو وجدت من يبارك لها الخطوات ومن يساندها في الحمق الذي ظلت ترتكبه في حق بلاد هي بلادها وليست بلادها في الوقت ذاته حسب تصورها المغاربة البسطاء ظلوا يصرحخون بكل قوة أنهم ملوا هاته النماذج وملوا التعامل المتساهل معها، ولطالما طالبوا بتجريدها من جنسيتها ومن جواز سفرها المغربي والاستغناء عنها تماما، لكن الصبر على أميناتو ظل دائما ديدن البلد حتى وهي تذهب مؤخرا إلى السويد لكي تخوض معركة أخرى ضد عودة قوية للديبلوماسية المغربية إلى اسكاندينافيا تجلت في ما وقع بين الرباط وبين ستوكهولم من توتر عقب تردد أحاديث عن قرار أو عن مشروع قرار سويدي لصالح البوليساريو اتضح أنه غير مطروح حاليا. أميناتو لن تتعب فهي تتلقى أتعابها أولا بأول مثلما في ذلك مثل البورتريه اللاحق المعطي: التأريخ والاستقصاء حكاية المعطي المنجب شرعت شيئا فشيئا في الإطلالة على الناس برأسها. في البدء لم يكن المغاربة قادرين على فهم ملابساتها. بدت لهم غريبة شيئا ما وتساءلوا فيما بينهم "من هو هذا الرجل؟" فيما بعد بدأت الحكاية تشرح نفسها بنفسها، واتضح أن الرجل كان يشرف في السابق على مركز للدراسات والإعلام يحمل إسم إبن رشد، قرر له في لحظة من اللحظات أن يقفله حينها قال المعطي إنه أقفله لأنه يتعرض لضغوطات. فيما بعد اتضح أن حسابات المركز المالية غير واضحة، أو لنقل على وجه التحديد أن المركز تلقى أموالا كثيرة من جهات أجنبية لكن تلك الأموال تاهت بين حسابات المركز وبين حسابات شخصية وفي الختام تبخر أثرها في الهواء الطلق حين مواجهة الرجل بهاته الحقائق، رفض تماما الحديث. تلفع في صمت لا يقول شيئا وقرر أن يمر إلى سلاح سبقته إليه أميناتو هو سلاح الإضراب عن الطعام (نفس السلاح سيلجأ إليه البورتريه اللاحق) مع التلويح بورقة الضغط الأجنبي من خلال تغطية مكثفة ودائمة لوسائل إعلام أجنبية لقضيته أو مايعتبرها قضيته في ملخص الحكاية جملة بسيطة قالها مسؤول مغربي يوما "ليجب الرجل عن أسئلة التحقيق وأين ذهبت أموال الإعانات الأجنبية وبعدها ستقفل هاته القضية إن كانت هناك قضية أصلا". مصدر مقرب من المؤرخ ومعلم الصحافة الاستقصائية قالها للموقع "لن يتحدث المعطي، لن يقول لهم شيئا عن المال لأنه يعرف أنه إن قال شيئا فسيورط نفسه". تلك هي الخلاصة الحقيقية إذن المرابط: علي دي لامانشا لهذا التطواني أمنية كبرى في حياته أن يشبه يوما هو الذي يتحدث الإسبانية بطلاقة البطل الشهير دي لامانشا في الرواية الأشهر الذي يتخيل يوميا أنه يصارع طواحين الهواء. منذ أن اكتشف علي الصحافة قادما إليها من عوالم الأبناك وهو يتصور نفسه الوحيد من بين الجميع – دون أي استثناء – القادر على الدخول في كل المعارك حد وصول هذا الوهم به المرحلة الأخيرة أي مرحلة سب كل زملائه في المهنة في البلد واتهاهم بأنهم يشتغلون مع الجهات وضده هو لوحده شرع علي في تصور "غده" المغربي عبارة عن مجلة حملت نفس المسمى "دومان" خصصها لنقد ساخر في مرحلة أولى ثم حولها إلى جريدة تمس أعراض الناس. حين أقفلت الجريدة نفسها بنفسها بعد أن انفض عن علي من شاركوه المغامرة الأولى بدأت حماقات الرجل في الظهور مليا إلى أن وصلت به يوما أن اتهم خبراء إداريين أتوا إلى المدينة القديمة بتطوان لتفحص المنازل أنهم أعضاء شرطة سرية أتوا لكي يصوروه لم يخرج علي من دوامة استيهاماته يوما، وأصبحت حياته عبارة عن معركة مع نفسه طيلة الساعات الأربع والعشرين التي يدومها اليوم: ينتهي من سباب ويبدأ سبابا آخر. يصفي حسابه مع بوبكر، ثم يمر إلى عمار، ينتهي من الإثنين يتذكر الأمير الأحمر، ينتهي من الثلاثة تعود إلى ذهنه الفكرة الأولى القائلة إنه الصحافي المهني المعارض الوحيد في البلد ويستأنف قتاله مع نفسه ومع المحيطين به الآن علي لم يعد يغري كثيرا الصحافة الإسبانية التي كانت تحتفي به، ولم يعد له أصدقاء كثر في الوسط الصحفي بعد أن اتهم الجميع بالعمالة، ولم يعد قراء بداية الألفينات يعرفونه لأنهم لم يعودوا موجودين. فقط موقع على الأنترنيت يحمل إسمه ويحمل معها بعض خربشاته يبقى هنا دليلا على عبور صحافي كان من الممكن أن يكون أفضل من مصارع طواحين هواء لو توفرت له قدرة صغيرة على التفكير يوما في أمر آخر غير الإساءة لبلده ، وغير الاشتغال مع كل من يريد سوءا بهذا البلد أحيانا بالمجان، وأحايين أخرى بمالايعرفه أحد من مقابل لكل الأتعاب... أديب وبقية الشلة لا أحد يتذكر الآن أديب سوى المومني وعلي وأميناتو، لذلك لا حاجة حتى للتذكير بقصته ولا بكل المغامرات التي خاضها سابقا من أجل الوصول إلى المشترك الوحيد بينه وبين من سبقوه: الاستفادة والمزيد من الاستفادة شيء ما يشبه الفريق المصغر أو الخلية يجمع الرفاق المذكورين في البورتريهات التي سلفت، تبدأ حكاية كل واحد منهم بنفس الطريقة، وتكاد تنتهي بشكل مشابه. كلهم يتصورون المغرب سيئا دونهم، ولا يعترفون له بأي تقدم، بل يعتبرون أنه في السنوات الأخرى، السابقة، القديمة، حين كان يستجيب لضغوطهم كلها كان أفضل بكثير المغاربة يعتقدون العكس، ويحبون هذا الحزم الذي أصبح البلد يواجه به هؤلاء وأمثالهم: الفضح علانية، والمواجهة، ثم تأكيدها وإعادة التأكيد عليها: هذا البلد لايخشى شيئا، ومن يمتلك عليه أدنى شبهة ليطرحها للرأي العام علانية، ودون إضراب آخر عن الطعام من فضلكم…فالكل يريد منكم أن تضربوا عن شيء واحد فقط: الإساءة إلى الوطن.