في صيف عام 1965، صرخ الفنان الراحل محمد بوشناق صرخة الحياة الأولى. كان ذلك بأحد أحياء وجدة القديمة، حيث نشأ وسط أسرة فنية وجدية عريقة. أصدقاء الراحل، الذي اختطفه الموت ليلة الاثنين الثلاثاء بوجدة عن سن تناهز 50 سنة، قالوا إنه لم يكف عن الصراخ بعد صرخة الحياة الأولى، لكنه كان صراخا هادئا تستسيغه الأذن، هو أقرب إلى المناجاة الرقيقة منه إلى الصراخ الضاج. كان هادئا، يقول أحد معارفه. لا تزعزعه العواصف. يفكر مليا قبل أن يتخذ أي قرار، ويعطي لقيم الحب والخير والفن والجمال مكان الصدارة في حياته. "العمق والاتزان" وسما حياته، طوال مساره الفني، وفق ما يؤكد الكثيرون ممن عاشوا إلى جانب الراحل. وبدا التأثر واضحا على كل الذين استقت وكالة المغرب العربي للأنباء شهاداتهم حول سيرة الرجل وتراثه. ولم يستطع شقيقه عمر، الذي رافق الفقيد في رحلة الحياة والفن على مدى عقود، أن يحبس دموعه وهو يقول "الفقيد كان فنانا استثنائيا، متسامحا ومسالما. القلب الكبير هو أخي محمد". وفي تلك الرحلة الفنية الطويلة، التي نقلت فرقة الإخوان بوشناق من المحلية الضيقة نحو العالمية واسعة الأفق، كان الراحل محمد بوشناق أحد أبرز أعمدة الفرقة، ورافقها في مسيرة نجاحها اللافت منذ أواخر السبعينات وحتى مطلع التسعينات. ولئن توقفت الرحلة الجماعية لفرقة الإخوان بوشناق في عام 1992 واختط الأشقاء مساراتهم الفنية الخاصة، فإن حبال الود الأخوي لم تنقطع بينهم منذ ذلك الحين. وظل حلم العودة وجمع الشمل يسكن مخيلات الفنانين الأشقاء. "مات أخي قبل أن تتحقق الأمنية. شاءت الأقدار أن ينتزع من بيننا، ونحن في أوج الإعداد لمشروع إعادة جمع الشمل ?"، يقول الفنان حميد بوشناق، الذي كان رائد فرقة الإخوان بوشناق إلى حدود بداية التسعينات. وحققت الفرقة، التي كان الراحل محمد بوشناق أحد أبرز موسيقييها، نجاحا غير مسبوق قبل ظهور الإرهاصات الأولى لبروز فن الراي بالجهة الشرقية وانتشاره بالمغرب وخارجه، في منتصف الثمانينات، وفق ما أكد الباحث في التراث المحلي يحيى بلخو، في تصريح مماثل. وأضفى الإخوان بوشناق نكهة خاصة على أغنية الراي عبر استلهام التراث الموسيقي المحلي، لا سيما الطبوع الغرناطية، في إبداعاتهم الفنية. ما جعل الفرقة إحدى الظواهر الموسيقية المغربية، إلى جانب مجموعات موسيقية أخرى من قبيل "الإخوان ميكري" بالجهة الشرقية. وساهم الراحل إلى جانب أشقائه في إبداع أغان لا زال يتردد صداها إلى اليوم، ومنها "فرحتنا زينة"، و"مزينها ليلة"، و"هي هي". وعزف، ضمن فرقة الإخوان بوشناق، على آلة القيثارة، كما اشتغل بالتلحين وتسجيل وإنتاج الأغاني في مرحلة لاحقة. ونشأ محمد بوشناق في بيئة موسيقية، إذ كان والده، الراحل بنيونس بوشناق أفندي، أحد رواد الفن الغرناطي بالجهة الشرقية والمغرب. ومنه ورث الحس الفني المرهف والاشتغال على تطويع التراث الموسيقي المحلي في قوالب فنية عصرية. وكان الراحل قد فارق الحياة بإحدى مصحات المدينة على إثر تعرضه لأزمة قلبية .