لم تفرز صناديق اقتراع 25 نونبر صعودا لحزب العدالة والتنمية فقط بل أيضا أفرزت نقاشا حول تصارع قيم المحافظة وقيم الحداثة. النقاش استأثر به فريقان، الأول يتبنى الطرح القائل بأن نتائج الاقتراع تؤكد تصاعد التيار المحافظ في المجتمع وانتصاره على الحداثيين في هذه المحطة، في حين يذهب الفريق الثاني إلى نقيض هذا الطرح معتبرا أن هذه النتائج هي سياسية بالدرجة الأولى وأنه لا يمكن معرفة ما إذا كان المصوتون لحزب العدالة والتنمية محافظون أم لا. في خضم هذا النقاش حول توجه المجتمع المغربي نحو المحافظة أم لا؟ جاء استطلاع الرأي الذي أنجزته مؤسسة LMS-CSA لفائدة أسبوعية «أكتيال» ليخلص إلى أرقام تجيب بشكل ملتبس على سؤالنا الرئيسي. استطلاعات الرأي هي شبه دراسة عددية لتوجهات الرأي العام. وقد جاءت نتائج هذا الاستطلاع لتؤكد ما أفرزته صناديق الاقتراع بحيث وضع 82٪ من المستجوبين ثقتهم في عبد الاله بنكيران. ما يهمني شخصيا في هذا الموضوع هي أجوبة المستجوبين حول أسئلة من قبيل بيع المشروبات الكحولية وإقامة المهرجانات والاجهاض. الأرقام تقول بأن 77٪ مع منع بيع الخمور فيما ذهب 57 ٪ إلى إلغاء المهرجانات، وعبر 49٪ عن تأييدهم للاجهاض في حين عارضه 32٪ بشكل قاطع. هل يمكن اعتبار هذه الأرقام دليلا على أن المجتمع المغربي يتجه أكثر نحو المحافظة؟ لا نعني بقيم المحافظة فقط القيم الاسلامية بل قيم مجتمعية موغلة في الأعراف والتقليد بشكل لا يقبل الجدل، علما أن المجتمع المغربي هو مجتمع متفتح يدين بإسلام وسطي لا ينحو إلى التشدد، فهل أتبثت نتائج الاستطلاع عكس ذلك؟ قراءة الأرقام بشكل سطحي كما تم تداوله تسير في هذا الاتجاه، بالنسبة إلى المتخصصين في استطلاعات الرأي فإنهم يضعون في جميع استماراتهم أسئلة حول الموضوع الرئيسي لكن هناك دائما أسئلة أخرى تقيس مدى دقة الأجوبة الأساسية. من الأجوبة المهمة التي تفند هذا الاتجاه الموغل في المحافظة هي أن نصف العينة لا يعارض الاجهاض علما أن الاجهاض محرم شرعا (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله)، وبالرغم من أن التعاليم الدينية تأمر فقط باجتناب الخمر ذهب 77٪ إلى منعه، كيف إذن يتم تفسير هذا التناقض؟ إن 32٪ هي نسبة المستجوبين الذين عبروا عن رفضهم القاطع للاجهاض وهي بذلك النسبة التي لم تتناقض مع نفسها وعبرت عن قيمها المحافظة وهي بذلك النسبة التي يمكن على أساسها إعادة قراءة نتائج الاستطلاع، من زاوية أكثر دقة باستخلاص هذه النسبة من بقية الأرقام، وليتضح في النهاية أن بعض الأجوبة تحمل في طياتها ملامح «سكيزوفرينية» تحتاج إلى دراسة سوسيولوجية وسيكولوجية حقيقية.