كشفت قضية اعتقال عون سلطة برتبة شيخ يعمل بالملحقة الإدارية باب أغماث بالمدينة العتيقة بمراكش، على خلفية تورطه في تمكين رجل متزوج وأب لأطفال من شهادة العزوبة، استغلها في عقد قرانه على زوجة ثانية وركوبه قطار التعدد الزوجي بعيدا عن مدونة الأسرة، (كشفت) عن استمرار نزيف هذا النوع من التحايلات التي ضربت في مقتل كل النصوص والبنود المؤسسة لمدونة الأسرة. فالزوجة التي فوجئت بالحليل وأب العيال يقدم على عقد قرانه مرة أخرى على زوجة ثانية دون أن يكلف نفسه عناء إخبارها بما وطد العزم عليه، وبالنظر لمعرفتها ببعض ما تضمنته بنود مدونة الأسرة من حيث إلزامية اطلاعها على هكذا خطوة، ستشرع في استجلاء تفاصيل المسطرة التي سلكها وجعلته في حل من إخطارها برغبته في الرفع من منسوب حريمه عبر إضافة زوجة ثانية، فقادتها التحريات إلى تواطؤ عون للسلطة قام بتغطية العملية بشهادة عزوبة اعتمدها البعل في إتمام مبتغاه، ومن ثمة مسارعتها بتقديم شكاية في الموضوع انتهت باعتقال عون السلطة وإيداعه أسوار السجن المحلي بتهمة التزوير. واقعة لن تكون الأولى من نوعها، حيث يفيض إناء الأسر المراكشية بالعديد من الوقائع والأحداث المماثلة، نجح من خلالها بعض الأزواج في مراوغة بنود مدونة الأسرة وضمان إضافة زوجة ثانية لفراش الزوجية، عبر ابتكار طرق ووسائل مثيرة تكشف في بعض تفاصيلها عن استمرار نزيف هضم حقوق المرأة تحت وطأة الضغوط الاجتماعية. العديد من الملفات والقضايا التي تنظر فيها محاكم المدينة تؤكد استمرار العديد من الأزواج في ركوب قطار التعدد، عبر اعتماد طرق ملتوية للتحايل على بنود مدونة الأسرة، التي حاولت تقنين العملية إلى حد المستحيل. بعض الأشخاص الذين حاصرتهم القوانين الجديدة، لم يجدوا غضاضة في ابتكار أساليب احتيالية، تشرع أمامهم أبواب التعدد، وتحشر زوجاتهم في شرنقة "الضرة"، بعيدا عن تعقيدات النصوص المنظمة للعملية. ولان المرأة تبقى الضحية الكبرى، في مثل هذه النوازل، حين تصطدم بواقعة إقدام زوجها على عقد قرانه من امرأة أخرى، فإن مساحة الاختيار حينها غالبا ما تضيق أمامها، وتجبر على الاحتماء بجدار الصمت، إما مخافة من اقتران اسمها بلقب "مطلقة"، أو خوفا على تشتت أسرتها خصوصا إذا كانت أما لأطفال تعتمد في تدبير عيشهم على نفقات الزوج. بعضهن الآخر خصوصا المستقلات ماديا كالعاملات والموظفات، يرفعن التحدي وينقلن قضاياهن صوب المحاكم طلبا للعدل والإنصاف، وهي الشريحة الأكثر جرأة في تعرية هكذا نوع من القضايا والوقائع. بعيدا عن تقنية استصدار شهادة "عزوبة"، يتم اعتمادها ككلمة سر تفتح بوابة التعدد على مصراعيها أمام المتورطين في هذا النوع من الزيجات، تكشف واحدة من القضايا المعروضة على قضاء مراكش، والتي تتابع فيها زوجة حليلها بتهمة النصب والاحتيال والتهديد والعنف وتزوير وثائق إدارية واستعمالها، عن ثغرة جديدة في مدونة الأسرة، تمكن من التسلل لقطار التعدد، في غفلة من الزوجة والحليلة. الزوج في هذه القضية حسب شكاية الزوجة، لم يسمح لزواجهما أن يعمر أكثر من سنة، قبل أن تفاجأ بعقد قرانه على زوجة أخرى، ما أدخلها دوامة حيرة عجزت معها عن تبيان الكيفية التي مكنته من تحقيق ذلك بالنظر لمعرفتها الجيدة ببنود مدونة الأسرة المنظمة للعملية، التي تمنحها حق الرفض أو القبول، كشرط لتوثيق عقد النكاح الثاني. الحصول على الوثائق اللازمة للزواج، يقتضي التصريح ببيانات والحصول على وثائق وشهادات إدارية محددة،تسلمها السلطات العمومية والإدارات العامة بناء على طلب، كما أن جملة الوثائق تنجز بناء على بحث تجريه السلطة المختصة، فكيف تمكن الزوج من القفز على كل هذه الحواجز، وعقد قرانه على زوجة ثانية دون علم المعنية أو إخبارها؟ أسئلة محيرة كانت تتهاطل كالمطارق على رأس الزوجة الأولى، دون أن تجد لها شرحا أو تفسيرا، ما جعلها تنطلق في رحلة بحث وتحري، انتهت بوقوفها على تفاصيل غاية في الدهاء. فالزوج وقبل عقد قرانه عليها، كان مرتبطا بسيدة أخرى، عمل على فك الارتباط بها قبل التقدم لطلب يد المعنية، وبالنظر لكون عملية الطلاق تدخل في خانة الطلاق البائن، فقد استغل إمكانية إرجاع زوجته الأولى إلى عصمته، وقام بعقد قرانه عليها من جديد، ليجمع بذلك بين زوجتين، ويضع بذلك زوجته الجديدة أمام الأمر الواقع، ما اضطرها إلى إخراج القضية برمتها من خلف جدران بيت الزوجية، وعرضها على أنظار القضاء تحت طائلة التهم المومأ إليها. كثيرة هي الملفات والقضايا المماثلة التي تفيض بها رفوف المحاكم المختصة بالمدينة الحمراء، وتؤكد استمرار معاناة النساء من عدم وفاء شريك العمر، وعدم قدرة النصوص المنظمة لمدونة الأسرة على منحهم ستار الأمان المطلوب، ما يطرح ضرورة البحث عن حلول لتغطية الفجوة وسد باب التحايل في وجه هذا النوع من السلوكات. إسماعيل احريملة