ليس من السهل تحقيق معادلة اقتصادية بتحقيق قدر من الجمال والأناقة بالدفع مبالغ مالية زهيدة، في الوقت الذي يعتبر فيه المظهر بوابة للحكم على الناس، أو التقرب منهم، لكن هناك فتيات تمكن من تحقيق هذه المعادلة بالظهور بمظهر أنيق يبرز جمالهن بأرخس الأثمان بإيجاد طرق لتدبير مصروفهن حسب متطلباتهن الشخصية. ليست كغيرها من الفتيات في الحي الشعبي الذي تقطنه. تتميز وسط قريناتها بمظهر جميل وطلة بهية تجعل الغيرة تأكل قلب صديقاتها اللواتي يحسدنها على أناقتها، ويطرحن الكثير من الأسئلة حول الكيفية التي يمكنها بها المزاوجة بين مرتبها الضئيل ومظهرها الأنيق. أنيقة بأقل تكلفة «منين كتجيب هاد الشي كلو»، «ميمكنش يكون هاد الشي كلو من فلوسها.. شي حد اللي كيكسيها» تساؤلات ترددها أفواه «بنات الدرب» كلما وقعت عيونهن على ليلى التي تثير أناقتها الكثير من التساؤلات في نفوسهن. ليلى تمتاز بذوق رفيع في لباسها، فلها قدرة كبيرة على التنسيق بين الألوان، وتهتم بالتفاصيل الدقيقة للباسها حتى تبدو في أبهى حلة ممكنة، محاولة الاهتمام بمظهرها الذي تؤمن أنه البوابة التي يعبر من خلالها الآخر إليها، فهي الوسيلة التي تثير انتباه الآخرين. لم تكن ليلى التي تشتغل في مصنع للنسيج بمنطقة عين السبع، تحصل على مرتب كبير ولم تكن تنتمي إلى عائلة ميسورة ماديا، فهي فتاة تنتمي لأسرة فقيرة يسعى أفرادها لتوفير ضروريات الحياة البسيطة، وكان جميع أفرادها يساعدون على ذلك كل حسب استطاعته. لكن ليلى بالمقابل شابة تحب الحياة وتحب أن تبدو أنيقة من خلال الاهتمام بمظهرها وتنسيق ملابسها، حتى ولو بأبسط تكلفة، فهي تعرف أن إمكانياتها المادية لن تمكنها من اقتناء الملابس ذات «الماركات العالمية»، لكنها تستطيع أن تدبر أمرها للحصول على نوعية تشبهها بأرخص الأثمان. ليس المهم بالنسبة لليلى هو الثمن الغالي للملابس التي تقتنيها، لكن الأهم بالنسبة لها هو أن تكون متناسقة ونظيفة لتبدو في أبهى حلة، لذلك كانت تستغل يوم الأحد من كل أسبوع لزيارة سوق «اللويزية» الأسبوعي الذي يقام كل نهاية أسبوع والذي يعرف رواجا كبيرا لملابس «البال» المستعملة. داخل دهاليز السوق الكبير تتجول ليلى بين باعة الملابس المستعملة، بحثا عن قطعة تثير انتباهها وتستحوذ على إعجابها، وتتماشى مع ملابس أخرى في خزانتها. كل ملابس ليلى تم اقتناؤها من هناك بدءا من الملابس الداخلية وانتهاءا بالآحذية والقمصان. الأثمنة الرخيصة للملابس المستعملة، وجودتها كانت تدفع ليلى إلى الإقبال على شرائها لتتمكن في نهاية المعادلة الصعبة بتوفير المال، والوصول إلى المظهر الأنيق بأقل تكلفة. جميلة بالكريدي لا تختلف كوثر عن ليلى كثيرا فيما يخص اهتمامها بنفسها وحرصها على أن تبدو في أبهى حللها، لكن الفرق الوحيد هو في كون هذه الأخيرة مهووسة بالجديد في عالم «المكياج» والتجميل، لتطل كل يوم بإشراقة جديدة من خلال تغيير «مكياجها» والاهتمام بنضارة بشرتها. عالم مستحضرات التجميل من بين أكثر الأشياء التي تستهوي كوثر، فلا تمل من البحث في القنوات التلفزية والمجلات عن الطرق التي يمكن أن تبدو بها جميلة ومشرقة. إلا أن تواضع مستواها المادي الذي لا يمكنها من اقتناء مساحيق التجميل الغالية والمعروفة بجودتها، كان يدفعها إلى البحث عن مستحضرات شبيهة لكن بأقل تكلفة ممكنة. فكوثر التي تعمل كمرافقة للأطفال بإحدى المؤسسات التعليمية الخاصة، لم تكن تتوفر على المال الذي يمكن من خلاله أن تقتني ما ترغب به من مستحضرات التجميل ذات الجودة العالية، لذلك كانت « كتعدي باللي كاين» من خلال اقتناء بعض المستحضرات التي تروج عند باعة مستحضرات التجميل والمشكوك في جودتها. لم تكن كوثر تكتفي بالمستحضرات التي تقتنيها من بائع «المكياج»، بل كانت كذلك تأخذ مستحضرات التجميل من بعض زميلاتها المشتركات مع إحدى شركات مستحضرات التجميل المعروفة بجودتها «بالكريدي» ولا تدفع ثمنها إلا بالتقسيط المريح. بسبب هوس كوثر بمستحضرات التجميل، لم تتمكن من توفير فلس واحد من مرتبها، طيلة السنوات الأربع التي اشتغلتها لأنها كلما تخلصت من كريدي إلا ودخلت في الآخر، لكنها مع ذلك تعيش حياتها مرتاحة البال وهي ترى نظرة الإعجاب ببشرتها وجمالها في عيون المعجبين. زبونة العطارين بامتياز هي ليست قبيحة الشكل، وتحاول الاستعانة بمواد التجميل من أجل تحسين مظهرها، لكنها كانت تحتاج لاستعمال بعض الوصفات الطبيعية التي تحافظ بها على جمال ملامحها ونظارتها. سمية التي تنتمي لوسط اجتماعي متواضع، وتعيش مع آسرتها «على قد الحال» تحاول بكل جهدها أن لا تتخلف عن ركب الجميلات من بنات جنسها، خاصة في فترة الشباب التي تعيشها. تخاف سمية من النتائج السلبية التي يمكن أن تنتج عن استعمال بعض مساحيق التجميل التي تتكون من مواد كيميائية، لذلك تفضل استعمال مواد التجميل الطبيعية التي تزخر بها رفوف دكاكين العطارين. تحاول سمية قدر الإمكان البحث عن الوصفات التي تمنح بشرتها النضارة والإشراق، والتي لا تخلف أي نتائج سلبية، وهذا الأمر كان يدعو للاستغراب من طرف صديقاتها اللواتي كن يبحثن وراءها من أجل معرفة مورد المال الذي تصرفه في الاعتناء ببشرتها، بالرغم من كونها لا تشتغل. الغاسول الأبيض والطين الأخضر والبابونج والداد وغيرها من المواد التي كانت تحرص سمية على استعمالها ك«ماسكات» مغذية للبشرة وللعناية بها، عكس ما كانت تتوقع جميع صديقاتها اللواتي كن يعتقدن أنها ترتاد صالونات التجميل للحصول على تلك البشرة النضرة والمشرقة. مجيدة أبوالخيرات