للفقراء نعي النعي، ولهم فعلا في هذا البلد الموت الغريب يحجون زرافات لا وحدانا إلى المقابر التي يسمونها الروضات. يمضون فيها العمر القصير قبل بدئه ويموتون ثم يموتون. لا أثر للحياة في أبدانهم. رائحة وفاة منذ الإطلالة الأولى على الوجود، وشبهة تعايش مع مكان لا يرغب فيك على الإطلاق. يكرهك ويمقتك، ويتمنى لو أنك تزحزت منه قليلا، لكي يملأ البراح الفارغ الناتج عنك أحد آخر يستحق حقا هذا الهواء.. رذاذ متناثر من أفواه الكون هم، وفواصل تبدأ وتنتهي بسرعة بين الكلام. جمل اعتراضية لا أقل ولا أكثر. تشرع في قولها الدنيا ثم تنسى أنها فتحت الاعتراض على وجودهم، فتبيدهم جماعات بهذا الشكل المحزن والكئيب وتذهب لحال سبيلها مزهوة وفخورة أنها مرة أخرى ضربت الأكثر ضعفا وقتلت الفقراء في البدء كانت ليساسفة مكان رجم بالنيران اللعينة للقابعات مصطفات خلف الأجساد المريضة الحزينة، المستباحة لمن يدفع أكثر، والصارخة بقوة حبها بل "روزامورها" للحياة. ندفن العاملات في الحريق الشهير، ونتمناها آخر الأحزان ونحن نعرف أننا نكذب. نفتح الملفات والتحقيقات ونترجى القدير في عليائه ألا تعود إلينا الدنيا مرة أخرى بالضربة الموالية في المتم من الحكاية يذهب الصغار والصغيرات إلى البحر مكافأة نشاط رياضي لم يكن لهم أن يمارسوه، فتبتلعهم أمواج جشعة شرهة لم تجد ما تأكله غير أكباد ستحترق إلى الأبد وهي تتأمل في الصور البرواز المؤطر الحزين بين الحكايتين مات الناس تحت الصومعة المهدمة على رؤوس الصلاة، والإمام يقول "استووا يرحمكم الله". اختلط التراب يوما في مكناس الحزينة بدم المصلين نازفين رحلوا إلى ربهم يلقون الشهادة. صرخنا وقلنا بأن الصوامع دور راحة وأمان، وأنها بنيت لكي يرتفع عبرها النداء إلى عنان السماء، إلى رحابة الرب، إلى كل رحمته، ولم تبن لكي تنزل على الرؤوس بالقتل بين الحكايتين أيضا سقطت عمارات على رؤوس الصائمين يستعدون للسحور في بوركون. قلنا إن المهندس هو السبب وأن من ذهبوا إلى الفجر أفلتوا مثلما قال الغبي في علياء جهله، ونسينا أو تناسينا ونحن نعرف أن القدر اللعين لن ينسانا وأن هاته الحكاية المسماة موتا ستواصل مطاردتها دوما في بلدنا للفقراء بعد ذلك اكتشفنا أن في طان طان حافلات قد تشتعل، وقد تشعل قلوبنا عناء وألما على أكثر من ثلاثين صغيرا تحولوا إلى رماد في هنيهة من الهنيهات. وبعد الحكيات حكايات أخرى وقبلها ما شئتم من الروايات في النعي الأول للنعي، نحمل أجسادنا الفقيرة، المحطمة بكل آهات الحياة. نضعها تحت التراب ونحن نتلو ياسين. نتآلف مع المكان ووحشته. نتأمل في شواهد القبور أسماء من رحلوا. نعدهم أننا في إلياذتنا الجديدة سنمدهم بالمزيد. نمني النفس في هذا الوطن بشبهة حياة لا أقل ولا أكثر، ونحلم ألا يكون الموت الجماعي مرادفا للضعفاء في هذا المكان لك الله وطني، ولا حياة للضعفاء المختار لغزيوي