قبل ايام معدودة من موعد الانتخابات التشريعية الاحد انطلق الرئيس الاسلامي المحافظ التركي رجب طيب اردوغان في حملة جديدة وشرسة ضد صحافة المعارضة، ما يغذي اكثر فاكثر الانتقادات التي تتهمه بالنزعة الاستبدادية. فمند بضعة ايام، تنصب هجمات الرجل القوي في تركيا على صحيفة جمهورييت المعارضة لنشرها صور قذائف هاون مخبأة تحت ادوية في شاحنات مؤجرة رسميا لصالح منظمة انسانية، اعترضتها قوة درك تركية قرب الحدود السورية في يناير 2014. واثارت هذه القضية فضيحة عندما اكدت وثائق سياسية نشرت على الانترنت ان الشاحنات تعود الى الاستخبارات التركية وتنقل اسلحة وذخائر الى جهاديين يقاتلون نظام الرئيس السوري بشار الاسد، وذلك بالرغم من النفي المتكرر. ففي البداية هدد اردوغان الغاضب والمرتبك الصحيفة ورئيس تحريرها جان دندار متوعدا عبر التلفزيون بانهما سيدفعان ثمنا "باهظا جدا". وبدون ان يكتفي بالتحقيق الرسمي الذي فتحته النيابة العامة بسرعة، رفع دعوى بصفته الشخصية الثلاثاء ضد دندار المتهم بانه "نشر صورا ومعلومات مخالفة للحقيقة" وبالتصرف "ضد المصلحة الوطنية". وطالب رئيس الدولة التركية حتى بانزال عقوبة السجن مدى الحياة بحقه. لكن صحيفة جمهورييت تستعد من جهتها للمواجهة مدعومة بالعديد من المفكرين والمنظمات غير الحكومية الدولية المدافعة عن الصحافة والمعارضة للنظام. وكانت الصحيفة تحدت السلطات في يناير بنشرها رغم التهديدات رسوما كاريكاتورية عن النبي محمد مأخوذة من رسوم نشرتها صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية بعد الاعتداء الجهادي الذي استهدف مقرها في باريس وادى الى مقتل 12 شخصا بينهم خمسة رسامين في الصحيفة الساخرة. وقد نشرت جمهورييت الثلاثاء على صفحتها الاولى صورا لاسرة التحرير تحت عنوان "نتحمل معا المسؤولية". واليوم الاربعاء عاودت الكرة بنشرها مقالة موقعة من ثلاثين مفكرا ومثقفا تركيا تحت عنوان "نحن معكم". وفي هذه المقالة كتب الحائز على جائزة نوبل للاداب اورهان باموك الذي غالبا ما اثارت مواقفه غضب النظام الحالي، "لا ينبغي التضحية بالديمقراطية وحرية التعبير لصالح هستيريا الانتخابات والحقد الناجم عنها". كذلك تم التعبير عن هذا الدعم على شبكات التواصل الاجتماعي حيث انتشرت بسرعة حملة "جان دوندار ليس وحيدا" على موقع تويتر. كذلك هبت المنظمات غير الحكومية الدولية لمواكبة حملة الدعم. فنددت منظمة هيومن رايتس ووتش ب"التوجه المقلق للحكومة لقمع اي انتقاد" وناشدت لجنة حماية الصحافيين اردوغان التوقف عن "تهديد الصحافيين ووسائل الاعلام". والرئيس الحالي للدولة التركية اعتاد الجدالات الحادة مع وسائل الاعلام. فقبل الانتخابات البلدية العام الماضي وجه تهديدات لتلك التي تنقل اتهامات بالفساد موجهة اليه والمقربين منه كما حجب شبكات تويتر ويوتيوب لمنع بثها. وقبل اسبوعين تهجم حتى بعنف على صحيفة نيويورك تايمز التي اتهمها بالتدخل في شؤون بلاده الداخلية بعد ان نشرت مقالة بعنوان "غيوم سوداء فوق تركيا" تنتقد فيها حكم اردوغان وتتهمه بشن حملة قمع قبل الانتخابات. ووصف اردوغان وكذلك الصحافة الموالية للحكومة الصحيفة الاميركية ب" الرديئة" وعيرها بتاريخ طويل للتشهير بالمسؤولين الاتراك. وقال عبر التلفزيون الثلاثاء "انه ليس بجديد بالنسبة لنيويورك تايمز (...) الان انا من يستهدفون". وبعد ان ترأس الحكومة طيلة احدى عشرة سنة انتخب اردوغان رئيسا للدولة في 2014 ويرغب في اجراء تعديل للدستور لتوسيع صلاحياته ليمسك بمعظم صلاحيات السلطة التنفيذية التي تعود الى رئيس الوزراء. وللتوصل الى ذلك يأمل اردوغان ان يحصد حزبه، حزب العدالة والتنمية، الاحد 330 مقعدا على الاقل من مقاعد البرلمان ال550. غير ان استطلاعات الرأي تتوقع جميعها تراجعا لحزب العدالة والتنمية قد يحرمه حتى من غالبيته المطلقة. وتوجه الانتقادات بانتظام الى السلطة التركية لانتهاكاتها حرية التعبير والتي تأتي في الترتيب ال149 للتصنيف الذي تضعه منظمة "مراسلون بلا حدود". وهذه السنة تمت ملاحقة العديد من الصحافيين قضائيا بتهمة "اهانة" الرئيس. وقال المسؤول السابق في جمهورييت حسن جمال "ان هذا القضاء المثير للسخرية يمكن ان يسكت لكننا سنستمر في اسماع اصواتنا".