عاشت الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي حدثا استثنائيا غير مسبوق في حياتها الفنية حين قامت، مساء أمس الأحد، بإحياء حفلين في ذات الأمسية تلبية لطب جمهور حاشد ضاق به فضاء المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط. لحظات قبل الموعد، لاحت في باحة المعلمة الثقافية الوطنية بشائر ليلة استثنائية في ثالث أيام الدورة الرابعة عشر من مهرجان (موازين)، حيث احتشد جمهور شغوف متوثب للقاء نجمة فضلت في الآونة الأخيرة أن تلوذ بقدر من الظل والصمت في ظرفية سياسية وفنية داعية إلى التأمل، وربما الحيرة، وهي الفنانة المعروفة بحسها الإنساني والقومي النبيل. "لم يحدث .. لم يحدث في تاريخي الفني أن غنيت في حفلتين بذات الأمسية"، هكذا خاطبت وريثة سر كبار الفن اللبناني، جمهورها وهي تشدد على دلالة هذا الموقف الذي يعكس علاقة خاصة مع المغرب، الإنسان والمكان، هي التي تحل ضيفة للمرة الثانية على (موازين) بعد دورة 2010. انطلق الحفل وتوالت الأغنيات. أكثر من لحظات إبداع وتألق في الأداء، صوتا وتعبيرا واحتفالية غنائية، غدا عبور الماجدة طقس تعميد لآصرة وثقى تجمع بين فنانة تجزل العطاء وتعيش اللحظة الفنية كمشهد ابتهال وتوحد روحي، وجمهور لم يفقد بعد حسه السليم وذائقة تقدر القامات الفنية حق قدرها. غابت طويلا وعادت متوهجة أكثر من أي وقت مضى، كأن شوق المواعيد الكبرى حفز طاقتها وحلق بها إلى الأعالي. مزهوة بقفطان المحبة الأبيض، تكتم بصعوبة تأثرها بحرارة الترحاب وتشيح ببصرها جانبا لتراوغ هشاشتها أمام أجواء الاحتضان الغامر التي تحظى به كلما حلت. على المنصة، عادت خطوات إلى الخلف متوسطة الفرقة التي صاحبتها قائلة بصوت متهدج "ليس صوتي الذي يغني هنا .. قلبي هو من يغني". لا عمر ينال من عنفوان فنها، هي التي تستلذ الوصلات الأوبرالية المديدة، وقد تندمج في شغب إيقاع راقص بحساب، ثم تنكفئ على مقطوعات هامسة تضفي على الكلمة بعدا شاعريا ورومانسيا رقيقا. تنتقل بين أحوال الغناء بنضج وتمكن وسلاسة محفوفة بفرقة موسيقية يقودها بأستاذية وفرح فني طافح المايسترو الشهير إيلي العليا، الذي عرف على أوسط نطاق خلال إدارته للفرقة في برنامج "آراب آيدل". وكان أداء فرقة إيلي العليا عامل نجاح حاسم في عرض فني تجلت خلاله اللمسة الإبداعية لتوزيع موسيقي يضع الإيقاع العربي في قلب الحداثة الفنية، حيث حوارية الآلات تتخذ شكلا سامفونيا متنوع الأصوات، شديد الخصوبة والتناسق، مع تألق ملفت للبيانو والأكورديون ودور ملحوظ للكورال. استعادت ماجدة الرومي، سليلة البيت الفني التليد، مسارا متعدد المحطات، بروائع من نصوص شعرية تنبض بصوت امرأة عاشقة. جددت إعلانها بيقين "اعتزلت الغرام"، وإن عادت لتكذب تصريحها بنشيد "أحبك جدا"، وتقاسمت ال"كلمات" مع أجيال تحفظها في ذاكرة لا تصدأ. وبين قطعة وأخرى، تنحني الفنانة بتواضع الخالدين لترد على المحبين جزيل التحايا والزغاريد، ولتعترف بدين في ذمتها : "يعني لنا الكثير، أنا وكل اللبنانيين، أن نغني في المغرب الحبيب. هنا نحتفل بالحياة والأمل والسلام. نحن مدينون لكم بهذا الفرح".