رجال اختلفت آراءهم و وجهات نظرهم حول ظاهرة يعتبرها البعض منهم تمس بشرفهم، والبعض الآخر يرى في الأمر واقعا مفروضا، بينما آخرون اختاروا التبرير السهل .. «واخا مخادمش جيبي خاصو .. ديما يكون عامر واخا بفلوس لمرا» .. أو التستر وراء «الحلوة والحارة» أو إلقاء اللوم على «غدر الزمان»! القوامة المفترى عليها! كل مساء، تراهم مجتمعين على كراسيهم المتناثرة، يرتشفون كؤوس الشاي و «نص نص» المبثوتة على طاولتهم الدائمة، يتبادلون قصصا دفينة من خواء حياتهم المملة، رجال تقاعدوا عن الحياة، رغم أنهم ما زالوا في سن الشباب .. الثلاثينيات والأربعينيات، وجعلوا أمر تدبير الأسرة وإعالتها، ورقة رابحة بيد زوجاتهم، اختلفت درجات رضاهم عن وضعهم الاجتماعي، والمبررات؟ - «هاذي هي ضريبة الزواج .. اذا انا طحت فشي أزمة .. خاصها تكون في جنبي» ! - «كنعتبر الأمر عادي .. هاذ الزمان كلشي ولا بحال بحال» ! - «انا أصلا مكنرضاش ولكن .. كنتسنى نشد شي فلوس من لاسورانس، وغادي ندير شي محل ديال لكوميرس» ! - «اسي دابا راه كاين لي ولات قاضية، قايدة .. فلوسها علامن غادي تصرفهم» ! تعددت الأجوبة .. لكن السؤال الذي كان فيما مضى يعتبر محرجا لدى شريحة الرجال المتزوجين، أصبح الآن سؤالا عاديا، والجواب عليه يأتي بكل برودة (!)، «عادي آخويا، بحال لمرا بحال راجل .. ليكان فيهم ينفع» يشرح عبداللطيف (عاطل) .. « هاذي خمس شهر باش مريح، جاب الله، عندي رزقي حيث كنت كنتوشي مزيان، واخا كنت خدام، لمدام حتى هيا كانت كتصرف .. عادي». أما عبد الجبار الذي يعمل بناء فقد تحرج قليلا قبل أن يجد الكلمات المناسبة للتعليق على الأمر، «أنا لمرا عندي خدامة في واحد الشركة، كتدير لميناج .. ومع لوليدات، والوقت مزيرة راك عارف». البعض يعتبر الأمر قضية مجتمعية لم تعد تكتسي خصوصية فالحاج «سلاّم» (متقاعد) اعتبر أن إعالة المغربيات لأسرهن، بلغ بهن إلى تذوق جحيم الغربة من أجل تحمل مصاريف مرض الأب المسن، والأم الراغبة في الحج والعمرة، والإخوة الذين مازالوا في طور استكمال دراستهم .. «شوف زمان ديال بكري مشا .. دابا وليتي كتلقى بعض المرات مرا وحدة .. قوامة على قوم ديال الرجال»! رجال مع إيقاف التنفيذ! مثلما يحدث عند فجر كل يوم أيقظها صوت المنبه الصاخب .. تمطت قليلا قبل أن ترفع جسدها الدافىء بتثاقل وتدلف إلى الحمام المجاور لغرفة نومها، بعد لحظات باشرت برنامجها اليومي .. دخلت المطبخ لتعد الشاي مثلما تعودت منذ مدة طويلة، تمتمت ب «صباح الخير» فرد عليها، زوجها بنبرة باهتة .. «صباح الخير .. كيبان لي تعطلتي ليوم شوية على الخدمة»! «خديجة» (37 سنة)، لم تكن تدري أن زوجها سيصبح بعد، شهور معدودات على زواجهما رجلا خاملا فاقدا الرغبة في بذل الجهد ونكران الذات، وتحمل مسؤوليته كرب أسرة، كانت كلما فاتحته في ضرورة بحثه عن شغل يقيه شر البطالة الزاحفة على أطراف حياته، يدخلها في متاهة من الأعذار الواهية والتلؤكات .. «راني موصي واحد السيد .. مغادي يكون غير الخير» .. «الشهر الجاي بحال والو تكون شيحاجة» .. لكن الأيام تحولت لشهور، أصبح معها الوضع المؤقت .. واقعا مزمنا. صديق زوجها «فؤاد» الذي طالما كان الناصح الأمين لزوجها، اعتبر أن وضعية صديقه المضرب عن الحياة المهنية، تتعلق بقناعاته الشخصية الصامدة أمام كل فرص الشغل الذي انهالت عليه بعد عطالته .. «قاليك مايمكنش يخدم بأقل من الأجرة .. لي كان خدام بها، ومادام لمدام ديالو خدامه ماعندو مشكل»! زوج «خديجة» ليس الوحيد الذي يعتبر إعالة زوجته للأسرة، وإعطائه مصروفا لتغطية احتياجاته اليومية .. واجبا زوجيا إجباريا خلال الأزمات الطارئة، مادامت الزوجة متعلمة، وقادرة على الحصول على منصب عمل مناسب. أما ياسين الخريج الجامعي فيتبنى نظرة إيجابية اتجاه التزام أحد الزوجين بتحمل أعباء الحياة المشتركة، «أنا وزوجتي من خريجي جامعة خاصة مشهورة، سبق لي أن عشت فترة عطالة، كانت فيها شريكة حياتي هي التي تتكفل بمصاريفي الشخصية، بالإضافة إلى متطلبات البيت الشهرية، وواجبات التمدرس لطفلنا الصغير، كنت أتقبل الوضع بدون حساسية .. اعتبر الأمر إجباريا، مادام الزواج .. ميثاقا أخلاقيا»! زوجات من الزمن الجميل! «مراتي مصارفاتش غير رزقها .. عمرها فناتو على قبلي .. لن أنسى مافعلت لأجلى ماحييت، خيرها عمرني منقدر نوفيه»، بهذه العبارات عبر «الجيلالي» الجندي سابقا عن المشاعر النبيلة التي يكنها لزوجته، التي ظلت لأزيد من عقدين تتحمل هم تربية الأطفال الصغار الذي تركهم في عهدتها مرغما. «منذ حوالى 27 سنة، كنت أؤدي واجب الوطن بالصحراء حين تمكن انفصاليو “البوليزاريو”، من أسري، خلال هجوم على كتيبتي، منذ ذلك الوقت، وهي تتكلف بكل شيء، حتى ميراثها من أبيها، صرفته من أجل تعليم الأولاد، الذين أصبحوا يتبوؤون مناصب مرموقة»! «حميد» المعاق والذي كان يشتغل عاملا، لم ينسى أبدا مافعلته زوجته، بعد أن أصيب بعجز أقعده عن العمل، وأفقده القدرة على استكمال مشوار الكد والاجتهاد من أجل ضمان لقمة العيش لأسرته الصغيرة، «الخدمة ديال المرة في هاذ الزمان ماشي عيب، مراتي أنا 15 عام وهيا هازاني، عمرني ماسمعت منها شي كلمة ديال العيب، حيث بنت الناس»! محمد كريم كفال