AHDATH.INFO- برلين – خاص – محمد مسعاد في مثل هذا اليوم الموافق للثامن من ماي، وقبل سبعين عاما، وقّع الجنرال الألماني فيلهلم كايتل بيان استسلام ألمانيا في برلين. كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل وبضعة دقائق، حين وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ليتنفس العالم الصعداء. لقد شكلت هذه الحرب أكثر الصراعات العسكرية دموية على مر التاريخ. إذ يقدّر إجمالي عدد ضحاياها بأكثر من 60 مليون قتيل، مثلوا في ذلك الوقت أكثر من 2.5% من إجمالي تعداد السكان العالمي. حرب وصفها الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران بالانتحار الأوروبي. انتهت الحرب بانهزام النازية وتدمير ألمانيا وتقسيمها وباقي دول العالم إلى شطرين، خاضا ما سمي بالحرب الباردة بين معسكرين، دامت لعقود أخرى. خرجت ألمانيا منكسرة على جميع المستويات، وراحت تبني اقتصادها وقوتها من جديد تحت أعين الحلفاء، كي لا يتكرر ما شهدته البلاد من طموح توسعي للرايخ. كان الرأسمال الوحيد لألمانيا هو طاقتها الابداعية وكفاءتها العلمية والصناعية وقوة يد عمالتها الاجنبية، لبناء المعجزة الاقتصادية. وهكذا خرجت كالعنقاء من الرماد، مستخلصة العبر والدروس ومؤمنة بأن مستقبل ألمانيا في وحدة أوروبا. كانت أوروبا بالنسبة للألمان بمثابة "الهوية الروحية" كما سماها أبو الفينومينولوجيا إدموند هوسرل. شكلت أوروبا ووحدتها رهان الساسة الألمان وكأنهم آمنوا بأن قدر أوروبا كقدر بطلي رواية ديدرو "جاك القدري" اللذان آمنا بأن " مستقبل أوروبا لا نهاية له". ومن دون شك، يعتبر المستشار الأسبق هيلموت كول أحد الساسة الألمان الذي راهن على الوحدة الأوروبية حد التماهي، بل ربط مصيره السياسي بها، وبخاصة الوحدة النقدية. كان كول مقتنعا بأنه من دون عملة موحدة، فإن أوروبا لن يكون أمامها مستقبل على المدى الطويل. كما أن العملة الموحدة ستخلق دينامية، ستجعل العودة إلى الطرق القديمة مستحيلة. هذا بالاضافة إلى أن المستقبل لا رجعة فيه في نظر صانع وحدة ألمانيا. لقد اختار هيلموت كول مناسبة احتفاله بعيد ميلاده الخامس والثمانين، وإن كانت صحته لا تسعفه، ليصدر كتابا أطلق عليه إسم "نداء حرصاً على أوروبا". يسعى هيلموت كول من خلال كتابه، في المقام الأول، إلى تحذير الأوروبيين من التفريط في المكاسب التي حققتها أوروبا بفضل وحدتها. ويتطرق في هذا الكتاب إلى المعاناة التي عاشها جيله من ويلات الحرب العالمية الثانية والبديل في التطلع إلى وحدة أوروبية يعيش فيها الجميع في رخاء وسلام، بغض النظر عن الطموحات الشوفينية لكل بلد. ففي هذه الحقبة لم يفكر أحد في التضحية بالقيم الأوروبية المشتركة من أجل هدف سياسي داخلي، بحسب كول، بل أن الجميع كان مقتنعا بأن الوحدة الأوروبية وحدها التي تضمن السلام للقارة الأوروبية. يسعى المستشار الأسبق لألمانيا إلى إحياء روح الإيثار والتضحية لدى الساسة الأوروبيين، كي تتجسد روح الوحدة الأوروبية وروح المجتمع الأوروبي. ولكي يشعر كل مواطن في الاتحاد الأوروبي بأنه عضو في هذا المجتمع وليس فقط، مواطنا أوروبيا يتحمل أعباء هذا الاتحاد. ينبغي على الاتحاد الأوروبي الوصول إلى قلوب الناس في نظر كول. لقد كان هيلوت كول واعيا بأن التحديات التي تواجهها الوحدة الأوروبية الآن كبيرة، خاصة في ظل تنامي أصوات اليمين المتطرف التي تدعو إلى التخلي عن العملة الموحدة. هذا بالاضافة إلى التحدي الأكبر لهذه القارة أمام موجات الهجرة الكبرى التي تعيشها والتي تتطلب تفكيرا عميقا واستراتيجية شاملة تكون فلسفة حقوق الانسان والكرامة هي أساسها، حتى لا تجد القارة العجوز نفسها أمام قولة الحكيم غوته :" شعب لا يكرم غرباءه مآله الزوال". شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)