لم تعد أسلحة التحرش الجنسي موجهة نحو الجنس اللطيف في مرحلة المراهقة أو الشباب فحسب، بل صارت تستهدف المسنات أيضا. هاته الفئة من النساء التي لطالما كانت تتنقل في الشوارع بكل حرية وأمان، أصبحت تعاني بدورها اليوم من مختلف أشكال التحرش الجنسي على يد أشخاص قرروا استغلال ضعفهن لإرضاء رغباتهم الجنسية المكبوتة. ما كان أحد ليصدق تعرض امرأة مسنة للتحرش الجنسي، لو لم يسمع تفاصيل الواقعة الغريبة على لسان بطلتها الحاجة السعدية كما اعتاد الجيران مناداتها، ليس لكونها حجت بيت الله الحرام، بل احتراما لكبر سنها، الذي لطالما شكل الحاجز والحصن المنيع في وجه أي إساءة قد تتعرض لها. ستينية تتعرض للتحرش توجهت السعدية كعادتها إلى السوق بجلبابها ذي اللون الأبيض الذي لم تعد ترتدي سواه، منذ أن رحل زوجها ورفيق دربها إلى دار البقاء، وأصبحت تعيش وحيدة مع ذكرياتها، بعد أن تزوج كل أبنائها واستقلوا بحياتهم بعيدا عن بيت الأسرة، وصارت زياراتهم مقتصرة على الأعياد والمناسبات. لم تتصور المرأة التي تخطت عتبة الستين من العمر أنها قد تتعرض في ذلك اليوم للتحرش الجنسي على يد فتى في عمر أصغر أبنائها، قبل أن يثبت لها الموقف المحرج الذي ستجد نفسها في مواجهته عكس ذلك. «جا معاك لبيض.. كتباني بحال شي حمامة .. » كلمات ترددت بصوت خافت على مسامع السعدية، فأرغمتها على الالتفات خلفها لمعرفة هوية المتحدث، لتفاجأ بشاب يوحي مظهره بأنه لم يكمل عقدة الثاني، يرمقها بنظرات غريبة، وكأنه يحاول استمالة فتاة مراهقة من أجل الإطاحة بها في شباكه. «كون تحشم..راني قد ميمتك»، بهاته العبارة أجابت الحاجة السعدية الشاب، مطالبة إياه بالابتعاد عنها، غير أنه سيصر على ملازمتها كظلها، بل وسيشرع في التغزل بجسدها المكتنز مركزا على مناطقها الحساسة بكلمات تخدش الحياء، قبل أن يستغل مرورها من مكان شديد الازدحام ليمرر أصابع يده على مؤخرتها. استشاطت السعدية غضبا بسبب ذلك التصرف المهين، الذي أفقدها السيطرة على أعصابها، فراحت تكيل الشتائم شمالا ويمينا، بعد أن فشلت في الثأر لكرامتها من الشاب الذي اختفى وسط الحشود. عجزت السعدية عن تخطي حاجز الحرج ووصف ما تعرضت له حين استفسرها المارة خاصة الراغبين منهم في إشباع فضولهم عن أسباب غضبها وقررت أن تغادر إلى حال سبيلها، وتكتفي بتقاسم تفاصيل تلك التجربة المريرة مع جاراتها، خوفا من أن يجعل منها ذلك الموقف موضعا للسخرية بينهم، خاصة أن تعرض امرأة مسنة للتحرش لا يزال من الأمور التي يصعب أن يصدقها الناس. كابوس الحافلة «شحال هادي ماكانش اللي يقدر يهز عينيه فالعيالات لكبار...الوقت تبدلات بزاف»، بتأثر شديد تتحدث فاطمة وهي تصف المفارقة الصارخة بين الماضي والحاضر. زمان كانت النساء في مثل سنها يحظين باحترام الناس، فكن يتلقين المساعدة عند عبور الطريق، ويجدن دائما من ينوب عنهن في حمل «قفة التقديا».. أما الآن تضطر المسنات للتنقل وقوفا على متن الحافلة، حيث تصبح أجسادهن مستباحة من طرف أشخاص يستغلون كبر سنهن وضعفهن من أجل إشباع رغباتهم الجنسية الدفينة. فاطمة التي اعتادت ركوب الحافلة للتنقل من حي سيدي البرنوصي مقر سكنها في اتجاه الحي المحمدي لزيارة ابنتها، لا تنكر أنها تعرضت غير ما مرة للتحرش الجنسي، وتستحضر بألم تفاصيل الكابوس الذي عاشته على متن إحدى الحافلات. صعدت السيدة ذات الستين عاما على متن الحافلة التي كانت مكتظة بالركاب، ومشت بخطوات متهالكة إلى أن عثرت لنفسها بصعوبة على موطئ قدم، ولم يمض سوى بضع لحظات حتى اقترب منها شاب يرتدي قميصا أسود وسروالا رماديا. بدأت فاطمة تشعر بجسد الشاب يلتصق بجسدها من الخلف، ما جعلها تحاول تجنبه والابتعاد عنه قدر الإمكان، لكن محاولاتها فشلت أمام إصرار الشاب على إتمام المهمة الجنسية التي صعد من أجلها على متن الحافلة، لتقرر الصراخ والاستنجاد بالركاب، الذين لم يكذبوا خبرا وهبوا جميعا لمساعدتها، وانهالوا على الشاب بالضرب، بعد أن عاينوا آثار البلل الواضحة على سرواله. الموقف المحرج والمهين الذي تعرضت له فاطمة يومها، جعلها تقرر عدم وضع قدمها داخل الحافلة قبل التأكد من وجود مقعد شاغر لها على متنها، كي تضمن عدم الوقوع مجددا فريسة للتحرش الجنسي. يتغزل بالجدة بدلا من الحفيدة لحسن حظ خديجة لم يتعد الأمر في حالتها حدود التحرش اللفظي، فالمرأة ذات الثالثة والستين التي كانت تعمل معلمة، تتحدث عن تجربتها مع التحرش والابتسامة تعلو وجهها الذي ظل محتفظا بملامحه الطفولية، متحديا تجاعيد الزمن التي حفرت بعض آثارها عليه. كانت خديجة يومها في طريقها إلى المنزل رفقة حفيدتها، ليعترض طريقهما شاب في عقده الثاني، ويبدأ في التغزل بالجدة متجاهلا الحفيدة التي لا يتعدى عمرها 18 سنة وتتمتع إلى جانب صغر سنها بجمال ملفت. «إيلا مشا الزين يبقاو حروفو»، «يا ماحلا الزين فالخمسين والستين ماشي فالثلاثين»، «محافظا على لاطاي مع راسك»، بهاته العبارات استهل الشاب كلامه. وسريعا « سخنس الشاب من كلامه وهو ينتقل لوصف بذيء للمناطق الحساسة من جسد الجدة ضاربا عرض الحائط بكل قواعد الاحترام التي يفرضها الشارع خاصة لامرأة في سن خديجة أمام ملاحقة الشاب الملحاح، لم تجد الجدة والحفيدة من حل سوى امتطاء سيارة أجرة، بعد أن ساورتهما الشكوك حول تعاطيه للكحول أو المخدرات من خلال طريقة كلامه ومشيته المترنحة. لم تمر تلك الحادصة دون ترك أثر في نقسية خديجة فالمرأة ومن خلال حكايات التحرش الكثيرة التي تسمعها على لسان نساء في مثل عمرها، باتت تشعر بالقلق فتخاف مغادرة البتي وحدها مخافة الوقوع في ما لا تحمد عقباه.. بعد أن أدركت أن حتى النساء في عمر الجدات مثلها لم يعدن خارج دائرة خطر التحرش الجنسي. شادية وغزو