حل بمدينة الفنيدق ، ثلاثة أشخاص، على متن سيارة يبدو أنها مكتراة، لم يكونوا أشخاص عاديين، أو من هواة التبضع أو من الراغبين في الهجرة السرية، شاب يتكلم الفرنسية، وعربية بعيدة كل البعد عن اللهجة المغربية، ينطقها بصعوبة، مرفوقا بشابين مغربيين آخرين، يبدو ذلك من طريقة الكلام، وإن لم تكن لهجة شمالية معروفة، خاصة وأنهما كانا هما من يتكلم أكثر، ونادرا ما يتدخل مرافقهما. تجولوا بالمدينة طولا وعرضا، قبل أن يسألوا بعض الشبان، عن اسم أحد الأشخاص المعروف بالفنيدق. حيث كان السؤال عنه ينزل كالصاعقة على من يسمعه، والذي يبتعد مسرعا عن السائلين دون جواب، وحتى من أجاب فجواب واحد وواضح "مانعرف". لم يتمكن الزوار الغرباء ذاك اليوم من الوصول لأي شيء، ومع ذلك لم ييأسوا فمكثوا يتجولون هنا وهناك، وهم يحملون شبه خريطة لحي أو مكان، يريدون الوصول إليه. وما كاد الليل يسدل ستائره، حتى غادر الشبان المنطقة، واعتقد الكثير ممن ترصدوهم وتتبعوهم بعيونهم، أنهم لن يعودوا مجددا، فما لقوه من "جفاء" يجعلهم يغادرون نهائيا، حتى أن بعض الشبان كانوا يحسبونهم في البداية، من أفراد الشرطة، ويتعاملون معهم بحذر كبير، فلا يستطيعون الجواب ولا السكوت، مخافة أن يتورطوا فيما هم في غنى عنه. لكن سرعان ما تبين أن السائلين لا علاقة لهم بالشرطة، وأنهم يبحثون عن الشخص المعني ل «غرض في نفس يعقوب". "الغرض الذي كان في نفس يعقوب"، بدأ يتجلى في اليوم الموالي، حينما وصلت هاته المرة سيارتان، تقل كل واحدة منهما ثلاثة أشخاص، مغربيان واضحان من لهجتهما، وفرنسيان بلهجة عربية متقطعة وغريبة جدا. كل فريق أخذ اتجاها مغايرا عن الآخر. وهم يسألون هنا وهناك عن مرادهم، دون أن يجدوا جوابا مقنعا ولا ردا شافيا. فالشخص الذي يبحثون عنه، والذي هو من أبناء الفنيدق فعلا، معروف بكونه واحد من كبار أباطرة المخدرات هناك، ومبحوث عنه من طرف المصالح الأمنية المغربية منذ مدة، ولا يعرفون عنه شيئا لحد الساعة، لحين أن بدأ السؤال والبحث عنه من طرف هؤلاء. صغر مدينة الفنيدق وخصوصيتها، جعلت المصالح الأمنية هناك، تأخذ علما بما يجري، أخبرت المصالح المختصة بالموضوع، للنظر فيما يمكن فعله. تم التخطيط للموضوع بجدية أكثر وبدون تسرع، فتم الاتفاق على ترصد المعنيين، ومعرفة حقيقة ما يريدون ومن هم، فتتبعتهم أعين الشرطة في تحركاتهم وسكناتهم، في جلساتهم ومحادثاتهم، كل ذلك دون أن يشعروا بشيء، فيما بدأ البحث في الأرشيف والوثائق، عن إمكانية التعرف على هويات الأشخاص المعنيين، والذين يبدو أنهم من جنسيات مختلطة، لكن لم تعرف تلك الجنسيات ولا من أين أتوا، كل ما بدأ يتجلى هو كونهم قدموا في مهة، ترمي للوصول لأحد كبار تجار المخدرات بالمنطقة والمبحوث عنه. لم يكن المعنيون الستة، يقيمون بمدينة الفنيدق، فقد اختاروا البقاء بطنجة والمكوث بها، حيث يحلون كل صباح بمدينة الفنيدق، ويباشرون عمليات البحث و"التنقيب" عن الشخص المعني، فلم يعد أحد بالفنيدق لا يعرف أن هناك من يبحث عن "فلان"، وبقيت أعين الأمن تترصدهم، لغاية اليوم السادس، حيث بدى أن المعنيين بدؤوا يفقدون الأمل، وقد يؤدي ذلك لاختفائهم، وضياعهم من أيادي الشرطة، وضياع سرهم معهم. من تم كان الكمين الذي أوقع بالمجموعة الأولى، في اليوم السادس من حضورهم للفنيدق، حيث تم إيقاف ثلاثة أشخاص، وتبين أن أحدهم هو فرنسي من أصول جزائرية، والاثنين الآخرين مغربيين مقيمان بالديار الفرنسية، فيما تمكنت المجموعة الثانية من التخفي. التحريات الأولية والبحث، أدت إلى اعتقال عنصر رابع، وهو بدوره فرنسي من أصول جزائرية، فيما تمكن المغربيان الآخران من الفرار، بل وتأكد مغادرتهما المغرب في اتجاه أوربا، فيما كشف عن الرأس المدبرة لكل هذا، وهو فرنسي يقيم مؤقتا بطنجة ويتجول بين المغرب والاتحاد الأوربي، حيث يقوم بعمليات لتهريب المخدرات، وقد يكون قد وقع ضحية عملية نصب من العنصر المبحوث عنه، والذي لم تتبين هويته بعد، حيث تتعمد المصالح الأمنية إخفاء اسمه، حفاظا على سرية التحقيقات الجارية في الموضوع. التحقيقات المعمقة مع العناصر المعتقلة، أكدت أن الأمر يتعلق بشبكة لتهريب المخدرات بين المغرب والاتحاد الأوربي، وأن الشخص الذي كانوا يبحثون عنه، يتعامل معهم في عمليات مختلفة، حيث قام في الآونة الأخيرة، بعملية سرقة كبرى لكميات من المخدرات القوية بفرنسا، فيما لم يزود رفاقه هناك، بما طلب منه من مخدر الشيرة، ونصب عليهم في كمية كبيرة تبين لاحقا أنها مجرد "أزبال" الشيرة، وليس النوع الجيد المطلوب، وهو ما دفعهم للحضور للمغرب للبحث عنه، بقصد "اغتياله" وتصفية حساباتهم معه، بعد أن لعب بهم، خاصة وأن الشبكة المعنية، والتي يتزعمها الفرنسي المبحوث عنه، يبدو أنها شبكة مافيوزية كبيرة، وقادرة على فعل أي شيء. هذا ولم توضح المصادر الأمنية بعد، فيما إذا كان قد عثر مع هؤلاء على أسلحة نارية أم لا، خاصة وأن عددا من العمليات الانتقامية والاغتيالات التي تقوم بها هاته الشبكات، يتم فيها استعمال السلاح الناري، كما كان قد حدث خلال الصيف المنصرم، حينما كانت تصفية حسابات بين تجار للمخدرات بالمنطقة، استعمل فيها السلاح الناري، فتمكن المصاب من الفرار لطنجة، حيث أجريت له عملية جراحية هناك بإحدى المصحات، دون علم المصالح الأمنية، ليتم فيما بعد إدانة مدير المصحة المذكورة لعدم التبليغ، فيما هناك عدة حالات أخرى لاستعمال أسلحة نارية في عمليات لتصفية الحسابات بين تجار المخدرات.