ملثمون يقتادون فتيات مقيدات الأيدي وعلي محياهن علامات خوف ورعب شديدين. يقتاد الملثمون الفتيات إلى وجهة مجهولة. هم مجموعة من شباب المؤسسات التعليمية بمراكش، لازالوا يتلمسون أولى خطواتهم في دروب الحياة القاسية، حين صدمتهم بعض المشاهد العنيفة، التي ما انفكت تئن تحت وطأتها الإنسانية بالقرن الواحد العشرين، وتتناقل صورها مختلف الفضائيات والآلة الإعلامية العالمية. مدفوعون بقدرات دفينة، تؤشر عن مواهب واعدة، قرر المعنيون الإنضواء تحت لواء مجموعة فنية اختاروا لها اسما منحوتا من صميم عنف العالم «مافيا كش»، فشرعوا في إعداد العدة اعتمادا على إمكاناتهم المتواضعة، لبعث رسائل معبرة في شكل إنتاجات فنية، عبارة عن أشرطة مصورة تنهل من عمق هذا الواقع. نجاح خطوتهم الأولى التي لقيت إقبالا كبيرا من رواد العالم الافتراضي، شجعهم على المضي قدما في مشروعهم، فضربوا موعدا زوال أمس بفضاءات حي الازدهار طريق الدارالبيضاء، لتصوير مشاهد إضافية تمتح هذه المرة من إناء الظاهرة الإرهابية، التي باتت تؤرق كل شعوب المعمورة، غايتهم في ذلك الاصطفاف إلى جانب كل القوى الحية الرافضة للتطرف وعنف الإرهابيين. خطوة سيكون لها ما بعدها، حيث لم يدر في خلد عناصر المجموعة أنهم بصدد خوض تجربة واقعية، ستزج بهم في متاهة المتابعة القضائية، وسيجدون أنفسهم في قلب تحقيقات أمنية ماراطونية، لم يخرجوا منها لحد كتابة هذه السطور. انطلقت المجموعة ( 15 يافعا و يافعة) زوال اليوم المذكور اتجاه المكان المحدد، محملين بعدتهم وعتادهم المكون من قمصان وأقنعة سوداء، إلى جانب بعض الأسلحة البلاستيكية التي تم اقتناؤها من سوق المتلاشيات بباب الخميس، وشرعوا في تسجيل مشاهد توثق لظاهرة الاختطاف، وطلب الفدية التي أصبحت تمثل اللعبة المفضلة للمجموعات الإرهابية، وكل همهم منصب على تقديم رسالة فنية حسب طاقتهم وإمكاناتهم الفكرية والمادية. إلى هنا ظلت الأمور تسير في منحاها الطبيعي المحدد لها، ونجح أفراد المجموعة في إنهاء الجزء الأول من الشريط المصور، وبدؤوا في تجميع «قشاوشهم»، استعدادا لمغادرة المكان في حدود الرابعة مساء، حين فوجؤوا وعلى غير المتوقع بأرطال من السيارات الأمنية وفرق الدراجين، تنقض على المكان وتحيط بالمجموعة إحاطة السوار بالمعصم، وتطلق سهام مطاردتها في أعقاب المجموعة الشبابية. نقل الجميع لمقر ولاية الأمن مع مصادرة كل التجهيزات المومأ إليها وكذا وسائل النقل الخاصة بهم (الدراجات النارية وسيارة خفيفة)، وتمت إحالتهم على مصلحة الشرطة القضائية حيث أخضعوا لاستنطاق ماراطوني حول أسباب نزول هذا النوع من الأعمال، والأهداف المتوخاة من تمثيل هكذا مشاهد، وطبعا الاستفسار عن مصادر الأسلحة البلاستيكية ( قشيوشات عاشور). كان ضروريا إخطار النيابة العامة، ووضعها في صورة الواقعة، مع استمرار مسلسل التحقيق والاستنطاق إلى حدود الواحدة صباحا، فيما كان أفراد أسر وعوائل الشباب المعنيين متجمعين خارج مبنى ولاية الأمن وقلوبهم تلهج بالدعاء المأثور «اللهم إنا لا نسألك القضاء، لكن نسألك اللطف فيه»، في انتظار ما سترشقهم به الأخبار الواردة من داخل البناية حول فلذات أكبادهم. بعد ساعات الانتظار، جاء قرار إخلاء سبيل الجميع بعد إنجاز ملفات أمنية، خاصة بكل واحد على حدة وأخذ صور شخصية لهم، ومطالبتهم بالحضور في الساعات الأولى من صبيحة اليوم الموالي، و الاحتفاظ ببطائق تعريفهم الوطنية. انتهت التحقيقات بعدها، بمصادرة جميع التجهيزات والمعدات بما فيها كاميرات التصوير، وكذا الحجز عن الأشرطة المصورة في انتظار إحالة أفراد المجموعة، على النيابة العامة في حالة سراح صبيحة أول أمس الإثنين، مثقلين بتهم تنهل من معين ترهيب وترويع المواطنين الآمنين و إزعاج السلطات.