اختلفت الأسباب والحالات، لكن الوضع كان واحدا. نساء لم تسنح لهن الفرصة للتمتع بفترة حملهن، أمام عنف الأزواج. بعضهن كان يعول أن يكون الحمل فرصة للانتقال إلى مرحلة الاستقرار، وبعضهن اعتقدن أن الحمل سيكون صمام الأمان لعلاقة زوجية متينة. لكنهن سرعان ما استيقظن على واقع أزواج لا يعني لهم حمل الزوجات شيئا فلا يعصمهم من مد أيديهم بالعنف على زوجات حوامل.. متسببين في إجهاضهن.. «كان اختياري، وأنا مضطرة لتحمل تبعات هذا الاختيار»، هذا ما تراه سميرة حلا لتتستر على مشاكلها رفقة زوجها. كل شيء يحيل على التنافر بين شابة لم تفارق بعد براءة الأطفال ملامحها، ليقترن مصيرها برجل يكبرها بسبعة عشر عاما. كان والدها يأمل في أن تكمل دراستها، لكن ودون سابق إنذار أعربت الصغيرة عن رغبتها في الارتباط برجل مزاجي مدمن على تناول الخمر. انجراف سميرة العاطفي اتجاه زوجها جعل الأسرة تذعن لرغبة الإبنة، مخافة أن تتطور الأمور بعد أن هددت الفتاة بالهرب. لم يتغير مطلب سميرة بعد زواجها، لكنها هذه المرة أصبحت تحلم في الهرب من جحيم الزوج. معاملة مزاجية وعنيفة لا تنطفئ شعلتها بسبب وبدون سبب، لم يعد الأمر يطاق. لكن الاستعانة بالأهل أمر صعب، بعد أن حملوها مسؤولية اختيارها. بدأ جسدها يتلقى بجرعات متفاوتة أولى “حصص الضرب” قبل أن يصبح الأمر ممارسة روتينية. أولى بشائر الحمل أوهمت الزوجة برياح التغيير، لكن كل شيء بقي على حاله، لم ينجح صراخها المتكرر بأن ابنها قد يضيع في أي لحظة. « أطلقت على الجنين إسم هشام بعد أن أعلمتني الطبيبة بجنسه، كنت أطمع أن يغير وجوده من معاملة زوجي، لكن الأمور بدأت تزداد سوء، وبدأ يتعود على ممارساته العنيفة بحقي، حتى الندم الذي كان يعتلي ملامحه في البداية، تبدد مع الوقت، لأصبح أشبه بكيس ملاكمة، يفرغ فيه كل غضبه» تقول سميرة بحدة غريبة. لم يختلف جمود الرجل كثيرا، وهو يرى زوجته تتلوى من الألم بعد أن وجه لها مجموعة من الضربات التي أسقطتها أرضا، «حمل علبة سجائره، وتوجه نحو الباب، ثم أخبرني بقسوة أنه يتمنى سماع نبأ وفاتي رفقة جنيني وهو في المقهى». لم تمت سميرة، لكنها بقيت حية لتحكي قصة وفاة جنينها، الذي ظل حاضرا في ذاكرتها، « كلما اقتربت من النسيان، ينتقم مني وهو في حالة سكر، ليسألني عن عمر ابني لو قدر له أن يبقى حيا إلى اليوم». كلمات مقيتة تفضل سميرة روايتها، بعيدا عن مسامع الأهل والمعارف، لتتحمل ثمن اختيارها. من قسوة اليتم إلى ضرب الزوج على عكس سميرة، زبيدة لم يكن لها اختيار في أي شيء، منذ رأت عيناها النور. شابة بارعة الجمال، يشع لونها الخمري بالحياة، رفقة شامة تغازل زاوية ثغرها المحدد بدقة ملفتة للنظر. زبيدة الفتاة اليتيمة، التي نشأت في بيت خالتها، قدر لها أن لا تغادر ذاك البيت، لتصبح زوجة لإبن خالتها المهاجر الذي لم تكن تلتقيه إلا نادرا حين عودته للمغرب. لكنه سيعود ذات يوم بصفة نهائية بعد إصابته بمرض نفسي، ليستقر بالمغرب، وليتم تزويج زبيدة بعد أن صدرت أوامر الخالة. أمر أسعد اليتيمة التي أحست بانتماء أقوى للبيت، لكن سرعان ما تبدد الحلم. عصبية الزوج لا تطاق، تغذيها عقدته من تجربته العاطفية الفاشلة، التي يعتقد أنها انتهت بسحر تسبب في تدمير حياته. « لم يكن الضرب طقسا غريبا داخل بيت خالتي، لقد تعودت على الأمر منذ أصبحت يتيمة لا مأوى لها غير هذا المكان. كانت تلك ضريبة البحث عن الأمان، لكن الأمر مع زوجي كان أقسى»، تقول زبيدة التي أسقطت ثلاثة أجنة، على يد زوجها وظلت صامدة في ذلك البيت الذي لا بديل لها عنه. هي تذكر جيدا حملها الأول كذكرى قاسية، «كنت أتخيل رد فعله حين سأخبره بنبإ حملي، لكن سلوكه كان جنونيا، حين شرع في ضربي وشتمي». علمت زبيدة أن جنينها لن يغير في الوضع شيئا، لذا أصبحت تتحاشى زوجها. لكن حذرها لم ينجح في تغيير قدرها. ازدادت سلوكات الزوج غرابة، «لم يتوانى عن سحب السلم الذي كنت استعين به في ترتيب خزانة المطبخ، لأسقط على الأرض أمام عينيه. في مساء ذاك اليوم شعرت بألم يقطع أحشائي، قبل أن أبدأ بالنزيف أمام لا مبالاته، وقد حاول منع والدته من أخذي للمستشفى». لم يتوقف سلوك الزوج عند هذا الحد، بعد أن ساءت حالته النفسية، ليعمل على إخافتها بكلبه البوليسي، «أصبح أشبه بالمجنون، لم يعد يغادر البيت، ليتجول في أرجائه شبرا بشبر، يبحث عن الغبار، ويعد الأواني، يجثو على ركبتيه ليدقق في نظافة الزرابي والأرضيات...أدنى خطأ كان جزاؤه أن يشد شعري، مع وابل من اللكم والرفس. أضحى اللون الأحمر يثير في نفسي الرعب. وفي أحيان كثيرة يتلبسني كابوس الإجهاض رغم أنني لا أكون حاملا». تجربة مرة، لم تثني زبيدة عن محاولاتها في الإنجاب، « مني ربحت زوج ديال الولاد هاديك هي الدنيا وما فيها»، تقول زبيدة وهي تمرر يدها على رأس إبنيها اللذين تراهما إنجازا بعد تجربة مريرة لاتزال تعيش فصولها، لكن بوتيرة أخف. بين الغربة وعنف الزوج الحصول على زوج، لم يكن من الأمور التي تفكر فيها خديجة، لكن الحصول على أبناء لا يتأتى إلا من خلاله. معادلة صعبة كان على خديجة المتعطشة لإرواء عطش الأمومة، تقبلها رغما عنها. بعيدا عن الأهل، بالعاصمة الفرنسية باريس، تم الزواج المخطط له بعيدا عن حسابات العاطفة. كانت الزوجة جامدة لا تكن للزوج أي عاطفة، مما وتر الزوج الذي لم يستسغ دوره الثانوي في حياة خديجة. نبأ حمل الزوجة، جعلها تستبق الأحداث في عز فرحتها، لتبادر بالابتعاد البطيء، لم تعد النقاشات الساخنة، والملاسنات الحادة تفي بالغرض، ليعبر كل طرف عن استيائه من الوضع، « عندما تطور الأمر ورفع يده بوجهي للمرة الأولى، لم أتردد بتوجيه صفعة إليه، لتسوء الأمور بيننا بشكل سريع. أصبح يعلم أن الجنين هو نقطة ضعفي. كنت أحاول السيطرة على الوضع حتى لا تعالج الأمور بطريقة عنيفة، لكن رؤيته كانت تستفزني. بدأت أتخوف على الجنين وأتردد على المستشفى، حيث نصحت بالراحة التامة والابتعاد عن التوتر، مخافة فقدان الجنين»، تقول خديجة التي حاولت اتباع النصائح. كانت الأمور تسوء داخل البيت، ليصبح العنف “وسيلة للتواصل”. لم يعد الصفع كافيا بالنسبة للزوج، الذي حاول التخلص من الجنين، على اعتباره الخيط الوحيد، الذي يربطه بزوجته. «لازمت الفراش لمدة أسبوع، لم يكن ليوفر لي أية مساعدة بعد أن ساءت نفسيتي...ليفاجئني بعدها بسلوك فاق تصوري» تتذكر خديجة التي تعودت وقتها التوجه للحمام مرات متعددة أثناء الليل، كعادتها مدت يدها لتضيء الغرفة، لكن المصباح لم ينر، قررت وقتها أن تشق طريقها للحمام في ظلمة الليل، بعد مغادرتها للسرير شعرت أن شيئا حادا يخترق قدميها. كان الأمر يزداد سوءا كلما خطت نحو الباب. «كنت أصرخ دون أن أستوعب ما يجري. بصعوبة وصلت للباب، كان زوجي يقف بأعصاب باردة، وجدت أن قدماي تنزفان دما، عند رؤيته لم أعد أشعر بالألم فهاجمته» تقول خديجة وقد اتسعت عيناها، وهي تتذكر الحادثة التي قام فيها الزوج بتكسير مصابيح غرفة النوم، ووضعها في طريقها كنوع من الانتقام. لم يصمد الجنين طويلا، بعد أن تعرضت خديجة لانهيار عصبي. لكن الحادثة لم تجزم بعد فيما ستؤول إليه علاقة الزوجين، بعد أن قررا الانفصال في السكن، دون أن يجزما في مستقبل علاقتهما الزوجية. سكينة بنزين