بدأ النقاب يغزو فضاءاتنا العمومية بشكل يهدد بمسخ الهوية المغربية، لذلك حان الوقت لاتخاذ قرار واضح بشأنه قبل فوات الأوان. هل في منع البرقع والنقاب ضرب للإسلام والمبادئ الاسلامية؟ الجواب هو لا وبشكل قطعي. حديثنا هنا ليس عن الحجاب بشكله المتداول في مجتمعنا، ولكن عن ذاك الثوب الأسود الذي يغطي كافة جسد المرأة بما في ذلك وجهها لتصبح كائنا غير معروف الهوية، لا تستطيع حتى والدتها أو أبناؤها التعرف عليها إذا التقوها في الشارع! ارتداء النقاب والبرقع هو علامة سياسية واضحة على الانتماء إلى جماعة أو فئة لها أهداف محددة حتى وإن كانت المرأة التي ترتدي هذا اللباس غير واعية بما تقوم به أو تعتقد جهلا أنها تنفذ تعاليم الدين الحنيف، فتكون بذلك مجرد حطب لنار الفتنة. إن النقاب أو البرقع ليس رمزا دينيا، فالملايين من النساء المسلمات في العالم والمغرب بالخصوص لا يرتدين هذا اللباس، لكن ذلك لا ينقص من إيمانهن ومن قيامهن بواجباتهن الدينية. هذا اللباس الذي صار اليوم موضة المتعصبين لا علاقة له بالهوية المغربية ولا بالانتماء إلى المجتمع المغربي، وهو بذلك لا يمت بأي صلة إلى "النكاب" الذي كانت ترتديه جداتنا ولا بالحايك الذي مازال تقليدا تحافظ عليه نساء بعض المناطق ببلادنا ولا بالملحفة الصحراوية المتجذرة في الأقاليم الجنوبية. إنه "ماركة" طالبانية ترمز إلى التطرف والتعصب والانتماء إلى الجماعات المتعاطفة مع الإرهاب والجماعات التي تمارسه. المرأة المغربية التي ترتدي هذا اللباس ستعيش في بلدها بدون هوية لأن كل المؤسسات الإدارية تحتاج إلى معرفة هوية المواطن الذي تتعامل معه، وبالتالي سيكون عليها أن تتخلى عن هويتها وكل وثائقها الإدارية وعلى رأسها بطاقتها الوطنية التي تكشف عن وجه صاحبها.. سيكون عليها التخلي عن انتمائها للمجتمع لأنها ستضطر إلى إقامة مجتمع آخر تربطها به رابطة «اللباس» لا العلاقات الاجتماعية والرحم، وتقتسم معه نفس الثوب الحالك الذي ترتديه وتنقله إلى بناتها على اعتبار أنه الفهم الصحيح للدين.. المرأة التي ترتدي هذا الثوب تنظر إلى باقي النساء نظرة دونية باعتبارهن أقل منها درجة. في مجتمعنا تتزايد المتشحات بالسواد. أغلبهن يخضعن ل«قيود» أزواجهن فيكون هذا الثوب هو سبيل الارتباط الوحيد، وهذه حقيقة يجب أن ننتبه إليها إذ لا يكفي أن نلوم المرأة التي ترتدي النقاب بل يجب أن نعرف أن وراء كل امرأة تظهر بهذه الصورة في الشارع رجل قد يكون زوجا أو أبا أو أخا استطاع أن يلزمها بذلك، ويقنعها بأن النقاب هو أسمى تمثل للإسلام بالنسبة إليها وبدونه فإنها تفقد الحشمة والوقار بل هويتها الدينية أيضا ! قضية النقاب ليست قضية دينية، إنها سياسية. هي علامة على الانتماء ليس إلى دين معين بل إلى جماعة لها طموحات سياسية تستغل الدين وضعف الناس اتجاه تعاليمه ومبادئه وتشتغل على مستويات عدة في نفس الوقت: على المستوى السياسي والأمني والمجتمعي والاقتصادي، كما تعمل على الواجهة الدولية من أجل عولمة اختياراتها المتطرفة واستقطاب المزيد من الأنصار لبسط نفوذها داخل المجتمعات. هذه الحركية تنبهت إليها بعض الدول الأوروبية كبلجيكا التي سنت قانونا يعاقب النساء اللواتي يلبسن البرقع والنقاب ويحجب هويتهن، وكذلك يفرض عقوبات مشددة على الأشخاص الذين يفرضون على المرأة ارتداءه. وفي الوقت الذي تستعد فيه فرنسا لسن قانون يمنع النقاب بعد أن تبنت الجمعية الوطنية قرارا ضد ارتدائه تحضر سويسرا وهولندا لنفس الأمر، ومن غير المستبعد أن تتبعهم باقي الدول الأوروبية التي تعيش بها جالية مسلمة كبيرة. إن الصراع الذي يجب أن يخوضه مجتمعنا هو صراع حضاري سلاحه العلم والفكر الحر وذخيرته مبادئ تقدمية حداثية يحافظ على الهوية المغربية سواء الدينية أو العلمية أو المجتمعية في سبيل تحسين الوضع الحياتي والمعيشي للمواطن، أما الطلقات الفارغة التي تشعل الفتنة فإنها ترجعنا قرونا إلى الخلف. هي قضية سياسية تنتظر جرأة في الحسم..