«مصر وتركيا ... خلافة إسلامية» ..«أردوغان يا أردوغان... ألف تحية من الإخوان» بمثل هذه الشعارات استقبل حشد كبير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين على طول الطريق المؤدية إلى المطار، الرئيس التركي أردوغان بعد هبوطه في مطار القاهرة . أردوغان الماهر في دغدغة مشاعرالعرب والمسلمين بمواقفه وتصريحاته والتي لا تخفي مع ذلك براغميته وواقعيته كأي سياسي من مستوى عال، استثار الأحلام والأماني التي تتشاركها جميع القوى الإسلامية بإخوانييها وسلفييها ونظروا إليه باعتباره السلطان العثماني الجديد الذي سيعيد الخلافة الإسلامية إلى الوجود مرة أخرى ويرجع عقارب الساعة إلى الوراء حيث القيادة الموهومة للعرب على العالم. لكن ” السلطان” وجه صفعة غير متوقعة لتلك القوى الإسلامية عندما قال في حوار تلفزيوني سجل قبل زيارته لمصر: «الآن في هذه الفترة الانتقالية في مصر وما بعدها أنا مؤمن بأن المصريين سيقيمون موضوع الديمقراطية بشكل جيد . وسوف يرون بأن الدول العلمانية لا تعني اللادينية وإنما تعني احترام كل الاديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه». هنا سينقلب الترحيب والاستقبال الإخواني الحافل إلى استنكار وعدم استحسان، حيث اعتبره عصام العريان تدخلا في شِؤون دولة أخرى ومحاولة فرض نمط دولة على أخرى ورفض ربط الديمقراطية والتقدم الاقتصادي التركي “والأداء الحضاري المتميز” بالعلمانية مؤكدا أن الشعب المصري لن يفهم ولن يقبل أي دفاع عن أي نظام علماني ولو كان النظام التركي. خيبة الأمل هذه تظهر العداء الشديد والمعروف للعلمانية من طرف الإسلاميين، والجديد هنا هو أن هذه الدعوة العلمانية أتت من شخص، طالما افتخر به الإسلاميون خاصة المسمون «معتدلين»، ويقدمونه كنموذج يبشرون به في حالة توليهم مقاليد السلطة في بلد ما . رجل كان يعتبر موقفه من العلمانية تكتيكا يتيح هامشا من المناورة تحت ظل نخبة عسكرية علمانية خانقة، لكن انفصاله عن الراحل أربكان سنة 2001 يبين أن الأمر ربما كان أكثر من ذلك، فأردوغان الذي دخل السجن لأربعة أشهرسنة 1999 بسبب أبيات شعرية ملتهبة ذات نفح جهادي، غير أردوغان الذي خرج من ذلك السجن ليعلن تأسيس حزب العدالة والتنمية مع عبدالله غول ومجموعة من الشباب، والآن هو ينظر لنفسه باعتباره “رئيسا مسلما لحكومة علمانية” هذه العلمانية تحمي الدين ولا تحاربه والأهم من ذلك تضمن حرية المعتقد لجميع المواطنين ولا تلتجئ لأساليب التكفير والسجن بسبب الأفكار والتفريق بين الأزواج والحكم على أذواق الأشخاص والتدخل في حياتهم. تفاجؤ الإسلاميين بتصريحات نجم الشرق الأوسط الجديد، ليس مبررا إذا كانوا مطلعين جيدا على أفكار الحزب التركي، ففي ندوة عقدت سنة 2004 بالقاهرة وشاركت فيها الخارجية التركية أكدت هذه الأخيرة عبر خبرائها أن العلمانية التركية، يفهمها الآخرون خطأ، وإنها نموذج ديمقراطي، وإنهم مسلمون إصلاحيون يعتبرون الدين في القلب وعلاقة مع الله، وما عدا ذلك إسلام سياسي يجب تحجيم دوره”. وهو مايعزز فرضية اقتناع الأردوغانيين بالإسلام العلماني أكثر من اعتباره خطابا للتقية. لكن ماذا عن إسلاميينا المغاربة والمشاركين منهم بصفة خاصة والذين نقل منهم حزب العدالة والتنمية التركي اسمه . هل يتشاركون نفس الرؤية معه؟ الاتجاه الذي يسود حاليا داخلهم بعيد جدا عن هذه الرؤية على الأقل من ناحية الشعارات التي يرفعونها وأدبياتهم وبعد الضغط الذي قيل إنهم مارسوه لتغيير بنود “حداثية” في الدستور كانت ستنص على حرية العقيدة وتنزع من الدولة صفتها الدينية, وقبل سنوات عندما أراد بن كيران أن ينزع من الحزب صفته الإسلامية أسوة بالأتراك، رد عليه الريسوني بقوة معتبرا أننا نعيش تحت ظل إمارة المؤمنين وكل الأحزاب يجب أن تكون إسلامية. بالرغم من ذلك، ربما هناك بارقة أمل تتمثل في الدكتور سعد الدين العثماني الذي لم يمانع في الدفاع عن علمانية خفيفة في حوار قديم مع جريدة العالم الأمازيغي لكن الأهم من ذلك هو كتابه “تصرفات الرسول بالإمامة ” الذي يفرق فيه بين تصرفات الرسول المتعلقة بالدين كالفتوى وتبليغ الرسالة وبين تصرفاته المتعلقة بالدنيا وتدخل فيها الإمامة بمعنى السياسة وشؤون الحكم. فهل يتعلق الأمر بتأصيل لإسلام علماني مغربي منعه الجو العام من التطور؟