اِخترق وجع رحيل الأخ أحمد الزايدي سمك التحمل مرتين ....؛الأولى يوم انسحب ذات قدر ؛ دون إيماءة ولا وداع وبدون إشعار؛ في لحظة جحود الدرب و الطبيعة وفي ومضة حسم القضاء؛ والثانية .. حين غُيِبٓ عن تأبينه رحم سياسية حملته ؛أحبته وسمعناها تئن في هذه اللحظات بعيدة عن مبكاه الذي اتسع لكل الدموع إلا دموع الأم السياسية ... الأولى حين سكت الراحل .. وعلق الحوار .. وحذف عنوانه من دفتر الدنيا ..وأطلق شريط الذكريات ..والثانية حين عُزِف لحن الحزن عليه عبر كل المقامات إلا مقام الحداد الحزبي ...شهق فينا الوجع مرتين ..وكلتا المرتين أقسى وأعتى ... الأولى ..لأن الحكم قطعي مكتسب لقوة الشيء المقضي به ...غير قابل للنقض ولا للصبر و...الثانية ..لأن ثكلى فكرية ومذهبية غير بيولوجية ..تشق جيبها ..بعيدا عن صوانه ..وتنزف معلقاتها عليه في غيرأربعينيته ...وفوق غير الركح تدبج تعابير تاريخية معتقة بجمل قالها شهداء وزعماء ومناضلون حفظها في قلوبهم حالمون وحالمات ؛ يستجمعون نفساً مستعسراً مستخلصاً من "كوبليه" صادق وسط ملحمة متعثرة ؛ ..غرس رحيل الرجل في إرادتنا خنجرين ..الأول ..حاد ..دقيق ؛ وصل إلى حافة الجٓلد فخرقه وسبر أقنعة الدنيا البائدة اللئيمة ...والآخر شرس ..ضخم ..دنيوي ..حمل براكماتية الإستمرار ووٓصٓمٓ قدسية لحظة الرحيل ببقع الواقع ..المعاش البشري ..وعنون الحزن بالصراع والتحدي والأخذ والرد .. أو لعلي ..بكيته بزمنين ..ولحنين ..وغدين ..وصهرت عند نعيه وجعين وهمين وأملين ..زمنه الذي تلألىء بصبره وحذوه وسعيه ووردة حزبه كالتاج فوق جبينه..وزمن الأربعينية الذي أرخ للقيادي خارج كرونولوجيا رحيقه المخضب بلون الزهر والصبر ؛ ...وبلحنين يتمازجان بتنافر فوق نغم الأسى ؛ أحدهما عزف على كل أوتار الفاجعة بين جدران المسرح الحزين والآخر غرد فوق سولفيج الوجع الأصيل في مقام الغياب والتغييب... وبغدين ..أحدها كان سٓيُرسٓمُ بملامح مساره ومنطقه وطبيعته فوق نبرات صوته وبصيغة المتكلم والآخر بقدر ضمير الغائب تحت طائلة الرحيل وتأويل التفاصيل والحسم بقوة البقاء .. ..وصهرت عند نعيه وجعين ..أعتاهما أن الأحزاب لم تبني أسراً لمناضليها .ولم تنجب لهم إخوانا وأحبة .. .ولم تكتب من أجلهم دلائل ثقة ومخططات حب واحترام ولا شيدت لغربتهم أوطانا كما أنها لم تنتج لهم حليباً مجمعاً موحداً يحشد لهم حيزاً على قارعة الود والتعايش ؛كما أنها-الأحزاب - لا تزال مهوسةبكبيرهم حتى يصغر وقويهم حتى يضعف ؛ وحاضرهم حتى يتوارى ؛وغاضبهم إلى أن يلين ؛ وأنها لم تكسرأبداً شوكة أخطائهم ولا عاقبت عقوقهم ولا قوضت مستبديهم ولم تكبح فوران التسلط في سلوكاتهم .. وذرفت يومها أ ملين اثنين ..أحدهما أن يتغمده خالقه بواسع رحمته ويسكنه فسيح رياضه ؛ ويهدأ لوعة أمه ويكفنه بنور دمعها ؛ .وثانيهما أن تصهل الإرادة في عروق مشروع التحريروالديمقراطية والإشتراكية ؛ برداً وسلاما على أبناء وبنات حزب المهدي وعمر ...!!. بقلم: حسناء أبو زيد