« نهاية مؤلمة وقاتلة.. » تلك كانت خلاصة مشهد مرعب، لجريمة قتل مجانية، أيقظت جراح مدينة قصبة تادلة في أحد أيام شهر مارس الماضي. الجريمة التي كان دافعها الاغتصاب والانتقام غير المبرر ،أعادت سؤال الانفلات الأمني، واعتراض سبيل المارة بها إلى الواجهة بعد مقتل التلميذ « أمين التاغي» الذي كان يتابع دراسته بثانوية مولاي رشيد بنفس المدينة. لم يكن « أمين » الضحية البالغ من العمر 17 سنة، يعتقد في يوم ما أن شغفه بالرياضيات والعلوم ومواظبته على دروس الدعم بدار الثقافة غير بعيد عن حيه السكني رفقة عدد من التلاميذ والتلميذات من نفس الثانوية، ستنهي حياته فجأة ودون سابق إنذار. حلمه وحلم أسرته الصغيرة في أن ينال شهادة الباكالوريا، كان دافعا قويا، للمواظبة على دروس الفيزياء، خاصة أن شعبة العلوم التجريبية تتطلب منه، تكثيفا لمجهوداته. في الساعة السابعة والنصف مساء من كل يوم أربعاء، يقف كالعادة ينتظر قدوم زملائه إلى المكان الذي تعودا الالتقاء فيه، قبل أن يلتحقوا جماعة بالفصل. انتظاره في ذلك اليوم لم يدم طويلا، فقد لاح له من بعيد أفراد المجموعة. توقفا للحظات في الزواية الخلفية لدرا الثقافة، وهم يتبادولون أطراف الحديث، كانت هناك عيون غريبة تتابع تحركاتهم خلسة، وتتربص بهم وتنتظر الفرصة المواتية للهجوم عليهم. ففي الجهة المقابلة، كان كل من المتهمين، (سعيد.ح) و(هشام. ر) وهما يقطنان بنفس الحي ( الحجرة) بالمدينة يتجولان بالقرب من مكان تواجدهما، ويعدان الخطة للهجوم . هشام البالغ من العمر 22 سنة عاطل عن العمل ، كان مندفعا، وتعود في أكثر من مناسبة مشاركة زميله «غاراته» وهجوماته على المارة، وسرقتهم والاعتداء عليهم، إلى درجة أنه لايتردد في إشهار سلاحه الأبيض وتهديد ضحاياه، وسلبهم مابحوزتهم من مال، وأشياء يمكن بيعها فيما بعد. أخر هذه العمليات قيامهما باعتراض قاصرين في نفس المكان، دقائق قبل ارتكابهما للجريمة وماطلبتهما بهاتفيهما، بعد أن عمد هشام إلى طعن أحدهما في يده. انتبها إلى وجود الضحية رفقة أربعة تلميذات. في تلك اللحظة وهما يتابعان حركة المجموعة تولدت لدى (سعيد) فكرة الاعتداء على المجموعة، واختطاف فتاة، ولما لا ارغامها على ممارسة الجنس، غير أنه ما إن اقتربا من المجموعة حتى لاذ الجميع بالفرار إلا « أمين» الذي وقف متحديا الاثنين . في الوقت الذي كان سعيد يحاول اعتراض طريق احداهن، وأمام فشلهما في مهمتهما، تقدم هشام نحو أيمن، وحاول ايقافه بالقوة « أمام خيبتنا في تحقيق غايتنا، قمت بتعنيفه واسقاطه أرضا، حاول الدفاع عن نفسه، بعد نهوضه، أمرته بالانصراف إلى حال سبيله، « سير فحالك، راه غادي نكرفسك» لكن (سعيد) الذي كان يحمل في يده سكينا امتلكه حالة من الغضب، وبدأ في شتمه، وفي غفلة مني وجه إليه طعنة في الصدر، حقيقة فوجأت بردة فعله غير المتوفعة، حتى بعد أن وجه إليه الطعنة ». تأوه أيمن، وأطلق صرخة مدوية، ثم سقط أرضا، بعد أن خارت قواه، متأثرا بالجرح الغائر الذي أصيب به. اعتقد الضحية أن (سعيد) سيوجه له ضربة أخرى، نهض من مكانه وهو ينزف دما، تراجع إلى الوراء. توجه مباشرة وفي محاولة للبحث عن ملاذ آمن إلى حي الرياض المجار ، غير أنه انهار قبل أن يصل إلى منزله، وسقط مغمى عنه. سقوطه وسط الطريق أثار بعض سكان الحي الذين تحلقوا حوله. تطوع أحد الأشخاص، فقام بالاتصال بالشرطة وبسيارة الاسعاف، التي نقلت أمين المصاب إلى مستشفى مولاي إسماعيل المحلي، هناك وقف الطاقم الطبي على درجة الاصابة ليتم توجيهه على وجه السرعة إلى المستشفى الجهوي ببني ملال نظرا لخطورة حالته. لكن جسد أمين الهزيل لم يتحمل النزيف الحاد الذي أصيب به جراء الطعنة ،ليلفظ آخر أنفاسه متأثرا بجروحه في حوالي الساعة الواحدة من صبيحة اليوم الموالي 24 مارس 2011. تبين للإثنان أن الأمور قد انتهت عند هذا الحد، غادر هشام مسرح الجريمة، حاول أن يتوارى عن الأنظار، بعد هروب سعيد نحو وجهة غير معروفة والذي ادرك خطورة مافترفت يداه، وفي حدود منتصف الليل، وأمام ذيوع خبر إصابة التلميذ، إلى مغادرة المدينة قبل انبلاج الصباح. كانت وجهته مدينة طنجة، حيث ظل مختبئا إلى أن إلقاء القبض، بعد أن كان موضوع مذكرة بحث من طرف مصالح الشرطة بمدينة. أما سعيد فلم ينجح في الاختباء لأكثر من ساعتين، وتم ايقافه، والاستماع إليه. بعد وقوع الجريمة، تم إخبار الأب بالحادث في حوالي الثامنة مساء من نفس اليوم . توجه مباشرة إلى مستشفى مولاى اسماعيل على وجه السرعة برفقة رجال الشرطة، حيث وجد فلذة كبده ممدا هو في حالة صحية حرجة، لم يتمكن من مرافقته، إلى مدينة بني ملال لاتمام العلاج، لكن في اليوم الموالي، بلغ إلى علمه الخبر الفاجعة، أمين يلفظ أنفاسه متأثرا بجراحه».