بعد فترة مهادنة،امتدت زهاء أشهر عاث فيها «الفراشة» احتلالات لمختلف فضاءات المدينة الحمراء، واستنبتت إثرها عدة أسواق عشوائية، بعضها أطل برأسه من داخل تجمعات سكانية، ماجعل الساكنة والتجار يضجون بالشكوى والاحتجاج، قررت السلطات المحلية أعلان الحرب على هذا النوع من التسيب. «حتى لعبت الخيل بالحجر، عاد بغاو يعلموه التبوريدة»، بهذا المثل الشعبي الدارج، لخصت سيدة مسنة، مشهد الصراع المحتدم مساء أمس بين عناصر السلطات المحلية، معززة بالقوة العمومية، وبعض «الفراشة»، حين محاولة تخليص شارع الداخلة بمنطقة دوار العسكر من شرنقة هؤلاء «الغزاة». المعنيون، وبعد أن طابت لهم عملية البيع والشراء، بطوارات الشوارع طيلة أشهر، أصبحوا يعتبرون عمليتهم ضمن الحقوق المكتسبة، ما جعلهم ينتظمون في مجموعات، ويشنون وقفات احتجاجية بمدخل الملحقة الإدارية الحي الحسني، تنديدا بما اعتبروه «حملة على أرزاقهم». بعضهم الآخر لم يتردد في الدخول في شنآن مع ممثلي السلطات المحلية، مع التهديد علنا بإعادة إنتاج تجربة بوعزيزي تونس، احتجاجا على منعه من السيطرة على زاوية من الشارع الاستراتيجي المذكور. السلطات المحلية، التي كشرت فجأة عن أنيابها، لمواجهة هذا الاحتلال الكساح، ظلت تواجه الأمر ب«أذن كيال» عبر نهج سياسة «عين ماشافت، وقلب ما وجع»، حيث امتد الأمر أحيانا إلى مواجهة التجار من أصحاب المحلات التجارية، الذين حوصرت تجارتهم، واضطروا إلى رفع شكاياتهم، بالقول: «غير صبرو وزيدو فصبركم الله يجازيكم بالخير، راه الوقت خايبا بزاف». كانت الشوارع المذكورة، تعيش على إيقاع توترات حادة طيلة مساء أول أمس، حيث خيمت أجواء الاحتقان، بعد استنفار القوات العمومية، لإجبار هؤلاء «الفراشة» على إخلاء فضاءات الشوارع والزوايا، التي احتلوها بشكل مستفز، وأصبح الراجلون مجبرين على مزاحمة السيارات والدراجات وسط الطريق العام. أمام أجواء التوتر والاحتقان، حاول بعض المسؤولين المحليين، احتواء الوضع، ومنع أي حالة انفلات غير متوقعة، ومن ثمة الشروع في لعب دور «وساطة الخير»، وتوزيع الوعود. المحتجون الذين اعتبروا هذه «الغارة» المفاجئة، بمثابة كسر خط الهدنة المعمول به منذ شهور، أعلنوها ثورة عارمة، وواجهوا رجال السلطة بوابل من الاحتجاج والاعتصامات، امتد بعضها للتلويح بتهديدات مباشرة، ومن ثمة الإصرار على التشبث بمواقعهم. ممثلو السلطة، اضطروا في خضم هذا الزخم المتوقع، إلى تليين المواقف والدفع بالتي هي أحسن، تحت شعار، المهم هو تحرير الملك العمومي، بأقل خسائر ممكنة. انتهت المفاوضات، بتحديد موعد لعقد اجتماع بحضور ممثلين عن «الفراشة» وممثلي السلطة، قصد البحث عن مقاربة مقبولة ومعقولة، تمكن من تحرير المواقع المحتلة، مع ضمان استمرار تجارة المحتجين، في انتظار جولة أخرى من الاحتقان، فيما جاهر البعض، بعزمه على افتراش موقعه في اليوم الموالي «واللي ليها ليها». سماعيل احريملة