سكان دوار «البورصي»، أحد أكبر الأحياء الصفيحية والعشوائية بضواحي فاس، انتظروا طويلا الماء والكهرباء والسكن اللائق، قبل أن ينتفضوا مع بداية الأسبوع الجاري، عندما قرر العشرات منهم تنظيم مسيرة احتجاجية مشيا على الأقدام باتجاه وسط المدينة. بملامح شاحبة توحي بمعاناة دفينة مع الحاجة والعوز، انطلق المحتجون بشعارات تعبر عن مطالب عاجلة بحياة كريمة. من حيّهم جابت المسيرة عدة شوارع وأزقة قبل أن تستقر بمقر مقاطعة سايس، قبل أن يقتحمونها و»يستوطنون» بداخلها في اعتصام مفتوح، وهم يرددون النشيد الوطني. المحتجون لم ينْهِوا اعتصامهم داخل مقر المقاطعة إلا بتدخل رجال سلطة والقوات العمومية،بعد أن وعدوهم بتمكينهم من رخص الكهرباء وشبكة توزيع الماء الشروب، التي جرى توقيعها من قِبَل رئيس المقاطعة، وتم وضعها بأرشيفها منذ بضع سنوات. مناوشات وشد وجذب خلال محاولة إفراغ المعتصمين، «ماغديش نسكتو بالقوة... غادي نبقوا نتحتجوا حتى نحسو بأننا ولينا مواطنين عايشين كيف الناس»، يقول عبد الله الوردي، أحد سكان الحي. الأمر لم يقف عند حدود الهموم الاجتماعية، بل اقتحمت الهواجس السياسية مطالب الساكنة، عندما اتهم الاستقلاليون الذين يُسيّرون مقاطعة سايس، الاتحادي أحمد رضا الشامي بالدخول على خط احتجاجات حي البروصي، بقيامه بما أسموه ب «حملة انتخابية سابقة لأوانها»، في الوقت الذي فضل فيه رئيس المقاطعة، الاستقلالي حميد فتاح، المنشق سابقا عن حزب العدالة والتنمية، أن ينأى بنفسه بعيدا عن غضب المحتجين، وفوّض أمر «فتح الحوار» معهم لأحد نوابه. عضو بودادية حي البورصي، قال إن السلطات المحلية سبق لها أن وعدت الساكنة بحل مشاكل الحي، وقام رئيس المقاطعة بالتوقيع على رخص ربطهم بالكهرباء والماء، لكنه رفض تسليمها للمتضررين. الساكنة تطالب،أيضا وبصورة ملحة، بإعادة إيوائهم في نفس الحي، دون ترحيلهم إلى مناطق أخرى، في ظل حديث عن إمكانية تدخل مؤسسة «العمران»، بإيجاد حل نهائي لهذا الحي الصفيحي، عوض الاقتصار على مد براريك ساكنيه بالكهرباء والماء. حي البروصي الصفيحي يوجد بضواحي مدينة فاس منذ عهد الاستعمار، عندما أقام فيه بعض العمال الزراعيين الذين كانوا يعملون في ضيعات المعمرين، ومنها ضيعة فرنسي يدعى «بروصي» الذي سمي الحي باسمه. وبعد الاستقلال، تم تفويت هذه الضيعات، بينما بقي الحي آهلا بالسكان وازداد في الاتساع بفعل تنامي البناء العشوائي، قبل أن يتقرر في الانتخابات الجماعية ل2009 إلحاقه بالمجال الحضري لفاس، بعدما كان تابعا للجماعة القروية «أولاد الطيب». الحي بكثافة السكانية العالية ظل ينظر إليه كبقرة حلوب، لكتلته الناخبة، لذلك بات يشهد في الأيام الأخيرة «إنزالات» من قبل مرشحين محتملين للانتخابات البرلمانية القادمة.