AHDATH.INFO - خاص هل وصل بنا البؤس إلى هذا الحد من العنف النفسي؟ أتابع الأخبار في الجرائد وعلى المواقع وأكاد أيأس من منظومة القيم التي تحرك مجتمعنا. من ناحية، فتاة يعنفها زوجها بشكل لا إنساني، فتقرر أن تسامحه. بل تهدد بإيذاء نفسها إن تمت متابعة زوجها. ومن ناحية أخرى، شريط فيديو يؤرخ لكبتنا الجنسي المستشري. طبعا، ليس من حقنا أن نتدخل في تفاصيل خصام وصلح بين زوجين. لكن الأمر هنا يتجاوز حميمية العلاقة بين زوجين. لقد شوه الزوج وجه خولة بشكل بشع. ما الذي يجعل شخصا يتضامن مع شخص آخر اعتدى عليه بشكل وحشي وغير إنساني؟ ألأن خولة (تعتقد أنها) لا تملك خيارا آخر؟ ألأنها تتعرض للتخويف والتهديد؟ ألأنها لا تؤمن بقدرة قضاء وشرطة بلدها على حمايتها من انتقام الزوج بعد خروجه من السجن؟ هل نعيش هنا أحد تجليات متلازمة ستوكهولم؟ (سنة 1973، تعرض مجموعة من الرهائن للاحتجاز في بنك باستكهولم لمدة 6 أيام. بعد إطلاق سراحهم، عبروا عن تعاطفهم مع محتجزيهم ودافعوا عنهم بشدة. منذ ذلك الحين، والمصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف مع من اعتدى إليه). الحقيقة أن قضية خولة تفضح واقعا بئيسا في مغربنا: العدد الكبير للنساء اللواتي يتعرضن للعنف من طرف أحد رجال العائلة (الزوج، الأخ، الابن…)، واللواتي لا يتجرأن على اللجوء إلى القضاء لأسباب كثيرة: الخوف من الانتقام، عدم الإيمان بأن الشرطة والقضاء قادران فعلا على حمايتهن على المدى البعيد، نوع من العنف الرمزي الذي بموجبه، يلوم المجتمع (والشرطة والقضاء نفسهما أحيانا) المرأة التي تُبلِّغ عن زوجها أو ابنها أو أخيها؛ وأسباب أخرى كثيرة. بل أن الكثيرين يعتبرون أنه، إذا عنفها، فهي السببُ بالتأكيد. أخ زوج خولة، مثلا، صرّح بما يلي: "علينا أن نسأل عن أسباب هذا الاعتداء". لنعترف أن هذا السؤال يتبادر إلى ذهن الكثيرين حين نسمع عن اعتداء رجل على زوجته أو أخته: "ماذا عساها فعلت لكي يعنفها بهذا الشكل؟". وكأن هناك سببا منطقيا يجعل زوجا يعتدي على زوجته. طبعا، وبموجب الدفاع عن الحق العام، فإن زوج خولة سينال حدا أدنى من العقاب. خولة تستطيع، للأسف، أن تتنازل عن حقوقها الشخصية؛ لكن ليس عن المصلحة العامة التي يمثلها المدعي العام. فزوجها يشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع برمته. ثم، هناك شريط فيديو يصور مؤخرات النساء في الشارع ويعتبر بأن في ذلك تحرشا جنسيا بالرجل. هناك طبعا كثير من الجهل المعرفي في التسميات. لذلك، فعلى صاحب الفيديو ومعجبيه أن يفتحوا بعض الكتب ويقرؤوا ويتفقهوا. هذا سيجعلهم يفهمون بشكل جيد معنى بعض المصطلحات ولا يضعون تعريفات على ظواهر لا علاقة لها بالتعريفات. لكن هذا الشريط يترجم في النهاية حقيقة صادمة ومؤلمة؛ وهي أننا مجتمع يعاني من كبت جنسي رهيب جدا. هوس مرضي بالجسد وبالجنس. كائنات تتحول فجأة إلى أجهزة جنسية متحركة. رجل يختزل ذاته في قضيب. عضو ذكري منتصب يبحث عن جهاز تناسلي يفرغ فيه كبته المستشري. كيف نؤسس لمجتمع سليم ولعلاقات إنسانية جميلة في ظل كل هذا الكبت الذي يرفض الكثيرون الاعتراف به؟ ما لم نعِ استفحال وانتشار المرض في أغلب أعضاء الجسم، فأعراضه ستستمر في الظهور ونحن نستهين بها ونعتبرها أزمات عارضة وعرضية؛ بينما هو ورم سرطاني خطير يعاني منه الكثير من رجالنا.