الذهب ينشد معزوفة “الغلاء” في أعراس الصيف ويحلق بمستويات الأسعار عاليا. أنشودة، وإن بدا تغني المعدن الأصفر بها في هذه المناسبة أمرا طبيعيا بالنظر لما يشهده الاقتصاد العالمي اليوم من ارتجاجات مصاحبة لتنامي مستوى الإقبال على اقتنائه بالأسواق، فإن المقبلين على الزواج هذه الأيام انزعجوا كثيرا من نشاز لحنها وأبدوا استياء كبيرا من طريقة أداء هذه المعزوفة بعدما حلقت نبرة صوتها المرتفعة بسعر هذا المعدن النفيس فوق سقف 350 درهما للغرام الواحد . رشيدة التي انتظرت بفارغ الصبر حلول شهر غشت الجاري لعقد قرانها بالشاب خالد، الذي يعمل موظفا بقسم التعمير بإحدى الجماعات المحلية بالدار البيضاء، لم تتمكن خلال الأيام التي سبقت موعد الزواج من إقناع زوجها بضرورة اقتناء ما تشتهيه نفسها من بعض الحلي والمجوهرات. فتضاعف مستويات الأسعار بأسواق الذهب أضعف من قدرة هذا الموظف الجماعي البسيط على الوفاء بالتزامه اتجاه زوجته بعدما سبق له أن وعدها بتلبية هذه الرغبة حينما تقدم لخطبيها مطلع العام الماضي. هاديك الساعة الذهب كان داير 180 درهم للكرام، دابا راه ولا مضوبل!! وهاذ الثمن راه بزاف عليا أخويا!!” يقول خالد لزميله حسن في دردشة بإحدى مقاهي شارع الفداء بعد إفطار يوم أول أمس. كان حينها حسن الذي يستعد هو أيضا لدخول القفص الذهبي، يطلب المشورة من صاحب التجربة الذي خاطبه قائلا: “خذ ليك خويتمات عاديين ديال الزواج وشي سنسلة خفيفة ولا طوينكات خفاف كيف ما درت أنا وهني راسك” أما فاطمة ربة البيت التي تلقت مؤخرا دعوة لحضور حفل زواج إحدى صديقاتها نهاية الشهر الجاري، فقد فضلت أمام واقع ارتفاع الأسعار، أن تبحث عن راحة البال التي نصح بها خالد زميله حسن، في منتوجات الذهب المقلد من قبيل “البلاكي” وغيره من المجوهرات والقطع الذهبية المزيفة. فمظهرها الخارجي الذي يعطيها رونقا وقدرة على الحفاظ على لونها وبريقها لفترة طويلة، حفز فاطمة على الإقبال على اقتنائها في انتظار أن يعود الذهب الخالص لمعدلاته الطبيعية ويصبح في متناول نظيراتها من النساء اللواتي ذقن ذرعا من هذا الإرتفاع المهول في الأسعار. واقع لم تستشعر تداعياته السلبية فقط فاطمة ورشيدة ومعهما خالد وحسن وغيرهم من الرجال والنساء المقبلين على الزواج، فتجار الذهب استشعروا هم أيضا أثر هذه التداعيات، حيث أبدى معظمهم قلقا كبيرا من ارتفاع أسعار المعدن النفيس، وعبروا عن استيائهم من تأثيره السلبي مستقبلا على رقم معاملاتهم، في الوقت الذي تخوف فيه بعض آخر منهم من تداعيات انتعاش ظاهرة بيع الذهب المقلد على حساب تجارة المعدن الخالص . “هاذي هي لعبة التجارة أولدي، وما يمكنش لينا للأسف نتحكمو فالأسعار ديال الذهب باش نرضيو الزبناء ديالنا” بنبرة صوت غالبتها الحسرة والتدمر قالها الحاج امحمد تاجر الذهب بقيسارية المنجرة وهو يعبر عن تدمره من تراجع الإقبال على مجوهراته بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن المواطن البسيط صار يلجأ بصورة أكبر للذهب المقلد الذي يعرضه الباعة “الفوضويون” بالأسواق اليومية، ويفضل شراء المجوهرات من عند هؤلاء الباعة لأنها تباع بأسعار منخفظة . وفي الوقت الذي تغيب فيه الأرقام المحددة لكميات الذهب المقلد الرائجة حاليا في البلد، تشير تقديرات البعض إلى أن الحجم المتداول سنويا داخل السوق الوطني من المعدن الأصفر الخالص يقدر بحوالي 20 طنا، وهي الكمية التي تبقى في نظر العديد من تجار الذهب بعيدة عن الواقع، باعتبار أنها لا تتضمن كميات الذهب المهرب، والذي عادة ما لا يتم التصريح به لدى المصالح الجمركية. يأتي ذلك في ظرفية أسهمت فيها تداعيات الأزمة المالية التي يمر منها الإقتصاد العالمي اليوم في زيادة اهتمام المستثمرين بقطاع الذهب كملاذ آمن للأموال، وهو ما حدا بالأسعار إلى الإرتفاع وسط تساؤلات يطرحها البعض حول مدي السرعة التي سيركض بها المعدن النفيس في مستقبل الشهور القادمة