خلق عبد الرحيم لنفسه طريقة خاصة لمشاهدة أصناف كثيرة من النساء ومن فئات عمرية مختلفة دون أن يحس به أحد، لكن القدر شاء أن يكشفه مشغله ويطرده من عمله عقابا له على ما ارتكبت يداه، ويتابع قضائيا بعد أن تم التبليغ عنه من طرف مشغله. لم يضع الكاميرا في المحل من أجل مراقبة السلع مخافة أن تمتد إليها أيادي السارقات اللواتي احترفن »خفة اليد« دون أن ينتقل من مكانه ودون بذل الجهد في تعقبهن بين زوايا محل بيع الملابس الذي يعمل فيه. وضع الكاميرا في مكان وحيد هو تلك الغرفة المخصصة ل«قياس» الملابس بالمحل، قبل أن ينكشف أمره، ويعترف بالسبب الذي دفعه إلى الللجوء إلى هذه الحيلة للتلصص على أجساد النساء العاريات. لم يكن اختياره لمهنة مساعد بائع في محل لملابس النساء عبثا، فقد كان يعلم في قرارة نفسه الداعي إلى قيامه بذلك العمل، عندما سينكشف أمره بسبب تلصصه على النساء المقبلات على المحل التجاري في المكان المخصص لقياس الملابس. يعرف المحل الذي يعمل به عبد الرحيم رواجا كبيرا حيث تقصده النساء من مختلف الأعمار لاقتناء الملابس الجاهزة نظرا لنوعية الملابس التي يحرص صاحب المحل على توفيرها لزبوناته بالإضافة إلى جودتها، لذلك وجد عبد الرحيم ضالته التي كان يبحث عنها فبدل أن يبحث عن الفتيات ويتعقب خطواتهن في الشوارع أصبحن هن من يقصدن المحل. بدأ عبد الرحيم يحب مهنته شيئا فشيئا بسبب احتكاكه اليومي بالفتيات اللواتي يقضي اليوم بكامله في خدمتهن، لكه بالرغم من ذلك لم يكن يجد في نفسه الشجاعة الكافية للتقرب إليهن والتكلم معهن في مواضيع خاصة. خجل عبد الرحيم وانطواؤه على نفسه من بين الصفات التي كانت تعجب صاحب المحل، مما جعله يعتمد عليه في تسيير المحل في غيابه بل وحتى في حضوره، وترك له حرية التصرف مع الزبونات كما يشاء، لثقته الكبيرة في حسن تصرفه وطريقة تعامله مع الزبونات. وجد عبد الرحيم في ثقة مشغله الفرصة الملائمة لتنفيذ مخططه فقام بتركيب كاميرا صغيرة جدا في المكان المخصص لقياس الملابس حيث تتجرد الفتيات من ملابسهن استعدادا ل«قياس» الأخرى التي استحوذت على إعجابهن. كان عبد الرحيم يمد زبوناته بالملابس التي يرغبن في شرائها، ويستغل فرصة دخول الواحدة منهن إلى تلك الغرفة العازلة ليأخذ مكانه وراء إحدى الطاولات الموجودة في المحل، حيث كان يضع تلفازا صغيرا يصله بالكاميرا التي تنقل له كل ما يحدث بالداخل. كان عبد الرحيم يستمتع بفترة العمل التي يقضيها بالمحل، ولا يتأفف من قضائه اليوم بطوله في العمل، وهو الأمر الذي جعل صاحب المحل التجاري يشعر بالرضا والاطمئنان، خاصة وأنه وجد من يتقاسم وإياه مسؤولية تسيير المحل الذي يعيش منه. لم يكن صاحب محل الملابس الجاهزة يعلم الخطة التي دبرها مستخدمه، والتي يمكن أن تزج به رفقته في غياهب السجن، فالصدفة وحدها هي التي قادته لاكتشاف الأمر عندما تغيب عبد الرحيم عن العمل لقضاء مصلحة خاصة، وشغل مكانه صاحب المحل. جلس الرجل خلف الطاولة الموضوعة في إحدى الزوايا، وبدأ يحاول تشغيل جهاز التلفاز الذي أمامه محاولا استغلال الوقت في مشاهدة البرامج، وبالصدفة وهو يعبث بأزرار آلة التحكم فإذا به يشاهد الفتاة التي دخلت إلى المكان المخصص لقياس الملابس. أغلق الرجل الجهاز بسرعة كبيرة مخافة أن يلاحظ أحد الموجودين بالمحل ما يشاهده على شاشة التلفاز فيتهم بالتلصص على النساء، وحاول أن يظهر بشكل طبيعي كي لا يثير انتباه الزبائن الذين يتجولون في أركان المحل التجاري. لم يستطع الرجل أن يستوعب كل ما جرى، ولم يفهم السبب الذي يمكن أن يدفع عبد الرحيم إلى القيام بذلك العمل المخل بالأخلاق، لكنه في نهاية المطاف قرر أن يبلغ عنه الشرطة، ليزج به في السجن بعد أن اعترف بالمنسوب إليه. مجيدة أبوالخيرات