باريس – حافظت المغربية نجاة فالو بلقاسم على حقيبة وزارية في تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة بقيادة مانويل فالس. وذاك ما يشير فعلا إلى القيمة التي تمثلها وإلى أهميتها داخل الحزب الاشتراكي، فقد عينت نجاة فالو ، على رأس وزارة هامة هي وزارة التربية الوطنية . وهذه الحظوة التي وجدتها ابنة المغرب تزيد من ثقل المسؤولية التي أنيطت بها، بحكم التحديات المتعددة التي تواجهها فرنسا ويواجهها كذلك اليسار الذي بات يخشى من التصاعد الجلي لليمين بشقيه المحافظ والمتطرف. وتمكن الإشارة إلى أنها هذه هي المرة الثانية في تاريخ فرنسا التي تعين فيها امرأة من أصول عربية في حكومة فرنسية، فالمرة الأولى كانت من نصيب المغربية أيضا رشيدة داتي التي أسندت إليها وزارة العدل في ظل رئاسة ساركوزي. المغربية الشابة التي تنضح حيوية٬ ولا يطالها الإجهاد وهي ماضية تخط خطواتها بثبات في عالم السياسة، بدت سعيدة بمواصلة العمل مع الرئيس هولاند وعبرت عن رغبة قوية في الخروج من جملة المشاكل التي تمر بها فرنسا. ككل المهاجرين من أصول مغاربية التحقت نجاة بلقاسم التي ولدت سنة 1977 ببني شيكر بشمال المغرب٬ بوالدها الذي كان مهاجرا يعمل في فرنسا وعمرها آنذاك لا يتجاوز 4 سنوات رفقة والدتها وشقيقتها الكبرى. وتمكنت من الحصول على الجنسية الفرنسية وعمرها 18 سنة مع الاحتفاظ بجنسيتها الأصلية كمغربية حيث يحق لها حسب القانون الاحتفاظ بجنسيتها المزدوجة. استقرت بالقرب من العاصمة الفرنسية وبتشجيع من العائلة استطاعت أن تشق طريقها الدراسي بتفوق وتمكنت من الالتحاق بكبرى المعاهد بباريس. وكان لشقيقتها الكبرى الفضل في إنارة سبيلها بتوجيهاتها المتعددة كما أن نصائح والدتها كان لها أثر مهم على مستقبلها. وبذاك الطموح الكبير الذي كان يدفعها إلى المضي قدما مزيلة تلك الفوارق الاجتماعية التي تشدها إلى أصولها المغاربية، استطاعت نجاة فالو الالتحاق بمعهد الدراسات السياسية بباريس ليكون المنطلق نحو عالم السياسة، نظرا إلى أنها خلال سنوات دراستها فيه انظمت إلى صفوف الحزب الاشتراكي وبحكم أنه أيضا أنار لها عوالم السياسة المختلفة وفنونها الممكنة، وليكون السبب كي تلتقي بزوجها الحالي بوريس فالو الذي أنجبت منه توأمين كما ستصادف وتتعرف على زوجة العمدة الاشتراكي لمدينة ليون. أظهرت نجاة بلقاسم في مهمتها كناطقة باسم هولاند قدرة فائقة على الإقناع وقامت بدور مهم في حملته الانتخابية وتمكنت من جلب أصوات المهاجرين من ذوي الأصول العربية لم تكن المغربية الحالمة والمجتهدة متميزة في عالم الدراسة فقط، بل إن صعودها السياسي سيعرف نفس ذاك التفوق، فقد أهلها تكوينها ونبوغها وذكاؤها الحاد لتحصل سنة 2003 على منصب بمكتب العمدة، عضو مجلس الشيوخ٬ السياسي البارز بالحزب الاشتراكي وهو الذي حبب إليها العمل السياسي والتضحيات المختلفة التي يتطلبها. وفي ظل زمن وجيز في عمر السياسيين ترقت نجاة داخل مراتب الحزب الاشتراكي٬ وتحصلت على منصب الكاتبة الوطنية، لتصبح في ما بعد مستشارة جهوية ثم نائبة لعمدة ليون٬ حيث فرضت نفسها٬ ليس في قطاع مكلف بالهجرة ولكن كمسؤولة عن أبرز التظاهرات وعن الشباب وعن الحياة الاجتماعية. اشتغلت بلقاسم ناطقة رسمية باسم سيغولين رويال المرشحة الاشتراكية للرئاسة الفرنسية العام 2007 والتي خسرت أمام مرشح اليمين المحافظ نيكولا ساركوزي. وظهرت فالو إلى الأضواء إبان الانتخابات المبدئية التي أقرها الحزب الاشتراكي الفرنسي وبعد أن تمكن هولاند من الفوز في تلك الانتخابات اختار نجاة فالو ناطقة باسمه في حملته الانتخابية التي قادت خطاه إلى مواجهة شرسة مع ساركوزي وتوجها بالفوز بمنصب رئيس الجمهورية. وأظهرت نجاة بلقاسم في مهمتها كناطقة باسم هولاند قدرة فائقة على الإقناع وقامت بدور مهم في حملته الانتخابية وتمكنت من جلب أصوات المهاجرين من ذوي الأصول العربية، الأصوات التي كان لها وزنها في تحديد نتائج الانتخابات الرئاسية. نجاة فالو إذن رغم البساطة التي تبدو على ملامحها إلا أنها صاحبة شخصية قوية إضافة إلى تكوينها السياسي الذي مكنها من تبوؤ المناصب الأولى في الحزب الاشتراكي تلك المناصب التي كانت حكرا على الفرنسيين، وكانت مواقفها تعكس تلك الشخصية المعاندة المصرة على بلوغ الأهداف. مواقف متعددة وُجه العديد من النقد إلى الحكومة الفرنسية الجديدة بقيادة فالس، واعتبرها البعض لا تستجيب لمواصفات "الحكومة المقاتلة" التي وعد بها هولاند. فتشكيلة الوزارة الجديدة بدت مخيبة للكثيرين لأنها خلت مما وصفت به، حسب الإعلامي كريستيان شينو، ب"الدماء الجديدة"، وإن هولاند ورئيس وزرائه الجديد فضّلا تقسيم المناصب الوزارية بين تيارات الحزب الاشتراكي على إشراك شخصيات قوية مشهود لها بالكفاءة والفاعلية. كما أن الأولويات تظل كما هي: تقليص معدل البطالة القياسي، رفع مستوى النمو وتقليص النفقات العامة. وأن الحكومة الجديدة ملزمة ب"المهام العاجلة" التي تتمثل في الحد من النفقات العامة حتى تتمكن البلاد من تقليص عجز موازنتها من 4.6 بالمئة إلى 3 بالمئة، وفقا لالتزاماتها كبلد عضو في الاتحاد الأوروبي. وبرغم هذا النقد الموجه لحكومة فالس، إلا نجاة فالو ترى أن العمل والاجتهاد هما الكفيلان بالقضاء على معظم المشاكل التي يعرفها المجتمع الفرنسي وأن على الخصوم أن ينتظروا قليلا ليتمكنوا من التقييم الحقيقي لعمل الحكومة. وكانت فالو قد قالت في تصريح سابق: "نحن لسنا هنا فقط لإدارة البلد بل لإجراء إصلاحات، وإلغاء الامتيازات ولتحسين حياة الفرنسيين". تلك هي المهمة الحقيقية التي يتطلع لها اليسار الفرنسي وهي تحسين حياة الفرنسيين، لكن ذلك لم يكن سهلا في ظل عدة أخطاء ونظرا لليمين المتربص بكل زلة لسان. والمتتبع لمواقف فالو يلحظ أنها كانت متشبثة دائما بمبادئها وبتوجهات حزبها وذلك ما أبانت عنه في موقفها من علاقة الجالية المغاربية والمهاجرين العرب بالمجتمع الفرنسي ورفضت أن تنزوي تلك الجالية العربية في كنتونات خاصة بها مما يعقد حياتها ويصعّب اندماجها. واستجابت مثلا بصفة طوعية لخدمة هيئة الجالية المغربية بالخارج وقدمت لها خبرتها وشبكة اتصالاتها منذ تأسيس تلك الهيئة سنة 2007، قبل أن يضطرها العمل السياسي إلى التفرغ لخدمة الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي فرانسوا هولاند. وبحيوتها ونشاطها الكثيف داخل مجلس الجالية المغربية بالخارج، واصلت كفاحها ضد التمييز الذي تعاني منه الجالية المغربية المقيمة بالخارج ومجددة سعيها الحثيث من أجل النهوض بحقوق المرأة. كما كانت فالو عرضة لنقد اليمين حينما دافعت على الهوية المغربية في فرنسا حيث أن اليمين كان يبجل الهوية الوطنية المقصورة على الجذور الفرنسية المولد والمسيحية الديانة. ومن بين مواقفها التي أثارت ضجة قرارها بعرض قانون على البرلمان يُجرّم البغاء ويلاحق ممارسيه من الرجال، وهي أول خطوة عملية تتصدى لظاهرة الدعارة بفرنسا. لم تكن المغربية الحالمة والمجتهدة متميزة في عالم الدراسة فقط ، بل إن صعودها السياسي سيعرف نفس ذاك التفوق ولاقى قرارها وقتها موجة استياء واسعة في الأوساط الجمعوية النسوية والمؤسسات المختصة في المتاجرة بالجنس، التي خرجت في مظاهرة حاشدة بباريس. ويقضي مشروع القانون، بمعاقبة ممارسي الجنس مقابل المال، وليس العاهرات أنفسهن، في خطوة ضرورية، برأيها، لاقتلاع البغاء من جذوره. وقالت الوزيرة الشابة مدافعة عن قرارها إن "المسألة ليست في معرفة ما إذا كنا نرغب في إلغاء الدعارة أو الإبقاء عليها، لأن الجواب هو إلغاؤها، بل تكمن في الحصول على الإمكانيات لتحقيق هذا الهدف". أما بخصوص وزارة المرأة فأكدت بلقاسم أن عودة وزارة كهذه هي مؤشر على إيمان الرئيس فرنسوا هولاند الثابت بقيم الجمهورية الفرنسية "حرية- مساواة -أخوة". وهي أيضا دليل على أن النضال في سبيل حقوق الإنسان عموما، والمرأة تحديدا، لا ينتهي. ف"ليس هناك وقت مناسب للدفاع عن الحقوق، الوقت دائما مناسب، وتاليا لا يمكن وصف هذا الدفاع بالمترف. من جهة أخرى، لا يحقّ لأيّ كان أن ينام على أمجاده في هذا المجال، وقد لاحظنا أخيرا في فرنسا تصاعد وتيرة العنف الممارس على النساء، كما لا تزال تشكو الأجور من خلل تمييزي واضح، رغم وجود قوانين صارمة على هذا المستوى تجبر المؤسسات على دفع الأجر نفسه لقاء المركز نفسه، بمعزل عن جنس الموظف. وقد عمدتُ إلى معاقبة أكثر من شركة بسبب ذلك، بعد وصول شكاوى إليّ عن اعتمادها التمييز في أجورها" على حد قولها. وفي ما يتعلق بنوعية العلاقة بين ضفتي المتوسط ترى فالو أن العلاقة لا بد أن تقوم على مبدأ الأخوّة الداعمة، لا الوعظ المهين وإعطاء الدروس، وفي ذاك الشأن تقول: "نحتاج جميعا إلى التعلّم بعضنا من بعض، ليس ثمة أستاذ وتلميذ في هذا التجمّع، علما أن التطور الذي أحرزته بعض دول الاتحاد على مستوى حقوق الإنسان يستطيع أن يشكل حافزا ومصدر وحي لممثلي الدول الأخرى". في كل مواقفها تنطلق نجاة فالو من قناعاتها التي تؤكد على المساواة وعلى الحريات التي هي حق للجميع مع تشديدها على أن المشاكل الاجتماعية كالبطالة والفقر لا تُحل إلا بالعمل وبالبرامج السياسية الواضحة. مكانة فالو وأهميتها لم تكن أصولها المغربية لتحرمها من الوصول إلى مراتب عليا في عالم السياسة ففرضت نجاة فالو نفسها بكفاءتها وعملها الدؤوب وقدرتها على الاستيعاب والتبليغ، لكل ذلك نالت إعجاب الخصوم قبل الأصدقاء واستطاعت أن تنال مكانة هامة في عالم السياسة. وليقول عنها فرنسوا هولاند إنها تمتلك رؤية واضحة وتعرف التعبير عنها٬ وتحب النجاح٬ دون غطرسة أو سحق للآخرين. وأضاف كونها امرأة وشابة من أصول مهاجرة٬ تعتبر برأيي صاحبة مؤهلات٬ لكن هذا لم يكن يكفي لإضفاء الشرعية عليها. كما صدر كتاب عن نجاة بلقاسم يحمل عنوان "نجاة فالو بلقاسم: غزالة في بلد الفيلة" لمؤلفيه فيرونيك بيرنهايم وفالنتين سبيتز. ويعالج الكتاب حياة فالو التي هاجرت من قرية مهمشة من الريف المغربي في بداية الثمانينات إلى فرنسا لتصبح وهي في سن 34 وزيرة حقوق المرأة وناطقة باسم حكومة هذا البلد الأوروبي، بينما كانت تحلم بأن تصبح صحفية. والخلاصة التي يصل إليها المؤلفان أن حياة نجاة بلقاسم مليئة بالصبر والثبات وخيبة الأمل والمفاجآت السارة وغير السارة في طريق مسكون بالفيلة التي لا ترحم نهائيا لكن كل الأشياء تهون أمام الطموح المسلح بالالتزام لرسم مسار استثنائي. هذا التأليف مع تصريحات هولاند يعكسان المكانة التي وصلت إليها المغربية الشابة في المشهد السياسي الفرنسي والحظوة التي باتت تلقاها عند كثير من الفرنسيين. لكن ذلك لا يمنع من القول إن هذا النجاح تعترضه الآن الكثير من المطبات خاصة وسط الصعود الواضح للأفكار اليمينية التي لا تلتقي البتة مع أفكار نجاة فالو بالإضافة إلى الخلافات الداخلية وسط الحزب الاشتراكي في عديد الملفات مما يعسر من مهمة حكومة فالس. فهل تتمكن فالو من المساهمة في إخراج الحكومة الجديدة من العديد من المآزق أم يتمكن اليمين من قلب المعادلة؟