هاهي أحداث رابعة العدوية قد عانقت سنتها الأولى و قد تركت في قلوبنا جميعا عربا بالخصوص و مسلمين على العموم غصة و إحساسا بالنكبة بعد نكسة 1967 من أرض الكنانة، نكراء أخرى من قلب مصر العربية، قلب الشرق و محور رحاه، من يتحمل مسؤولية التوريط في مثل هذه الأحداث؟، و الأمة العربية و المسلمة عموما في غننا عن ربع أهوالها ما بال المرء بكارثة مثل رابعة، رابعة الرمز لكل تلك المآسي التي انطلقت مع ما يسمى بالثورة التي ركب على أمواجها العديد من الأفاقين و المنافقين و الحربائين و المتفيقهين و العملاء و الخونة و لبسوا لباس الثورة الأسود المرصع بالأحمر القاني و المعطر برائحة البارود والمغسول بدموع الثكلى و اليتامى و الأرامل و المكلومين و المهجرين و اللاجئين و "السبايا" و الأسرى و الجوعى ، من يتحمل تلك التي لا أجد لها عنوانا و لا توصيفا؟. إن المتأمل في أحداث مصر، و من خلال ما يقع للأمة جمعاء منذ عقد و نيف، يقف على أمور أجملها فيما يلي: 1- عندما سقط الجيش العراقي سنة 2003 بتلك الذلة و المهانة و فر رأسه المصدوم حسين، و ما لجيش العراق من دلالة فهو جيش دولة قائمة و ممتدة على أرض العباسيين، و ما يمثله من قوة العدة و العدد كما كان يحسب له، كانت أكبر هزيمة يتلقاها العرب بعد هزيمة 1948 و 1967؛ و هزموا، نعم، هزموا معنويا و نفسيا و واقعا. 2- كثر اللغط و الادعاء على سورية منذ سنوات عديدة و فشلت كل المحاولات لزعزعت استقرارها الذي يقوي عقيدة الجيش السوري و ماله من دلالة كذلك على اعتبار أنه جيش دولة قائمة و ممتدة على أرض الأمويين، و ما يمثله الجيش السوري من قوة من حيث العدة و العدد و من توازن استراتيجي من حيث الرعب فقد كان يمتلك ترسانة تقليدية قوية منظمة و مموهة قادرة على إلحاق الألم بنفس قوة السلاح النوعي النووي الذي تمتلكه إسرائيل، اليوم ما يقع في سورية بالضرورة و بالمقام الأول المستهدف م خلاله الجيش السوري الذي دخل حربا ليست حربه و بدد طاقاته و إمكانيته و تغيرت عقيدته و بات يقتل شعبه الذي طالب بحق أريد به باطل" الديمقراطية"، و يمكن الجزم بعد إسقاط براميل البارود على أم رؤوس السوريين التوقيع على شهادة وفاة جيش قوي. 3- إسقاط نظام القذافي الذي حول ليبيا إلى ضيعة القذافي و أبنائه و بات استقرارها بالضرورة مرهون بوجود القذافي و أبنائه و عصابتهم و مرتزقتهم، بعد ذهابهم غرقت ليبيا في الفراغ و الفوضى، ليبيا التي هزمت إحدى أقوى الدول الفاشية إيطاليا موسيليني، هزمتها بقوة الإرادة والشجاعة بالرغم من ضيق اليد و السلاح و الحصار و الجوع حينها، اليوم دخلت ليبيا لعالم الفوضى، و نادي غياب الدولة و تسيب المجتمع و سيادة قانون الغابة القوي يفرض شروطه و نمطه على الضعيف. 4- تونس، عندما سقط النظام البوليسي المرعب لزين العابيدين بن علي المتحكم في كل شيئ، هبطت كل مستويات المجتمع التونسي من اقتصاد و ثقافة و جودة الحياة و غيره و بات محور الكل التشبث بلعبة السياسة و اللعب بآخر أوراقها لعلها تنقض ما يمكن انقاضه حتى لا تسقط تونس في مصير جارتها ليبيا. 5- اليمن منذ سقوط او تنازل أو تحويل حكم عبد الله صالح و هي تراوح مكانها لا تعرف لجنب الراحة طريقا و لا للاستقرار مصيرا، و هي تتأرجح بين " الإست- فوضى "، معادلة يمكن للدارس فهمها عندما يلقي نظرة على خريطة المنطقة فاليمن في خاسرة المملكة العربية السعودية التي يحاول الآخر الضغط عليها و مفاوضتها بورقة اليمن التي قد تشكل تهديدا لاستقرار إذا ما اشتعلت فلهيب نارها قد تصل إلى أوصال السعودية، أرض الحرمين الشريفين الذي تهوي إليها أفئدة ثلاثة ملايين مسلم سنويا حجا و ملايين أخرى على امتداد السنة للعمرة، و ما لها من حضور قوي في قلوب المليار و نصف مليار من المسلمين الذين يحاول الأخر شطر قلوبهم إلى نصفين نصف مع العربية السعودية أرض الحرمين الشريفين و الشطر الثاني مع داعش أرض الخلافة الإسلامية الافتراضية التي يحاول إقامتها على أنقاض الخلافة العباسية و الأموية بكل من العراق و الشام إلى جانب الجماعات الأخرى المخترقة و التي يلعب بها داخل رقعة شطرنج الشرق الأوسط. في المحصلة يمكن قراءة ما وقع في مصر بعد يناير 2011 خصوصا أحداث رابعة سنة 2013 و في ظل ما أشير إليه و بعد تجميع المعطيات و تصفيفها و تركيب الصورة مع سابقاتها بالمنطقة منذ المطالبة بالحرية و الديمقراطية و الثورة على مبارك و أبنائه و هو حق أريد به باطلا كذلك، ذلك الباطل الذي استهدف، في جوهر الأمر و خفايا الأحداث، أكبر ركيزة يرتكز عليها الشرق العربي، ألا و هو الجيش المصري الأكثر كفاءة و تدريبا و تسليحا و الأقوى عقيدة و الأكثر انضباطا و الأعرق تاريخا لمواجهة تهديدات الدولة العبرية ذات التوجه التمددي في منطقة الشرق الأوسط و هي أي إسرائيل مجبرة عاجلا أم آجلا على التمدد و الخروج إلى محيط جيرانها لعدة اعتبارات ليس هذا المقال مجال التفصيل فيها سواء اعتبارات استراتيجية عسكرية، مائية، فلاحية، تسكانية، طاقية ، اقتصادية، أمنية ،و دينية …؛ إن توالي الأحداث منذ مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد باسبانيا سنة 1992 و ما لهذه السنة من قيمة رمزية و دلالة تاريخية عميقة حيث أطلق على هذه السنة الذكرى 500 لتناقح الحضارات أي وصول الأسبان إلى أمريكا و هي أي 1992 في تاريخ العرب و المسلمين الذكرى 500 لسقوط الأندلس بتوقيع آخر ملوك دولة بني الأحمر عبد الله الأصغر سنة 1492 لمعاهدة استسلام دولة غرناطة التي كانت قادرة على مقاتلة القشتاليين و من ورائهم جيوش الكنسية الكاثوليكية القادمة بتوجيه من روما، إلا أن الملك الغرناطي استسلم ولم يفهم على حدود اليوم لماذا استسلم و الذي لازالت متاحف أسبانيا إلى اليوم تحتفظ بعمامة رأسه و جلبابه و نعله و سيفه و التي تسلمتها منه شخصيا بعد التوقيع على الاتفاقية مباشرة كأحد شروط بداية مفعول اتفاقية الاستسلام،و الأحداث كثيرة و كثيرة جدا تجعلني كمواطن عربي أحذر تلك التيارات " الدينية " التي يلعب بورقتها في المنطقة العربية تلك التيارات و التي حولت باسم المقدس و تثبيته أو إصلاحه أو استرجاعه حولت الأوطان العربية إلى أطلال و دمار، فشرد الطفل و هتك العرض، و بعثرت الأسرة، و رملت الزوجة، و أحرقت أكبادنا على إخواننا و آبائنا وبني عمومتنا و… ، اجذرهم من النار التي يلعبون بها و ليتقوا الله في أنفسهم أولا وفي أوطانهم و مجتمعاتهم ثانيا، و أن ينتبهوا إلى أنهم مجرد لعبة في لعبة كبيرة و قديمة جدا قدم هذه الأمة العربية و المسلمة و إلى أنهم مجرد و ورقة استراتيجية في اليد الآخر الذي ينفث سم الأفعى "الفوضى الخلاقة" عبر أنيابكم الحادة سلمنا الله من شرها.