اختار النحات الشاب فوزي القدادري أن يروي قصة التعايش الحضاري بين الديانات في المغرب، وأن يحكي بعضا من القصص والمأثورات القديمة التي تحتفظ بها الذاكرة الشعبيةبطريقة فريدة ومُبدعة، وذلك عبر نحت مجسمات طينية وثماثيل خزفية تعيد صياغة هذه الروايات القديمة وشخصياتها وتجسدها أمام الناظر في مشهد فني استعراضي يُحاكي الأداء المسرحي "ساكن". ففي دُكانه بمركزه الصناعة التقليدية بمدينة سلا يعرض القدادري، الشاب ذو ال25 ربيعا، منحُوتاته الخزفية التي تتوزعُ بين تماثيل تُؤرخ لقصة ميلاد السيد المسيح، وتروي بعضا من فصُولها عبر مجسمات طينية ملونة تتنوع أحجامها وأشكالها.. كما يحتوي دكان هذا النحات المغربي الشاب منحوتات خزفية أخرى تُجسد صورا متنوعة من التراث الثقافي المغربي، وبعضا من شخصياته المأثورة. بين امرأة تحتضن صغيرها وتحلُب شاتها ومهاجرين يركبون القوارب استعدادا للسفر بحرا، وفرق فلكلورية شعبية مُختالة بألبستها التقليدية وحركاتها الفنية الصاخبة، يجعل فوزي من جنبات معرضه "مسرحا جامدا" سكنت حركة مُمثليه المنحوتين على الخزف، وتصلبت قسمات وجوهُهم في لحظة ما، لكن تلك الجنبات تضجُ حين التأمل في هذه المُجسمات بالحركة وبأصوات تتعالى في استعادة إبداعية للحظات تاريخية فارقة في حياة أبناء هذه الديانات السماوية، وتجسيمها بواسطة منحوتات بسيطة، أو استحضار لمناسبات شعبية تقليدية لدى بعض القبائل المغربية. فوزي بدأ هواية النحت على الخزف في سن مبكرة، مُتلقنا مبادئها الأولى من والده الذي امتهن ذات الحرفة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، يقول إنه يعمل على تطوير هذه الحرفة وإبداع أشكال ومُجسمات فنية يعتمد تشكيلها على مواد أولية بسيطة كالطين والأصباغ المائية، حيث يهدف من صناعة هذه المجسمات إلى توثيق جزء من الموروث الشعبي المغربي، وتجسيم بعض الشخصيات التي حفلت بها الذاكرة الشعبية في بلاده، في أسواقها وأزقتها العتيقة كشخصية ساقي الماء أو ما يطلق عليه محليا "القراب"، و"المعلم الكناوي" وشخصيات أخرى في طريقها للإندثار. ويستعمل هذا النحات المغربي في تشكيل تماثيله ومجسماته، صغيرها وكبيرها، عجينة الطين التي يستقدمها من بعض أسواق المغرب، أو يتم استرادها من الخارج، حيث يخضع الطين لعملية تحضير دقيقة قبل استعماله، تبدأ بإضافة الماء إليه وتبليله، وتركه حوالي 15 يوما إلى أن يجهز عجينه ويصبح لينا مطواعا في يد الصانع يشكله كيفما يشاء. العجينة الطينية تتحول بين يدي الصانع وعبر حركات المتقنة إلى مُجسمات وشخوص طينية، تتباين تقاسيمها وحراكتها وفق القصة التي يحاول روايتها، وطبقا للحدث التاريخي الذي يؤرخ له، وبعد أن ينتهي من تشكيل ونحت مشهده "المسرحي الصامت"، تُنقل المنحُوتات إلى الأفران حيث توضع في درجات حرارة عالية، إلى أن يشتد عُودها ويجف ماء خزفها، فتصير صلبة متماسكة، ينتقل بعدها فوزي إلى تلوين مجسماته تلك، وقف رؤيته الفنية وطبيعة اللوحة الإبداعية التي يُنشأها، ودلالات تلك الألوان ورموزها في كل قصة ولدى كل ثقافة محلية. رغم نُدرة المنافسة يُؤكد فوزي أنه يعمل إلى جانب والده في ورشهما على تطوير فن النحت على الخزف وتوسيع دائرة المهتمين به، حيث ما يزال أغلب زبناءهما ورواد ورشتيهما من السياح الأجانب، وبعض المغاربة المتذوقين لهذه الفنون العريقة.. ويقول فوزي إن والده استطاع المشاركة في عدد من المعارض الفنية في المغرب وخارجه.. ويضيف النحات المغربي الشاب أنه بدوره سيعمل على المشاركة في أي محفل فني يمكنه من إبلاغ رسالة أعماله الفنية، الداعية إلى نشر قيم التعايش السلمي والحضاري بين مختلف الديانات والثقافات، والتأكيد على أن هناك في العالم الإسلامي والعربي نحات ون مُبدعون يُقبلون على هذا الفن لأبعاده الجمالية بعيدا عن ما يُلصقه به من "شبهات دينية" ما يروج لذلك البعض.