20 سنة نافذة...عقوبة ثقيلة أصدرتها محكمة الاستئناف بأكادير، في حق عصابة تخطف الفقهاء مكونة من ستة أفراد، توبعوا بتهمة” الاختطاف والاحتجاز المقرونة بشتى أصناف التعذيب، والتهديد بالأسلحة البيضاء وهتك أعراض ضحاياها من الفقهاء، والمطالبة بفديات مقابل إطلاق سراحهم”. الضحايا عددهم ثلاثة ممن صرحوا بما وقع لهم وقرروا المتابعة، من أثرياء الفقهاء، يشتغلون فيما يعتبرونه “التطبيب بالرقية” أما الجناة فكانوا يعتمدون تكتيكا محكما يقومون بتقصي أخبار عن أحوال الضحايا المادية، والتربص بهم ثم استدراجهم إلى شقق مكتراة بدعوى إصابة أحد الأقرباء ب”مس”، فيجد الفقيه نفسه مقيد الرجلين معصوب العينين، ومعرضا لهتك العرض بغرض إهانته ودفع لمزيد من العطاء. يطلب الضحايا من معارفهم عبر الهاتف وهم في ضيافة مختطفيهم إرسال مبالغ مالية لأفراد العصابة، إما بتسليمها لهم في أماكن معلومة، أو عبر إرسالها على شكل حوالة تحت اسم تقترحه العصابة على المختطف. بداية الحكاية مع قدوم “محمد،س”، الذي يلقب نفسه بالحاج فيصل خلال السنة الماضية إلى مدينة أكادير. جاء إلى سوس مدفوعا بهاجس النصب على فقهاء أثرياء بمنطقة سوس، شاع ذكرهم في كل مكان. بعد البحث والتقصي وجمع المعلومات توصل رفقة عصابته إلى ضحيته، حيث حط الزعيم ” الحاج فيصل” رحاله بسوس العالمة، أول ما قام به البحث عن شقة مفروشة بحي النهضة واكترائها، مستعملا في ذلك بطاقة تعريف وطنية مزورة باسم “حسن الصدوقي”، ومنتحلا صفة عميد أمن ممتاز. بعد أيام من التقصي توصل إلى أحد أثرياء الفقهاء بآيت ملول، شاع عنه يسره المادي لشهرته في لجوء المرضى إليه من أجل قراءة القرآن عليهم، وتمكينهم من ” رقية شرعية”. عمل الزعيم على التردد على بيت الضحية بحي المستقبل بمدينة أيت ملول لأربع مرات متتالية، تصحبه في زياراته سيدة ادعى أنها زوجته المصابة بالمس، في حين لم تكن سوى زوجة أحد أفراد العصابة. استطاع زعيم العصابة مع مرور مدة قصيرة من أن يحظى بثقة الفقيه، حيث كان عند كل زيارة يمنحه ألف درهم لقاء علاجه لزوجته الوهمية. تلقى الفقيه عبر ثلاث زيارات مبلغا مغريا لم يدر ولو للحظة أنها مجرد طعم سيجره إلى أسوء مصير. لم يلبث أن طلب ” محمد، س” المدعو وسط عصابته بالحاج فيصل في آخر لقاء بالفقيه زيارته في شقته بحي النهضة، بهدف علاج زوجته داخل بيتها، مانحا إياه أسبابا تبدو مقنعة، وواعدا إياه أن يجزل له العطاء هذه المرة. في اليوم المحدد للزيارة، ارتدى الضحية جلبابه الأبيض وأحضر معه بعض البخور والمياه المعدنية ، نادى على سائقه الخاص لإعداد سيارته بهدف التوجه إلى حي النهضة بأكادير، حيث ينتظره ” زوج المرأة المصابة بالمس”. في الموعد المحدد، كان الفقيه يسير بسيارته نحو مصير محتوم، دون أن يقطع اتصاله الهاتفي بالزوج المزعوم، إلى أن بلغ برفقة سائقه البيت المعلوم. ترجل الفقيه ودعا سائقه إلى مرافقته. طرقا باب الشقة، فظهر العميد المزيف في هيئة الحاج فيصل الرجل الحاتمي المكرام بابتسامة عريضة واستقبال حار ، أشار على ” حامل كتاب الله” أن يدخل البيت وبعده الغرفة حيث، ترقد الزوجة المزيفة وهي ملتحفة بوشاح لا تكاد ملامح وجهها تتضح من خلفه، التي تدعي أن الجن اقتحم جسدها واستقر بداخله. شرع “صارع الجن” في التمتمة بكلام غير مفهوم متبوع بالبسملة. لم يكد يكمل كلماته وتمتماته عند مدخل الغرفة، حتى انقض عليه وعلى سائقه أفراد عصابة الحاج فيصل، التي تتكون من ثلاثة شبان. على الفور شرع هؤلاء الأشخاص الأشداء في تكبيل أيديهما وأرجلهما والاعتداء عليهما بالضرب، بعد أن أدخل أحدهم رأس الفقيه داخل قب جلبابه، ممسكا بخناقه، بينما أدخلوا رأس سائقه وسط كيس متوسط الحجم وأغلقوا فوهته على مستوى عنقه. لم تنفع توسلات الفقيه في فك وثاقه، بل تلقى الضربات واللكمات والركلات على مستوى جسده وأعضاءه التناسلية. أشهر المختطفون سيوفهم وشرعوا في تمريرها حول عنق الفقيه مطالبين بمدهم بمبلغ 30 مليون سنتيم، لكن بعد التفاوض استقر مبلغ الفدية المطلوب على 24 مليون سنتيم. في غمرة هذا الرعب والتنكيل، دفع أفراد العصابة الفقيه إلى الاتصال بزوجته هاتفيا لطلب المبلغ المذكور وإحضاره. رن الهاتف في منزل الفقيه، حيث كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا من اليوم الموالي على اختطافه، وعندما ردت الزوجة على المكالمة، أمرها زوجها الفقيه بإحضار مبلغ 24 مليون سنتيم، وتسليمها لأناس سيتصلون بها من أجل إيصالها إليه بدعوى أنه بعيد عن أكادير. خلال هذه المكالمة الهاتفية، أجبر الفقيه على الحفاظ على هدوئه وهو يتحدث إلى زوجته، غير أنها شكت في كلام وتبريرات زوجها، وتوجست من أن يطاله ما سبق الحديث عنه في وسائل الإعلام حول عمليات اختطاف بعض تجار سوس ومطالبة أهلهم بفدية، ما جعلها تتصل بالشرطة لمعاينة عملية تسليم المبلغ المالي لمن سيتكلف بنقله إلى الفقيه. تلقت الزوجة بعض التعليمات من طرف عناصر الشرطة القضائية بأكادير، قبل أن تجهز المبلغ المطلوب كفدية، وضعته في كيسين بلاستيكيين ثم ارتدت جلبابها واصطحبت خادمها لإتمام إجراءات التسليم كما حددته العصابة. ليس فقيه أيت ملول الأول وإن كان هو خاتمة من تم النصب عليهم وشربوا من نفس الكأس التي تجرع مرارتها عبر “مصيدة المعالجين بالرقية”، التي وقع فيها فقهاء آخرون أثناء تكلفهم بطرد الجن، فلم يجدوا في استقبالهم سوى الإنس، الذي لا تنفع معه رقيتهم، لينقلب السحر على الساحر في صورة التعرض للضرب بل وهتك العرض لإرغامهم على دفع الأموال. كان اتصال الزوجة بالشرطة كافيا لوضع خطة وقت تسليم الفدية من أجل الإيقاع بالعصابة. لم تكن هذه القضية هي الوحيدة من نوعها، فقد سبق لبعض المتضررين من الأثرياء والفقهاء أن أدلوا بشكاياتهم حول تعرضهم للاعتداء والاختطاف، وظلت الشرطة في حيرة مما يجري رغم تحرياتها، التي لم تصل إلى أي نتيجة، إلا أن اتصال زوجة فقيه ايت ملول بهم، كان أول الخيط ساعد الأمن في الوصول إلى أفراد العصابة. في الصباح الموالي لواقعة اختطاف الفقيه، اتصلت العصابة بالزوجة من أجل جلب الفدية المتفق عليها. لملمت شتات أفكارها، ونادت على الخادم ليركبا معا سيارتها في اتجاه حي بنسركاو. حيث توقفا ليترجل الخادم وهو يحمل مبلغ الفدية وبيده رقم أحد أفراد العصابة المكلف بتسلم المال، فيما عادت الزوجة أدراجها تاركة خادمها يقوم بالمهمة ” الصعبة”. اتصل الخادم مباشرة بعد انسحاب مخدومته بأفراد العصابة، ليتلقى أوامر بالتوجه إلى حي الباطوار، نفذ الخادم تعليماتهم بالحرف، فيما كانت عناصر الشرطة تتابع بسرية تحركات الخادم، الذي استقل سيارة أجرة في اتجاه الحي المذكور، وانتظر هناك مدة تزيد عن ساعة، وغير بعيد عنه كانت الشرطة تتابع الشريط بفارغ الصبر. بعد مضي هذا الوقت البطيء تلقى الخادم مرة أخرى اتصالا هاتفيا يأمره بتغيير المكان، والتوجه إلى ساحة الطاكسيات بحي السلام. وصل الخادم إلى المكان المحدد، حيث قضى حوالي 15 دقيقة من الانتظار العصيب والتفكير العسير، في هذه اللحظة ترجل شابان من سيارتهما المكتراة، وهما يتأهبان لتسلم المبلغ، حيث فوجئا بعناصر الشرطة تطوقاهما من كل جانب مشهرة في وجوههما مسدساتها. وصل خبر إلقاء القبض على بعض أفراد العصابة إلى الزعيم، فلاذ بالفرار مغادرا مدينة أكادير في اتجاه مدينة فاس ثم وجدة، فيما لاذ ثلاثة من أفراد عصابته المكلفين باحتجاز الفقيه بشقة حي النهضة إلى وجهة مجهولة. أما الشخصين المتلبسين فقد اقتادتهما عناصر الضابطة القضائية نحو مركزها لمعرفة مكان تواجد الفقيه وسائقه المختطفين. دلا الشرطة على المكان، حيث تم العثور على المختطفين، وهما مكبلين في حالة سيئة. لم يطل البحث عن الفارين، فبعد اعتقال فردين من العصابة، واعترافهما بالمنسوب إليهما وكذا الإدلاء بأسماء باقي أفراد الشبكة، تم القبض على ثلاثة عناصر أخرى وزعيم العصابة، الذي اعتقل بإحدى مقاهي مدينة وجدة، وعنصر آخر من أفراد العصابة من ذوي السوابق، بتنسيق مع مصالح الأمن الخارجية للإدارة العامة للأمن الوطني. وبمجرد وقوع الشبكة، وردت شكايتين من مدينة تزنيت من قبل فقيهين آخرين يشتهران بتنقلاتهما المتعددة لمعالجة المرضى ب” الرقية”، تفيدان وقوعهما ضحية هذه العصابة، التي سلبت منهما أموالا كبيرة كفدية بعد اختطافهما، حيث فضلا الصمت والتستر على الواقعة خوفا من تهديدات العصابة. أمينة المستاري