إذا كانت الانتخابات هي البوابة الشرعية للديموقراطيات الغربية. وذلك بواسطة صناديق قادرة على إنتاج نخب جديدة وإفراز مفاهيم عقلانية لخدمة الشأن العام فإنها لا تعدو أن تكون واجهة مزيفة في نظيراتها من الدول المتخلفة. فالاستشارات الانتخابية في ظل منطق الأشياء هي وسيلة للارتقاء نحو الأفضل وليست غاية لتحقيق الذوات السلبية المفعمة بحب الانتصارات الجوفاء، أو استجابة لقوة قاهرة من أجل ملإ الفراغ أو رغبة جارفة لاحتلال موقع قد يجني منه صاحبه عضوية دائمة في قناة الزبونية. الانتخابات التي راكمتها الديموقراطيات العريقة هي تحصيل لحاصل الارتقاء بالفعل السياسي وتكملة لعقلانية المشهد الحزبي ومن ثم الاستجابة لحاجة المجتمع في التوفر على كفاءات هي من دون شك زبدة ما أنتجته خلال فترة معينة. قد تقع اختلالات هي من صميم الفعل الإنساني والذي تحكمه معادلة لكل شيء إذا ما تم نقصان لكنها أبعد ما تكون عن إيقاف المد الديموقراطي الجارف. وإذا رجعنا إلى واقعنا العربي المشوب بكل أنواع عيوب الرضا والمأزوم في كل تجلياته التنموية الراهنة منها والماضية والسائرة في الطريق السيار نحو مستقبل مظلم، فإننا نقف على هزالة العروض المسرحية الانتخابية. عروض بقدر ما تبعث إلى الضجر والسأم بقدر ما تثير الحفيظة وتدفع على طرح التساؤل عن جدوى الانتخابات. وإن بدا السؤال غاية في السذاجة من منظور الاستراتيجية الواقعية. والمتأمل لراهن السياسات العربية لا تثيره مثل هذه الأسئلة ما دامت المنظومة السياسية برمتها مغرقة في الفساد. وقبل أن نعالج انتخاباتنا المغربية بالتحليل لا بأس من تجوال قصير عبر صناديق اقتراع بني يعرب من دول الجوار أوالبعيدة منها في المشرق. المغبون في كل حقوقه السياسية منها والإقتصادية والثقافية والإجتماعية. فباستثناء التجربة الموريتانية المطعونة في كبريائها الرئاسي والتي أثمرت نزاهة بشهادة كل المشرفين عليها، هذه التجربة التي اغتيلت في مهدها ما دام الطبع يغلب التطبع. باستثناء هذه التجربة فكل التجارب تبعث على الاشمئزاز والاستهزاء. فالجزائر كما سبق لنا أن تناولنا بالتحليل في موضوع سابق انتخاباتها الرئاسية كانت سباقة في الوطن العربي إلى الصناديق الزجاجية وظلت عقلياتها حجرية في بلد يعيش تخمة في الموارد الطاقية وفقر اجتماعي فظيع. وغير بعيد في تونس الخضراء أينع الاقتصاد في منأى عن أي تقدم سياسي ولا أصل لأي سباق انتخابي ما دام بن علي يسابق نفسه ويطير فرحا بالفوز. وفي مصر هناك مسرحية هزلية سخيفة اسمها التوريث الرئاسي أما انتخاباتهم التشريعية فلا تعدو أن تكون مصارعة استشارية تستخدم فيها كل الأسلحة من أجل عيون القبة والمنصب والجاه. وعلى نفس المنوال تسير باقي البلدان العربية حفاظا على الوحدة المنشودة في منظومة التخلف. ورجوعا إلى المغرب والذي يعد نموذجا إذا قورن بباقي الأمثلة التي أدرجت في هذا السياق، فإنه لا يعدو أن يكون ورشا مفتوحا على كل الاحتمالات. ورش بناء تكاثر الغبار من حوله ولا تلوح في الأفق معالم انتهائه. تعددية حزبية بطعم التفرد. فساد سياسي وسباب بين الفاعلين تحت قبة برلمانية تكلفتها غالية وسلعتها بائرة. معارضة اختارت أن تعارض ضدا على المعادلات الرقمية التي جعلت منها أغلبية. وأغلبية مستضعفة رغم ممارستها للسلطة التنفيذية. وإذا عالجنا كل هذا الخليط نجد أن الانتخابات هي المزود الأساسي لكل بؤر الضبابية. فالحياد السلبي للإدارة وظاهرة بيع الأصوات أطاحت بالشفافية المزعومة وكسرت زجاج الصناديق. إن مفهوم الهرولة والمهرولون تعبر بصدق عن حال كل مترشح للانتخابات المغربية لغاية في نفس أصحابها. ولعل عملية انتخاب رئيس مجلس النواب لخير مثال على العبث السياسي الذي يؤطر كل الاستشارات الأخرى. فقد أبت المعادلة الأهم في المعارضة إلا أن تساند مرشح الأغلبية ضدا على إرادة الشق الثاني من معارضة الافتراء هذه والمتمثلة في مرشح الإسلاميين. هذا التنافر بين شقي المعارضة والضعف و التباعد بين مكونات الأغلبية هو نتاج انتخابات البهتان والمتحكم في سياقاتها العامة بإحكام إن الاستشارات الانتخابية بصفة عامة هي نتاج عقلية قبل إن تكون اختيارا أوتفضيلا لزيد أو لعمرو. وليست مجرد تعبئة لصندوق زجاجي وإشراف بتكلفة عالية من أجل ملإ المقاعد وتزييف وعي المواطنين بإيديولوجية الديموقراطية الفارغة. لقد كانت للتجربة الموريتانية المحدودة في الزمان والمكان صدى طيب، لكن لعنة الكوابيس تلاحق العرب، ولن يضر المغرب في شيء أن يكون جزء من هذه المنظومة المتهالكة.