لم يبدد النور الخافت لمصباح الغاز، المثبت فوق قنينة غاز صغيرة، العتمة المخيمة على أرجاء منزل حديث البناء بمشروع الهراويين. فقد كان قاطنوه يتلمسون بالكاد طريقهم للتحرك من غرفة إلى أخرى، وحين يتجاوزون عتبة مسكنهم لقضاء غرض خارجي، يجدون ظلاما آخر أكثر حلكة يكسو بسواده الحي السكني بكامله.هذا الظلام الجاثم على «الديور والزناقي»، لم يعد المرحلون من كاريان سنطرال بالحي المحمدي يطيقون العيش وسطه، بعد أن قضوا عقودا من السكن تحت سقف براريك ودور صفيحية لا ترتبط بشبكتي الكهرباء والماء. مئات الأسر من المستفيدين من بقع أرضية في الشطر الأول، الذين تم الانتهاء كليا أو جزئيا من بناء منازلهم بمشروع الهراويين، وجدوا أنفسهم يستقرون في شقق غير مزودة بالكهرباء والماء، ويتحركون في شوارع وأزقة مظلمة، مازالت أعمدة الإنارة العمومية فيها مجرد أشباح حديدية منتصبة على جنبات الطرق. فبعد انتظار دام عدة شهور للاستفادة من الإنارة المنزلية والعمومية، خرج العشرات منهم صباح الثلاثاء الماضي في مسيرة احتجاجية، جابت دروب مرافق الحي السكني على مدار ما يقرب أربع ساعات للمطالبة بحقهم في «الضو». لم يكتف المتضررون من «الظلمة» بالاحتجاج شفويا وصوريا عبر الهتافات وحمل الرايات، فقد حاولوا إيصال معاناتهم إلى السلطات المحلية والترابية والأمنية بالمنطقة، حيث راسلت باسمهم أول أمس الأربعاء «جمعية الشهاب» كل من عامل إقليم مديونة وباشا منطقة الهراويين ورئيس مركز الدرك الملكي بالمنطقة ورئيس الجماعة القروية الهراويين. جاء في إحدى فقرات هذه المراسلة «إن منطقة استقبال ساكنة سنطرال بالهراويين، لم تسلم من بعض النقائص والهفوات وجب التنبيه لها قصد تدارك الأمر، منها أن السكان في عزلة، وهذا يتناقض مع تصريحات المسؤولين كون المنطقة ستكون جاهزة لاستقبال أول المستفيدين. عدم المصاحبة الاجتماعية والتقنية منذ بدأ أشغال البناء جعل الناس يخالفون المتوجب عليهم، فالمتدخلون في المشروع عليهم تحمل قسطا من المسؤولية، وعليه نطلب منكم المساعدة لحل مشكل مخالفة التصميم – إن كان ممكنا – لاسيما والمدير العام للمحافظة العقارية في آخر دورية له، فسح المجال للمخالفين لتصاميم البناء أن يقوموا بتسجيل وتحفيظ عقاراتهم...، كما نناشدكم بتوفير الأمن و الحماية للناس وممتلكاتهم، فضلا عن الإنارة العمومية، التي تفتقر لها المنطقة، حتى الماء يتم قطعه ابتداء من ليلة كل جمعة إلى غاية الاثنين، والذريعة هي عطلة نهاية الأسبوع...». هذا الحرمان من الإنارة المنزلية والعمومية، شبهه بعض أبناء كاريان سنطرال المرحلون أخيرا إلى مشروع الهراويين ب«لعنة الظلمة»، التي ستظل تطاردهم في مساكنهم المبنية حديثا رغم انتقالهم منذ شهور عديدة من الدور الصفيحية، حيث ينتظرون بعد أن انعتقوا من بؤس وعتمة البراريك أن ينعموا بظروف إنسانية داخل ما يسمى بالسكن اللائق، الذي لم تكتمل شروط الاستقرار فيه في غياب الربط بالكهرباء والماء.