قررت مليكة (اسم مستعار) دخول عالم التسول من بابه الواسع، ولكي تكون أكثر إقناعا للناس الذين تحاول استثارة مشاعرهم، قامت بالتحايل على إحدى قريباتها للحصول على طفلها الرضيع من أجل استغلاله في التسول. خطة ذكية جعلت مليكة تستغل الطفل لشهور طويلة، لكنها ستنكشف في نهاية المطاف لتدفع الثمن غاليا، حين سيتم القبض عليها، لتقضي سنوات من عمرها وراء قضبان السجن. تغادر بيتها القصديري في الصباح الباكر، تمسك في يدها كيسا بلاستيكيا تحمل فيه مستلزمات المهمة التي تؤديها كل يوم، وتحمل على ظهرها طفلا. تخرج من البيت وهي ترتدي ملابسها العادية، لكنها لا تكاد تبتعد عن الكاريان الذي تقطن به حتى تغير تلك الملابس وترتدي جلبابا بالي الثوب وباهت اللون، وتضع على رأسها وشاحا تحرص على أن يخفي الكثير من ملامح وجهها، حتى لا يتعرف عليها أحد معارفها. تتوجه صوب أحياء بعيدة عن مكان سكناها، أو بالقرب من المحطة الطرقية، حيث تتصيد ضحاياها من الناس الذين تدغدغ مشاعرهم بقصتها التي أجادت حبك خيوطها، والتي تثير شفقتهم وتجعلهم يمدون أيديهم إلى جيوبهم للتصدق عليها ومساعدتها على مواجهة ما تعانيه من ضنك العيش وقلة ذات اليد. تحاول المرأة الأربعينية استعراض مجموعة من الأمراض التي تدعي أنها تعاني منها، واضعة أمامها مجموعة من الوصفات الطبية التي لا تجد من يساعدها على شرائها لأنها عاجزة عن العمل ولا تجد من يهتم بطفلها الرضيع. فضلا عن قصة الأمراض التي تدعى أنها تعاني منها، تحاول مليكة التأثير في الناس بسرد حكايتها مع زوجها الذي تخلى عنها بسبب مرضها، تاركا إياها رفقة أطفالها بدون معيل. أثناء تسولها تحاول مليكة استخدام كل الطرق للتأثير في مخاطبيها، من نبرة الضعف والانكسار التي تظهر على صوتها، إلى الدموع التي تنهمر من عينيها بسهولة وهي تسرد تفاصيل حياتها، والظروف التي دفعتها لمد يدها «اللي يسوى واللي مايسواش». استثمرت رضيع قريبتها مليكة المرأة التي ليس لها أبناء كانت تهتم بطفل إحدى قريباتها التي تقضي اليوم في العمل رفقة زوجها، ولا تجد من تثق به وتترك له ابنها للعناية به إلى أن تعود من العمل، والتي وجدت في مليكة منقذها، حين عرضت عليها رعاية ابنها مقابل مبلغ مالي بسيط. أثارت غيابات مليكة عن البيت بشكل يومي رفقة الطفل، تساؤلات كثيرة من طرف جاراتها، لأنها كانت تغادر البيت منذ الصباح ولا تعود إليه إلا قبيل السادسة مساء بدقائق معدودة، إلا أنهن لم يتمكن من التكهن بالسبب، لأنها كانت تحاول إقناعهن بأنها تزور صديقاتها وقريباتها، بسبب الملل الذي تحس به جراء قضائها معظم الوقت لوحدها في البيت. وجدت مليكة في التسول موردا يضمن لها مبلغا وفيرا من المال، تحصل عليه دون تعب أو بذل أي مجهود يذكر، فهي تستطيع الحصول على مبالغ مالية مهمة قد تزيد عن المئتي درهم في اليوم، بالإضافة إلى المبلغ المالي الذي تقبضه من والدة الطفل. كانت الأم عندما تعود من العمل، تجد قريبتها في انتظارها بعد أن تغير للطفل ملابسه وتطعمه، فتأخذه معها إلى بيتها وهي فرحة بعد أن تضرب لها موعدا في صباح اليوم الموالي، لكن بمرور الأيام بدأت حالة الطفل الصحية تتدهور، ونقص وزنه، وبدأ لون بشرته يتغير ويميل إلى الإسمرار. مما جعل الأم تقع في حيرة من أمرها وتنتابها المخاوف من أن يكون طفلها مصابا بمرض ما، لكنها كانت تؤجل فكرة عرضه على الطبيب لأنه لا يعاني من ارتفاع في حرارة جسمه، ولا تظهر عليه أعراض معينة. وانكشفت الحقيقة استمر الأمر لعدة شهور دون أن ينكشف سر مليكة ويفتضح أمر استخدامها للطفل الرضيع في التسول، إلا أن الأمر لن يستمر طويلا، فقد شاء القدر أن يفضحها ليعرف الجميع بحقيقة أمرها واحترافها التسول للحصول على المال. في يوم من الأيام وبينما هي جالسة في مكانها المعتاد تستجدي المارة، فإذا بأحد أقارب والد الطفل، يمر من هناك بالصدفة، فأثار انتباهه الطفل الذي تحمله المرأة المتسولة بين ذراعيها والذي يشبه إلى حد كبير ابن قريبه. لم يكذب الرجل خبرا وانتظر حلول وقت عودة الزوجين إلى المنزل ليقوم بزيارتهما، وإبلاغهما بما رأت عيناه، رفضت الأم تصديق ما سمعت من قريب زوجها وظنت أن زوجها من قام باختلاق هذه الرواية للضغط عليها لتتخلى عن عملها وتجلس في البيت لرعاية ابنها وبيتها. لذلك اشترطت عليهما أن لا تقوم بأي إجراء حتى تتأكد بأم عينها من القصة التي سمعتها. في اليوم الموالي، قامت بجلب الطفل وسلمته إلى مليكة، وتعاملت معها بشكل عادي حتى لا تثير انتباهها، وأبلغت رؤساءها في العمل أنها لن تستطيع الحضور بسبب مرض ابنها، وبقيت تراقب الوضع عن بعد. ما إن خرجت الأم من بيت المتسولة حتى غادرت المنزل حاملة الطفل بين يديها واتجهت صوب مكانها المعهود، حيث افترشت بعض قطع «الكارطون» وجلست تمد يدها في انتظار ما سيجود به اليوم من متعاطفين ومحسنين. لم تصدق الأم ما رأت عيناها، وبقيت تراقب الوضع في انتظار قدوم رجال الشرطة، ليتم القبض على المتسولة التي استغلت الطفل الرضيع في النصب على الناس والتمثيل عليهم من أجل الحصول على ما في جيوبهم من أموال. مجيدة أبوالخيرات