لا شك أن أهم جديد أتى به الدستور الحالي في محاولة منه لإعادة الاعتبار للعمل السياسي، هو عقلنة الحصانة البرلمانية من خلال حصر نطاقها في التعبير عن الرأي، دون أن تمتد لتشمل باقي جنح وجرائم الحق العام، تنصيص لا محال سيدفع بالكثير من رجال السياسة عندنا إلى التراجع عن التفكير في التقدم للانتخابات ولأن الحصانة، التي لطالمات استغلت من قبل بعض البرلمانيين لممارسة كل الأعمال المحضورة، لن تتعدى زمن الدساتير الماضية إلى مرحلة دستور 2011 الذي أسقط مفعولها خارج غرفتي البرلمان، فإن من شأن ذلك أن يخلط أوراق من يتقدمون للانتخابات التشريعية وينفقون من أجلها أموالا كثيرة، لا لشىء، سوى للاحتماء بالامتيازات القضائية التي كانت توفرها صفتي نائب أو مستشار. الدستور الجديد وضع حدا لكل تلك الشروط و العوائق التي كانت تحول دون متابعة البرلمانيين في حالة ارتكابهم لجرائم وجنحا يعاقب عليها القانون، بل أصبح بإمكان النيابة العامة أن تحرك المتابعة ضدهم دون الحاجة إلى رفع الحصانة في حالة إقدام البرلماني على ارتكاب ما يخالف القانون في إطار حياته العامة على أن الحصانة البرلمانية لم تكن مصطلحا غريبا عن الدساتير المغربية السابقة، فقد نص عليها دستور 1996 في إحدى فقرات الفصل 39 منه لكنه كان يتبنى حصانة شاملة ودائمة، إذ لم يكن بالإمكان « في أثناء دورات البرلمان متابعة أي عضو من أعضائه ولا إلقاء القبض عليه من أجل جناية أو جنحة، ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك» على حد تعبير الفصل المذكور. أكثر من ذلك، لم يكن بالإمكان خارج مدة دورات البرلمان « إلقاء القبض على أي عضو من أعضائه إلا بإذن من مكتب المجلس، الذي هو عضو فيه ما عدا في حالة التلبس بالجريمة أو متابعة مأذون فيها أو صدور حكم نهائي بالعقاب». عراقيل أضاف لها الدستور السابق إمكانية وقف عملية اعتقال أحد أعضاء البرلمان أو متابعته إذا «صدر طلب بذلك من المجلس الذي هو عضو فيه». بهذا التقليص الدستوري لمدى الحصانة البرلمانية وحصرها نوعيا، في الجانب المتعلق بالتعبير والرأي، ومكانيا داخل مجلسي البرلمان ، يكون الفصل 64 من الدستور الجديد، وهو ينص على عدم إمكانية متابعة البرلماني من أجل الآراء والمواقف التي يتبناها في مزاولة مهمته التشريعية، باستثناء الرأي الذي يجادل في الدين الإسلامي والنظام الملكي والمسلسل الديمقراطي باعتبارها من ثواب الأمة، قد أسقط تلك الحصانة الكاملة التي كان يتمتع بها البرلمانيون في حياتهم العامة في حالة ارتكابهم جرما معينا، سواء كان جناية أو جنحة، حيث كان برلمانيونا لا يتابعون إلا بعد رفع الحصانة عنهم وفق المسطرة، التي كان منصوصا عليها في القوانين الداخلية لمجلسي النواب والمستشارين. وكما كان الحال بالنسبة للفقرة الأولى من الفصل 39 من دستور 1996 خص المشروع الجديد النائب البرلماني بحصانة جزئية تجنبه المتابعة القضائية بمناسبة قيامه بمهامه التمثيلية كما نصت على ذلك جميع الدساتير الديموقراطية لضمان نزاهة النواب و استقلاليتهم. الوثيقة الدستورية الجديدة بحذفها الفقرتين 2 و 3 من الفصل المذكور، اللتين كانتا تنصان على عدم إمكانية اعتقال النائب البرلماني في أي جريمة مهما بلغت درجة خطورتها ما لم يضبط في حالة تلبس، تكون قد أسست لتقليد جدير بأن يساهم في تطهير البرلمان المغربي وضع لم يكن بالإمكان بلوغه لولا النداءات العديدة الرافضة للفساد في شقه السياسي، التي طالب بضرورة إقفال سبل الالتفاف على النصوص القانونيه، اعتبار من أصحابها أن الصيغة القديمة كانت تعرقل السير العادي للعدالة في حق البرلماني في قضايا لا علاقة لها بالمسؤولية النيابية ، كما كانت تضعه فوق القانون في تناقض صارخ مع المبادئ العامة للعدالة و شرعنة للإفلات من العقاب. اليوم، لن تحتاج النيابة العامة، من أجل تحريك الدعوى العمومية ضد البرلمانيين المتهمين في جرائم الحق العام، إلى إعمال مسطرة رفع الحصانة التي كانت تتطلب وقتا طويل، وتعطي للبرلمان صلاحية رفض رفع الحصانة وبالتالي حماية البرلماني من المتابعة القضائية. أمر من شأنه أن يضع حدا لإفلات نواب الأمة من المحاسبة عن الجنح و الجزائم المرتكبة خارج نطاق مهامهم كما كان الشأن في السابق ، حيث تمت، خلال السنة الماضية فقط، متابعة أكثر من 30 برلمانيا من أجل جرائم أموال خاصة كإصدار شيكات بدون رصيد أو عامة مثل اختلاس و تبديد المال العام ياسين قُطيب