كانت تصيح بأعلى صوتها «لا 20 ، لا ياسين .. الملك هو اللي كاين»، تارة تحمل على الأكتاف وتارة أخرى تمشي على قدميها تكاد تتيه بين أقدام الكبار، لكنها سرعان ما تحمل على الأكتاف من جديد لتصدح بحنجرتها بشعارات يرددها الكبار وتلوح بيديها. كنزة طفلة في سن لا يتجاوز العشر سنوات، وجدت نفسها يوم أول أمس في حلبة صراع سياسي بين مؤيدين للدستور من شباب وشابات حي اسباتة وحركة 20 فبراير أغلب متظاهريها من جماعة العدل والإحسان. الكل يصر على التظاهر وبطريقته الخاصة... فيما ظلت القوات المساعدة وعناصر الشرطة مرابطة في أزقة بعيدة على أهبة الإستعداد. في شارع الكومندار إدريس الحارثي المعروف بشارع الشجر، عمدت جمعيات قدمت من مختلف المقاطعات والعمالات (عين الشق الفداء مرس السلطان مولاي رشيد مديونة) ابتداءا من الثالثة إلى اغلاق كل الأزقة ونصبت خياما بها، وتحول إلي أشبه بسوق أسبوعي تعالت فيه مختلف ألوان الموسيقي الشعبية من مكبرات الصوت تصدح، وكانت كنزة وغيرها من الأطفال والشبان يستمتعون بالموسيقية ويتراقصون على إيقاعاتها. دبت حركة غير عادية بمختلف الأزقة، وبدا شباب قيل إنهم من أبناء حي اسباتة أو تم استقدامهم من أحياء أخرى على استعداد لقطع الطريق على حركة 20 فبراير التي لا يرغبون في «أن تفسد عليهم فرحة الدستور» يقول أحد الشبان بنبرة استهزاء. في أحياء غير بعيد عن شارع الشجر، نصبت خيام أكبر، واستدعيت فرقة للدقة المراكشية للإحياء حفل بها، فيما رفعت لافتات من قبيل «ارحلوا عن حينا نعيش مع ملكنا». غير بعيد من ذاك الزقاق وقفت أعداد من الكوتشيات الواحدة وراء الأخرى، ملئت بعدد من الأطفال القاصرين من بينهم كنزة وأقرانها تستعد للإنطلاق نحو شارع الشجر، فيما حلت بالمكان أيضا سيارات حملت نساء وأطفال وقلة من الشبان عبر سيارات اكترتها جمعيات بيضاوية.. ومرت الدقائق والكل ينتظر أن يلتحق أعضاء حركة 20 فبراير بشارع الشجر. فجأة ظهرت كوكبة آتية من زقاق قرب حمام الفن، واتجهت ليس إلى شارع الشجر بل إلى شارع رضى اكدير تفاديا للإصطام مع المحتفلين بالدستور وغيرهم ممن سخرهم المنتخبون والمستشارون الجماعيون، في نفس الآن لاحت في الأفق كوكبة أخرى قرب شارع الشجر، لكن شبانا واجهوها بالحجارة أدت لإصابة أحد الشبان في الرأس، وبدأت مطاردتهم بأحياء المسعودية والسلامة أسفرت عن إصابة بعض الشبان. بينما تقدمت الكوكبة الأولى نحو شارع رضا اكديرة ( 6 سادس نوفمبر سابقا)، التحق بها عدد من النسوة والأطفال وشبانا آخرين وأحاطوا بها من المقدمة ومن الخلف، لكنهم أصروا على ترديد شعار «لا، لا للدساتير في غياب الجماهير» و«علاش، علاش احتجينا... حيت المعيشة غالية علينا»، وتقدمت الكوكبة نحو الشارع، ولاحقهم الشباب والأطفال وقلة من النسوة يحملون الأعلام الوطنية، وأحاطوا أنفسهم بسلسلة بشرية. فجأة بدأ البيض يتساقط على رؤوسهم، ليتقدموا خطوات نحو الأمام قبل أن يرفعوا لافتات كتب عليها «لا،لا لتزوير إرادة الشعب»، فيما الإتهامات بالخيانة تنهال عليهم من كل الأفواه. كلما صاح طرف «عاش الملك» رد عليه الطرف الآخر «عاش الشعب» و «الشعب يريد اسقاط الإستبداد»، و«يامغربي يا مغربية ..الإنتخابات عليا وعليك مسرحية»، ليرد عليهم ب « لا ياسين لا عشرين ، الملك هو اللي كاين»،. بدأ أعضاء حركة 20 براير في التصفيق وتعالت حناجرهم بشعار « فلوس الشعب فين .. فالموازنين والحفلات»، و«إدا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجسب القدر»، في تلك اللحظة خرجت من زقاق جانبي كوكبة ثالثة من 20 فبراير لتنظم إلى الكوكبة الأولى ليصل عددهم إلى ما يفوق الألف حسب مصدر أمني، وبدأ الجميع في ترديد شعار «يا مخزن، يامخزن، دستورك مردود عليك». اندفع محتفلون بالدستور وأعضاء جمعيات بيضاوية نحو مسيرة 20 فبراير، وبدأ التلاسن بينهم وكاد يتحول إلى مشاداة بالأيدي، لكن رجال الأمن تدخلوا ليصطفوا بين الطرفين، وبدأت بعض النسوة ومعهم كنزة المحملولة على الأكتاف يصحن في حالة شبه هستيرية «طلقونا عليهم»، بعدها حضرت أعداد من فرقة الصقور على دراجاتهم النارية ووقفوا صفا بين الجانبين لينضافوا إلى رجال الأمن و القوات المساعدة بلباس التدخل لكن هذه المرة ليس لقمع المتجمهرين ولكن للحليلولة دون تشابك الطرفين. حملت كنزة على الأكتاف وكانت تصيح بأعلى صوتها «ملكنا واحد محمد السادس»، وبجانبها لافتة كتبت بالفرنسية «قفوا أيها المتطرفون.. ارتركوا ملكنا مرتاح»، بينما توالى ترديد الشعارات من طرف المئات من متظاهري حركة 20 فبراير مستعينين بسيارة هوندا حمل عليها مكبر الصوت، وحملوا لافتة كبيرة «لا تراجع عن مطالبنا المشروعة في الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية». التحق والي الأمن مصطفي الموزوني بعين المكان بعد أن كان نائبه يشرف على العملية ومعه عدد من مسؤولي الإستعلامات ومختلف الأجهزة الأمنية، ووصلت تعزيزات أمنية إلى عين المكان وطلب من رجال الأمن توسيع المسافة بين الطرفين قبل أن يطلب من المحتفلين بالدستور من شبابا حي اسباتة ومعهم حركة الشباب الملكي بالوقوف على جانب الرصيف بعد أن أحاطوا أنفسهم بسلسلة من أعضائها حملوا بدورهم صدريات ولافتة كتب عليها «إدا حضر الدستور بطلت 20 فبراير». فتح الطريق أمام مسيرة 20 فبراير وازادت أعدادها بعد انضمام كثير من أبناء اسباتة إليها، فيما تراءت كوكبة أخرى من المحتفلين وبالدستور وأنصار منتخبي المنطقة بعيدا قرب المدار الطرقي لشارع النيل ورضى اكديرة، كانوا بدورهم يرددون «عاش الملك» ويحملون الريات والأعلام الوطنية، ومع استمرار المسيرة وقعت مجموعة مواجهات بالاعتداء على مجموعة صحافيين من قبل بعض الشباب المحتج ( تعنيف صحافي قناة الأمريكية مراسل إحدى القنوات العربية حنان رحاب صحافية بالأحداث المغربية) فيما تعرض عميد الدائرة الأمنية 21 إلى إصابة ورضوض بالكتف. مع حلول المغيب، وصلت مسيرة 20 فبراير إلى نقطة النهاية، حينها بدأت مشاداة كلامية بين مجموعة تيار المستقلين الذين انسحبوا من حركة 20 فبراير واتهموا من قبل المنظمين بالخونة والعملاء، وانسحب الجميع ومعهم كنزة طفلة الحي ومعها النسوة وشباب الحي، وأيضا أعضاء حركة 20 فبراير، لتعود الحياة إلى مختلف شرايين الحي، وقد تستمر مالم تكن مسرحا لتظاهرات جديدة.