نساء تتراوح أعمارهن بين 40 و60 سنة من ساكنة عمالة الفداء درب السلطان، كن على موعد الأسبوع الماضي مع قافلة طبية،خضعن خلالها للكشف المجاني عن سرطان الثدى . فرصة أعفت العديد منهن من هم التكاليف الباهضة لمثل هذه الكشوفات، التي قدمت من طرف قافلة طبية، نظمتتها جمعية «سفير السلام» بتنسيق مع جمعية لالة سلمى لمحاربة داء السرطان تحت عنوان «الكشف المبكر لسرطان الثدي، . أشرف عليها أساتذة وأطباء ذوي خبرة واسعة في مجالات تخصصهم، من أمثال عبد اللطيف ابن ايدار، أستاذ بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء، وعضو المجلس الإداري لجمعية لالة سلمى ورئيس مصلحة الإيكولوجيا بمستشفى بن رشد. والبروفسور فوزي ميكو، أستاذ بكلية الطب والصيدلة وطبيب مختص في جراحة النساء والتوليد. والبروفيسور الصديكي فتيحة إدعلي أستاذة بكلية الطب والصيدلة ومختصة في الفحص بالأشعة. الكشف بكري بالذهب مشري عقارب الساعة ، كانت تشير إلى الثامنة صباحا ،حين بدأت العشرات من النساء يصلن تباعا إلى المركب الاجتماعي عمر بن الخطاب، تلبية لنداء جمعية السفير للقيام بكشوفات مبكرة لسرطان الثدي. في طابور امتد لأمتار بقاعة المركب ، أرخت جسدها على المقعد ، لم تتوقف عن الحديث عن الألم ،الذي كان ينتابها بين الفينة والأخرى أسفل ثديها، دليل اعتبرته الجالسة بجانبها كافيا، ليثير توجسها بإمكانية الإصابة بالمرض الذي يخيف النساء، لم تعر فاطمة الإنتباه لكلامها ، واستمرت في الحديث الذي حمل في كثير من الأوقات روح النكتة ، صمتت فجأة بعد المناداة على اسمها ،لتهرع مهرولة نحو قاعة الفحص، والنظرات تتتبع خطواتها المسرعة. لحظات ترقب دامت دقائق معدودات ، لتطل جاهمة وقد لبس وجهها العبوس ،فعم الذهول والدهشة الوجوه الحاضرة ، لتخرج جارتها عن صمتها وتوجه السؤال الذي بقي معلقا ،ياك ماكاين باس ؟ استمرت في خطواتها صوب الوحدة المتنقلة لماموكرافي دون أن تعير اهتماما للتساؤلات ، والشكوك التي كانت تنتابها من حين لآخر بظهور جسم غريب في ثديها ، كان الخضوع للماموغرافي بداية الاكتشاف. أخدت الصور الإشعاعية وأخفتها في لمحة بصر في الكيس البلاستيكي ، وترجلت خارجة وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة. تركت انطباعا بأن خبر اكتشاف المرض كان قويا ،وجدت صعوبة في تقبله لم تكن فاطمة الوحيدة التي كانت على مع موعد اكتشاف المرض الخبيث ، لكن عدد منهن قادتهن الصدفة إلى اكتشاف الإصابة . جلست يامنة صامتة ،شاردة ،كان الخوف والقلق باد على معالم وجهها ، رفضت المجئ لكن إصرار ابنتها جعلها ترضخ للأمر ، فاصطحبتها لتخضع للفحص المبكر عن السرطان،لم تستعد فرحتها إلا بعد أن خاطبتها الطبية المختصة بكلمات أنزلت السكينة على قلبها » ماعندك والوا » فألحت مرة أخرى بقولها » بصاح » لم تغادرالمكان إلا بعدما انتزعت التأكيد . أمسكت بذراعي ابنتها ومشيت صوب الباب ، وهي تبتسم ابتسامة عريضة، و هي تردد كلمات الشكر والحمد ، التي اخترقت مسامع الحاضرات اللواتي، تولدت لديهن إحساسا بالارتياح الممزوج بالترقب. التجربة المرة ثريا وبعد حصولها على نتيجة الفحص، بحثت عن طوق نجاة فكانت صديقتها التي مثلت سندها طوال فترة المرض، »تكفلت زميلتها بكل شي بدءا من إخبار أسرتها التي ثارت بسبب تأخرها في إجراء الفحص وزوجها الذي شعر بالسوء لمجرد معرفته بإصابتها ، وصولا إلى متابعتها للعلاج «. مع رحلة العلاج، تصف التغير الجذري الذي عصف بحياتها ، في البداية سيطر عليها الخوف من الموت فهربت إلى الله ابتهالا وتدرعا ، مع العلاج تخلصت من الخوف ، واندفعت إلى الحياة وكلها أمل في تحقيق رغباتها المؤجلة . ثريا التي شفيت من سرطان الثدي، تتذكر بأسى رحلتها العلاجية ، والتي جعلتها تتيقن أن السرطان لا يعني الموت، كان هذا هو السبب الذي جعلها تصر على جارتها للكشف المبكر عن سرطان الثدي،لم تتوقف طوال فترة الإنتظار من بث روح الأمل ،وتبديد المخاوف التي استحوذت على جارتها من سرطان ، حسب السجل الأول للسرطانات بجهة الدارالبيضاء الكبرى، يحتل المرتبة الأولى بنسبةتصل إلى 36,12 في المائة، متبوعا بسرطان الرئة، وسرطان عنق الرحم، ثم سرطان المثانة. الحاجة عائشة ، التي جاوز عمرها 57 سنة ،لم تستطع كثمان تخوفها وتوترها ،كان إلحاح جارتها دافعها الوحيد ،كي تتردد على مركب عمر بن الخطاب علها تبدد مخاوفها بواسطة الكشف المبكر » قبل ما يفوت الفوت» كما تقول ، رغم عبارات الطمأنينة التي خرجت من ثغرها بلكنة أمازيغية ، حملت البساطة والعفوية ،لم تستطع تغليف القلق الذي تملكها بعد الخروج من قاعة الفحص. كانت إحالتها على الفحص بالماموكرافي كافيا لبث الرعب في نفسها ،طوال المسافة الرابطة والتي تعد بعشرات الأمتار ،ارتسمت علامات التخوف، والحيرة على وجه الحاجة ، استجمعت قواها وأخدت مكانا أمام الطبيبة المختصة، التي انهمكت في تعبئة الملف الطبي ، ما أن انتهت حتي رفعت عينيها على الورق، لتخبرها بضرورة الالتحاق بالمستشفى الجامعي ابن رشد لتعميق الفحوصات. . هوت على المقعد محبطة مرتبكة، وهي تتابع باهتمام حديث الطبيبة المختصة ، فسارعت إلي سؤالها :ياك ماكايناش شي حاجة خايبة » ،لم تنتظر الجواب وكررت السؤال بصيغة أخرى ،« عفاك ماكاين حتي حاجة خايبة ،لم تغادر المكان إلا بعد أن انتزعت عبارات الطمأنينة ، بأن السرطان داء إذاما اكتشف مبكرا ،كانت نسبة الشفاء منه مائة في المائة، في حين إذا كان التأخر في التشخيص يصبح الخضوع لبثر الثدي أحد الحلول الجراحية . فسرطان الثدي يهدد 3 ملايين مغربية، من اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 38 و40 سنة، إذ أن 21.3 في المائة من المصابات بهذا المرض يحدد عمرهن في 40 سنة، بينما يمس امرأة من بين8 مغربيات ، 50 في المائة منهن يحتجن إلى بتر الثدي المصابة للحد من انتشاره ، علما أن عدد الإصابات بالسرطان في المغرب ، بشكل عام، تقدر ب50 ألف حالة جديدة كل سنة. التهديد المستمر القافلة الطبية مكنت عائشة ،يامنة ،فاطمة ،فضيلة ... والكثيرات من اكتشاف المرض قبل أن ينخر أجسادهن. وهي مبادرة « تدخل في إطار المخطط الوطني للوقاية ومرقبة داء السرطان في المغرب تم وضعه من طرف جمعية للا سلمي لمحاربة داء السرطان بتنسيق تام مع وزارة الصحة» كما جاء في تصريح البروفيسور ابن إيدر عبد اللطيف أستاذ بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء، وعضو المجلس الإداري لجمعية لالة سلمى ورئيس مصلحة الإيكولوجيا بمستشفى بن رشد، ليعتبر حضوره هذه الصبيحة دعما لمبادرات المجتمع المدني ،بغية الحد من انتشار مرض إلى جانب سرطان عنق الرحم ، يصيب أكثر من 50 في المائة من النساء . التشخيص المبكر هو السبيل الوحيد حسب البروفيسور بن إيدر للعلاج ، وخفض التكاليف التي تبقى باهضة ومكلفة. كل يوم تصاب 20 امرأة بالمغرب بسرطان الثدي، بينما يصل عدد المصابات سنويا بالداء إلى 7 آلاف امرأة. ويعد سرطان الثدي أكثر السرطانات انتشارا بالمغرب كما أن عدد المصابات بالداء مرشح للارتفاع. أرقام مخيفة كشف عنها البروفيسور ابن إيدار،ليؤكد أن القافلة الطبية تدخل في إطار الحملة الوطنية لجمعية للا سلمى لمحاربة السرطان ، كي لا يؤدي السرطان بحياة الكثيرمن النساء، اللواتي ليست لهن القدرة للولوج إلى العلاج ، فمن بين 3 آلاف حالة يجري فحصها من سرطان الثدي في المغرب سنويا، ثلثها فقط تجري معالجتها. وحتي لا يفوت الأوان ، قررت فضيلة كغيرها من نساء درب ميلا ، أن تحضر للكشف المبكر عن الداء بواسطة « الماموغرافي » وهو جهاز، يسهل عملية التعرف المبكر عن الإصابة بالورم الخبيث ،ويسمح بالولوج المبكر للعلاجات لتفادي بثر الثدي. منذ أربع سنوات أجرت والدتها عملية لاستئصال الورم الخبيث من الثدي الأيسر، وهي تعيش في رعب وخوف شديد ،منذ ذلك الحين وهي تجري فحوصات دورية ،بعدما ظل هاجس سرطان الثدي يلاحقها باستمرار ،منذ ذلك الوقت وهي تعيش بهاجس الإصابة لوجود تاريخ عائلي للمرض . تقدمت فضيلة بخجل نحو الطبيبة ،ألقت التحية، فخضعت لجلسة تصوير بالماموغرافي ،ليتبين بأنها لاتعاني من أي ورم ،غادرت القاعة وقد ارتسمت ابتسامة عريضة على ثغرها الجميل، في محاولة للتغلب هاجس المرض مازال يفتك بالكثيرات . شاغل سعاد تصوير :محمد الوراق