تهدد علاقتهما الحميمية. يفقد كل واحد منهما شوقه للآخر بحكم قضاء اليوم بكامله معه في نفس المكان، وتنعدم المواضيع التي يتكلمان فيها ما عدا مشاكل العمل وهمومه... كان العمل الذي يشتركان فيه، سببا في تعرف كل واحد منهما على الآخر، حيث قرب بينهما المسافات ليتحولا من مجرد زميلين لايجمعهما إلا العمل، إلى زوجين يعيشان تحت سقف واحد وتجمع بينهما العشرة والمحبة. يعيشان حالة من الروتين تعرفت مليكة على زوجها في الشركة التي اشتغلت بها منذ ثماني سنوات حيث قربت بينهما ظروف العمل، لأنهما كانا يحتكان ببعضهما بشكل مباشر طوال ساعات النهار، ولأنها كانت تجلس في المكتب المجاور لمكتبه. بحكم قضائهما لوقت طويل مع بعضهما في العمل، تعرف كل واحد منهما على طباع الآخر عن قرب وازداد تعلق كل واحد منها بالآخر، ورآى فيه نصفه الثاني الذي يمكن أن يكمل وإياه مشوار الحياة، ويكون معه أسرة في المستقبل. تزوجت مليكة ومحمد وأصرت على الاستمرار في العمل لمساعدة زوجها، بما أنهما مازالا في بداية المشوار ويحتاجان لتكثيف جهودهما من أجل مواجهة متطلبات الحياة المكلفة. وجدت مليكة في البداية كثيرا من السلبيات التي اعترضت طريق استمرارها مع زوجها في نفس العمل، فقد كانت ترى الغيرة تشع من عيني زوجها، وهي تتحدث إلى أحد زملائها حتى وإن كان متأكدا من كونهما لا يتحدثان إلا في العمل. كان محمد يحاول إخفاء مشاعر الغيرة، لكن عيناه كانتا تفضحانه، بل ولا ينتظرسوى العودة إلى البيت لاختلاق المشاكل معها، وحثها على تجنب الحديث مع أشخاص بعينهم داخل الشركة! أكثر من ذلك، يحول الأمر إلى مشكلة داخل مقر العمل. تصرفات الزوج وسلوكاته كانت سببا في تفكير مليكة في الكثير من الأحيان في التخلي عن عملها أو تغييره، خاصة وأن تلك التصرفات أثرت على علاقتها بباقي زملائها حيث أصبحت تتجنب أي تعامل معهم قد يسبب لها المشاكل مع زوجها. ثماني سنوات من عمل مليكة مع زوجها في نفس المكان، كانت كافية لخلق الروتين في علاقتهما، فبخلاف بعض الأحاديث البسيطة حول الأحداث التي تجري في الشركة، وهموم أبنائهما اليومية لا يجدان مواضيع للنقاش. تسرب الروتين إلى علاقة مليكة بزوجها وأصبحت تقضي معظم وقتها بالبيت في الاهتمام بشؤون أبنائها وواجباتهم المدرسية، وتحضير الطعام في الوقت الذي يحاول زوجها قضاء وقته بين أصدقائه وأقاربه ومتابعة الأخبار على شاشة التلفاز. ترى مليكة أن عملها مع زوجها في نفس الشركة ليس كله سلبيا، لأن كل واحد منهما يقدر ظروف الطرف الآخر إذا كان متعبا أو مريضا، ولأنه نسج بينهما نوعا من التفاهم والتقارب في الآراء والأفكار. تعتبر نفسها من جهة أخرى محظوظة، لأن من بين إيجابيات عملها مع زوجها في نفس المكان تجنب مشاكل وسائل النقل كل صباح، فهي تتنقل رفقة زوجها إلى العمل في سيارته الخاصة، وهو الأمر الذي يخفف عنهما مصاريف التنقل. لا تخفي مليكة أن مشاركتها لزوجها نفس العمل، تسمح لها بأن تعرف كل تحركاته، ولا يستطيع أن يجعل من العمل سببا للخروج من البيت أو التأخر خارجه. «طلعوا في راس بعضياتهم» تعيش حالة من الملل والروتين الذي أصاب حياتها الزوجية بعد مرور سنوات من الزواج، أصبحت خلالها تحس أن المواضيع تتكرر، ولا تجد ما تتكلم فيه مع زوجها في البيت بعد انتهاء الأحاديث الخاصة بظروف ومشاكل عملهما اليومية. تقضي اليوم بطوله رفقة زوجها الذي يتقاسم معها العمل بنفس المؤسسة التعليمية، التي يشغلان بها معا، والتي جمعتهما معا قبل أن يقررا الارتباط ببعضهما البعض وتكوين بيت يجمعهما. اشتغال عائشة مع زوجها في نفس المؤسسة التعليمية تتساوى فيه السلبيات بالإيجابيات، فقد أصبحت حياتهما وتصرفاتهما اتجاه بعضهما البعض روتينية وميكانيكية ليس فيها أي جديد «حيت طلعوا ف راس بعضياتهم» بعد قضاء اليوم معا في العمل. لا تنتبه عائشة للأمر كثيرا خلال ساعات النهار التي تقضيها بين تلاميذها، منهمكة في تأدية واجبها المهني، لكن على العكس من ذلك تظهر المشكلة جلية عندما تعود إلى المنزل وتنغمس في أشغال البيت، وتهييء متطلبات أبنائها في حين تهمل زوجها بحكم أنه معها طوال النهار. تمكن الملل من حياة الزوجين، وأصبح اهتمام كل واحد منهما وتفكيره منصبا على الأبناء، في حين حكم عليهما عملهما في نفس المكان بفقدان الحميمية وغياب الشوق في علاقتهما الخاصة. يدرك الزوجان ما حل بعلاقتهما، لذلك يبذل كل واحد منهما ما في وسعه من أجل تجاوز الوضع الذي وصلا إليه في علاقتهما، إلا أنهما فشلا في ذلك لأنهما لم يتمكنا من التفريق بين حياتهما العملية والشخصية. تعودت عائشة على حياتها وحولت كل اهتمامها لتربية أبنائها والعناية بهم، مادامت تقضي اليوم في العمل ولا تعود إلا في المساء، لتجد في انتظارها الكثير من الأعمال المنزلية. مجيدة أبوالخيرات