لن تستطيع «حورية» أن تتابع إبحارها في المجال العلمي الذي اختارته. انتهت حياتها بفاجعة ونقلت إلى المغرب لتحتضنها تربته. والداها زوهرة والحسين المومني اللذان هاجرا إلى فرنسا في السبعينيات يجلسان في قاعة المحكمة الأرجنتينية هناك ببلاد الغربة. يتملكهما الحزن. عيونهما المغرورقة بالدموع تتساءل لماذا قتلوا ابنتنا؟ في الجهة المقابلة من نفس القاعة يقف ثلاثة أشخاص من الأرجنتين تقيد الأصفاد أيديهم بعد متابعتهم باحتجاز واغتصاب والاعتداء بوحشية حتى الموت على حورية وصديقتها الفرنسية كاساندرا. صباح أمس الأربعاء رددت جدران المحكمة صرخة زوهرة: لماذا أخذوا مني ابنتي؟ أريد الحقيقة كاملة.. صدى الحوار الهاتفي الذي دار بينها وبين حورية عندما سافرت إلى الأرجنتين في آخر يوم من حياتها مازال يتردد في أذنيها، لا تستطيع نسيان كلماتها الرقيقة وهي تسأل عن حالها وحال العائلة. اكتشفت جثتا الفتاتين (حورية 24 سنة، كاسندرا 29 سنة) بعد قتلهما برصاص بندقية مجردتين من لباسهما بمنتزه طبيعي بضواحي مدينة سالتا، وكانتا قد شوهدتا لآخر مرة تدخلانه في 15 يوليوز 2011، يوم مقتلهما. التحقيقات انتهت باعتقال ثلاثة متهمين بعد العثور على عينات من حمضهم النووي بجثتي الضحيتين. واعتقالهم جاء بعد أن قام أحدهم بتركيب البطاقة الهاتفية لحورية في هاتفه النقال. علاقة صداقة ربطت حورية الفتاة الخجولة بكساندرا خلال وجودهما ببوينس إيرس للمشاركة في مؤتمر لعلم الاجتماع حول التأثير العربي الاسلامي في أمريكا اللاتينية. بالنسبة لحورية كانت مناسبة لاكتشاف هذه المنطقة التي لطالما قرأت عنها. طلب العلم كان المحرك الأساسي الذي دفع حورية للمزيد من البحث والاطلاع. هذه الطالبة بالمعهد العالي للدراسات الأمريكية – اللاتينية كانت شغوفة باكتشاف العمق الأرجنتيني. أمضت سنة كاملة من الدراسة باسبانيا في جامعة سلامانك توجت بحصولها على الإجازة وفتحت لها الباب لنيل الماستر حول الهجرة السورية اللبنانية لأمريكا اللاتينية. حورية هي الحلم الذي بدأ في التحقق بالنسبة للزوهرة والحسين في سان دونيس وسط ستة من أخواتها، فتفوقها في دراستها كان يهون قليلا من مشاكل ومتاعب الحياة اليومية لهاذين المهاجرين. رحلة الأرجنتين حولت الحلم إلى كابوس، والمتهمون بدأت محاكمتهم أمس، أما روح حورية فتنتظر الحكم النهائي لترقد بسلام.