كلما استرجع الضابط شريط القضايا التي حقق فيها، تستقوفه قصة جريمة قتل، كان لحدسه وسرعة بديهته الفضل الكبير والحاسم في إماطة اللثام عنها، حيث لم يكن ممكنا الإنتباه إليها لولا شكوكه الآنية في طبيعة الأسباب الحقيقية لوفاة شخص اعتبر في الأول مجرد غريق عثر على جثته طافية في البحر. أول فصول هذه القضية ابتدأت بتوصل المصلحة الأمنية التي يعمل فيها ضابط الشرطة القضائية بشكايات عدد من المواطنين يقطنون بحي الانبعاث بدوار السهلي،مفادها تعرضهم للعديد من السرقات تحت تهديد السلاح الأبيض ، من طرف أحد ذوي السوابق الساكن بنفس الحي والمدعو ”طاكيشا”. بناء عليه توجهت ليلا فرقة أمنية إلى إحدى أزقة دوار السهلي، حيث تم إيقاف المعني ، وأثناء التحقيق معه صرح بإسم شريك له المدعو «لحيسة» في عمليات السرقة التي يقومان بها ..التحقت عناصر الشرطة بعنوان الشريك، حيث أكدت لهم أسرته أنه توفي غرقا بالبحر بمنطقة بوشوك. انتلقت على إثرها نفس العناصر إلى مستودع الأموات ، وتمت معاينة الجثة، لكن الضابط وبحدسه الأمني راودته شكوك حول سبب الوفاة، خصوصا عند ملاحظته ضربة بمؤخرة الرأس الهالك، لتتبادر إلى ذهنه أسئلة من قبيل ”هل الضربة ناتجة عن ارتطام بالصخر، أم بفعل فاعل ؟”. فهناك احتمال تعرض الضحية للغرق بعد إصابة بضربة عنيفة من الخلف سددها له شخص آخر . على ضوء هذه الشكوك والتكهنات والحدس، تم رفع تقرير للنيابة العامة يتضمن إلتماسا بالإذن بإجراء تشريح طبي على جثة الهالك، حيث كانت المفاجأة ”أن الشكوك التي راودت الضابط هي الحقيقة بعينها ”. لقد أكد التشريح “بأن الوفاة غير طبيعية وليست بالغرق وحده. فبعد تفحص جمجمة الضحية تبين أن هناك نزيف داخلي جراء تعرضه لإصابة “. وبعد استئناف التحقيق على ضوء المعطيات الجديدة، تم الكشف عن جريمة قتل مدبرة ، انتهت بمحاولة إخفاء معالمها ، وذلك بإلقاء الجثة ببحر «بوشوك» خلف حي اشماعو. وأبانت التفاصيل المرتبطة بهذه الجريمة ، أن الجاني والهالك هما أصدقاء بنفس الحي وشركاء في عمليات السرقة، كانا في ليلة وقوع الجريمة يحتسيان الخمر إلى أن وقع نزاع تافه بينهما، ادعى فيه القاتل استغفاله من طرف الضحية في كأس خمر، ليفاجئ غريمه بضربة على الرأس بمؤخرة قنينة صلبة، مما أحدث له جلطة داخلية فقد إثرها الوعي وتوفى بعدها، حيث قام الجاني بالتخلص من الجثة برميها في البحر في محاولة منه لإخفاء معالم الجريمة، التي كشف لغزها ضابط أمن متيقظ، مؤكدا بسرعة تديهته وذكائه أن «الروح عزيزة عند الله» كما يقول المثل الشعبي. عبدالإله عسول