لم تهدأ العديد من الاحياء الشعبية بمدينة مكناس طيلة اشهر، فقد استطاع أحد الشبان الذي لم يتجاوز عمره الاربعة والعشرين ربيعا ، ترويع ساكنتها لما يقترفه من جرائم النهب والسرقة والقتل، حتى ان عدة أحياء تجدها مغلقة وشبه فارغة من المواطنين خوفا على ممتلكاتهم وأرواحهم . لم يستطع رشيد تجازو عتبة القسم الخامس ابتدائي قبل ان يتعاطى لعدة مهن، لم يستقر له بها حال، فانخرط مع ثلة من المشردين وأطفال الشوارع في تجريب السجائر والشيرا وكل انواع المخدرات ، رشيد الذي لم تستطع لا تحذيرات أسرته ولا توسلات والدته ثنيه عن افعاله، اختار طريق الانحراف وكون عصابة إجرامية مختصة في كل شيء بدءا من السرقة بواسطة النشل وصولا الى القتل مرورا بالاختطاف والاغتصاب والسرقة. كانت كل الشكايات التي تتوصل بها الشرطة تشير الى نفس الشخص، حتى أن احداها حملت بصمات رشيد في قتله ضحية طيلة اشهر وفريق أمني خاص يترصد لهذه العصابة دون ان يتمكن من اعتقال احد افرادها. فقد كان عميدها يبحث عن الثغرات التي يمكن ان تقود الى اعتقال رأسها المدبر الذي كان افراد العصابة يأتمرون بأمره، لذلك عمدت الشرطة الى تجنيد مخبرين في بعض الاحياء التي يتردد عليها أفراد العصابة قصد إشعارها حال توصلها الى مكان اختبائها، ورغم ان كل المحاولات باءت بالفشل، فإن العميد المكلف بالملف لم يفقد الامل، فقد ظل يتصل بمخبريه لمعرفة آخر المستجدات عن هذه العصابة وذات مساء وبينما كان فريق المحققين يهم بمغادرة مقر ولاية الامن، رن الهاتف النقال لأحد ضباط الشرطة، حيث أخبره أحد المخبرين بتواجد رشيد رفقة بعض افراد عصابته بأحد ازقة لافيراي للقيام ببعض العمليات، ونظرا للمعلومات التي اصبحت متوفرة لديهم، وامكانية القبض على هذا الصيد الثمين، تم تجنيد فريق أمني كبير تحضيرا لكل الاحتمالات، وتم توزيعه على فرق في سيارة مدنية قصد التمويه، وفي حدود الساعة الثامنة ليلا تمكنت احدى المجموعات من ترصد مكان رشيد الذي كان رفقة ثلة من افراد عصابته وبعد منتصف الليل فاجأته دورية الشرطة وهو يتربص بالمارة، الا ان المفاجأة كانت اكبر حينما ثار افراد العصابة في وجه رجال الأمن وأشهر رئيسهم ومنسق عملياتهم سيفا في وجههم، مهددا كل من اقترب منه بالقتل، ورغم التحذيرات التي كانت توجه له للاستسلام، فإنه ظل يرفض، بل ويثور في وجههم طالبا منهم الابتعاد عن طريقه، الا أن رجال الشرطة ورغم التهديدات التي كانوا يواجهونها، فقد ركزوا على محاولة اعتقال رشيد نظرا لما يمثله من خطورة على المجتمع، وهو ما تمكنوا منه رغم انه وجه طعنة بسكين لأحد ضباط الشرطة حيث اصيب إصابات خطيرة نقل على اثرها الى المستشفى. عملية الاعتقال هذه قادت الى استسلام بعض رفاقه فيما فر الباقي، والذين سيتم اعتقالهم تباعا في مدة لم تتعد خمسة أشهر. وضع رشيد رهن الحراسة النظرية، ونظرا لحالة التخدير والسكر التي كان عليها، فإنه لم يتم التحقيق معه الا بعد أن استرجع وعيه ، وبعد ان تم تجميع كل المعطيات الخاصة بهذا الملف الذي يضم ما يناهز الثلاثين شكاية، تم تكليف فرقة محاربة العصابات بإجراء بحث مع رشيد الذي فقد الكثير من مقوماته الإجرامية بعد ان علم ان هذا الاعتقال سيكون حتما نهاية مسار مجرم محترف. كانت أولى عمليات رشيد، تنفيذه رفقة عبد العالي لعملية اعتراض سبيل احد الاشخاص بسيدي بوزكري، وتحت التهديد بالسلاح لم يجد الشخص المذكور بدا من تسليمهما مبلغ (500 درهم) كان بحوزته وساعته اليدوية وهاتفه النقال، وفي عمليته الثانية استطاع رشيد ان يوسع عصابته حيث اضاف لها الهاشمي وعسال ، الذين قرروا اعتراض سبيل احد الاشخاص في أرض خلاء قرب الحي الجامعي، حيث سلبوه تحت التهديد مبلغ (2000) درهم وساعة يدوية، فيما اقتصر في تنفيذ عمليته الثالثة على نفس الرفاق حيث اعترضوا سبيل شخص آخر إلا أن ما غنموه لم يكن سوى مبلغ زهيد. عمليات السرقة ظلت مستمرة، فقد عمد رشيد رفقة فريق آخر مكون من حسن ومحمد الى سرقة منزل غير مأهول عن طريق الكسر بحي الزيتون، اما خامس عملية فقام بها رفقة القايدي وقادت هذا الاخير الى السجن، فيما ظل البحث جاريا عن رشيد لتعرف الضحية عليه. عصابة منظمة متعددة الأفراد، لكل واحد مهام محددة لم يكن رشيد يقتصر على نفس الافراد في عملياته، فقد كان يعمد الى تغييرهم كل مرة، مما يؤكد أنه كانت له عصابة منظمة لها عناصر احتياط، سادس عملية نفذها كانت عملية اعتراض احد المارة بحي الزيتون ، نفس العناصر سيحتفظ بها رشيد أثناء تنفيذه لعملية سابقة في حق احد الاشخاص قرب ثانوية الزيتون، حيث جردوه من حافظة نقوده ومبلغ (800 درهم)، ولأنه كلما ازداد عدد الافراد كلما ازدادت متطلباتهم، فقد استهدفت العملية الثامنة منزل احد المهاجرين القاطنين بالديار الاوربية، حيث تم الاستحواذ على عدة اشياء ثمينة، وملابس واغطية وأدوات ميكانيكية، وهي العملية التي شاركه فيها عسال، يوسف، حسن، ومحمد ، حيث تم تصريف المسروق بسوق سيدي بوزكري واقتسموا الثمن مناصفة. حاول رشيد في العملية التاسعة سرقة أحد الاشخاص رفقة مصطفى العنصر الجديد في عصابته،الا ان المستهدف استطاع التعرف على السارق، مما عجل بإلقاء القبض عليه. العملية العاشرة حاول رشيد تنفيذها بمفرده باستعماله سيفا، الا ان المستهدف استطاع ان يتعرف عليه بحكم جوار العائلتين، مما عجل بمغادرته حي سيدي بوزكري واتخاذ المناطق الخلاء مركزا جديدا لعملياته وبرفقة محمد وعسال وحسن كان منزل احد المهاجرين هدفهم الحادي عشر، وعن طريق الكسر استولوا على عدة اشياء من بينها مجوهرات وحلي ذهبية واغطية تكفل محمد ببيعها بالسوق الاسبوعي لسيدي بوزكري .كالعادة وفي أحد المساءات وبعد أن لعبت الخمرة برأسه، فكر في إشباع رغبته الجنسية، وبعد أن لم يجد ما يطفئ به ظمأه هجم على منزل وحاول اختطاف ابنة صاحبه المسماة هدى، الا أن استغاثة والديها حالت دون اختطافها بعد ان فر خوفا من اعتقاله، فشلت العملية الثالثة عشر والتي كان يستهدف من ورائها سرقة منزل عن طريق الكسر بعد أن تمت مضايقة عسال ومحمد ورشيد من طرف المارة، ولم تسفر العملية الرابعة عشرة الا عن سرقة غطاءين من حي الزهوة ، في حين كانت العملية الخامسة عشرة تستهدف خزينة معمل ، الا ان الخزينة الحديدية كان مستحيلا فتحها رغم استعمال آلة ثاقبة، مما قاد محمد، عسال، سعيد ورشيد الى الاستيلاء على الآلة الثاقبة والانسحاب من مكان العملية. بين القتل والسرقة والاختطاف واعتراض سبيل الغير العملية السادسة عشرة تسلم منها رشيد مبلغ (1000 درهم) كنصيب له بعد أن تم الاستيلاء على آليات ومبالغ مهمة من محل مخصص للبقالة ، العمليات الاجرامية بقيت مستمرة الى أن بلغت 29 سرقة تستعمل فيها نفس التقنية، ويكون المستهدف منها الارواح والاموال، بل ان العمليات كانت تستهدف الاشخاص الذين تشك العصابة في انهم يعملون كمخبرين للشرطة، كما ان المبالغ التي يتم الاستحواذ عليها عن طريق التهديد بالسلاح الابيض تراوحت مابين مبالغ زهيدة و 5000 درهم، وقد كان بين الفينة والأخرى يسقط أحد افراد العصابة التي بلغ عدد افرادها المعتقلين رفقة رشيد احد عشر عنصرا . رشيد وبعد ان افاد امام المحققين ان العمليات التسع والعشرين التي نفذها إما لوحده او رفقة افراد من عصابته، قادته في احدى المرات الى إزهاق روح بشرية، بعد ان امتنع الضحية عن تسليم ما بحوزته ورفض تفتيشه، وان باقي العمليات لم يعد يتذكرها إما لمرور وقت طويل عليها أو لكثرتها، وأن آخر عملية قام بها تتعلق بإشهار عصيانه في وجه الشرطة بعد ان حاصرته في احدى ازقة حي لافيراي، وقد اصاب خلالها احد رجال الشرطة بجروح بليغة . الاعترافات التي ووجه بها كل من الهاشمي وعسال قادتهما الى الاعتراف بمشاركتهما رشيد في عملياته الاجرامية كل حسب تخصصه ، أما باقي أفراد العصابة، فمنهم من أنكر مشاركته رشيد أية عملية كوهيب، فيما بوكمية كان قد رافق رشيد وعصابته الى حي الزهوة، وبقي في انتظارهم عندما كانوا ينفذون سرقتهم، اهروي نفى مشاركته في أية عملية وأنه يعرف رشيد كواحد من أبناء الحي معروف ببطشه، وقد كان يهابه إذ لم يستطع التبليغ عنه ، حسن الذي حضر لحظة اعتقال رشيد نفى أية علاقة تربطه بهذا الأخير الذي أبدى مقاومة شرسة أثناء اعتقاله في مواجهة رجال الشرطة. عملية منع رشيد من دخول المخبزة التي يملكها والد سعيد قادته اثناء اعتقاله الى ادعاء ان هذا الأخير يشاركه العمليات الاجرامية لتوريطه انتقاما من والده. شكير وعبد الصمد نفيا أية علاقة لهما برشيد، وأن كل ما في الامر أنهما تدخلا لفض نزاع كان قد نشب بين رشيد "والجن" وانه اثناء تدخل عبد الصمد أصابه الجن في رأسه، وكان آخر عنصر تم توقيفه هو حسن المزود الرئيسي للعصابة بالخمر. شركاء رشيد ينفون أية صلة به حسن صرح ان دروب حي لافيراي كانت مكانه المفضل لبيع الخمر، وانه لم يستطع التبليغ عن رشيد لأنه مجرم خطير سيبطش به ، وبعد استكمال البحث أحيل المتهمون الاحد عشر على المدعي العام الذي استنطقهم وأحالهم على التحقيق ، وأثناءه اعترف رشيد بكافة المنسوب اليه بما فيه جريمة القتل بمشاركة عدة اشخاص، وهو ما نفاه اثناء الاستماع اليه تفصيليا من طرف قاضي التحقيق، فيما أنكر باقي المتهمين مشاركتهم رشيد في أية عملية اثناء الاستماع اليهم تفصيليا ، في حين اعترف حسن ببيعه الخمر دون ترخيص، الا أن الشهود ضحايا هذه العصابة والذين استمع اليهم قاضي التحقيق افادوا جميعا ان افراد هذه العصابة بقيادة رشيد هم من اعتدى عليهم، وان أقوالهم جاءت مطابقة لتصريحات رشيد لدى الضابطة، وبعد استكمال البحث احيل الملف على غرفة الجنايات بعد متابعة الجميع من أجل جنايات تصل اقصى عقوبة فيها الى الإعدام، وبعدما يقارب السنتين من التحقيق والاستئنافات التي تقوم بها النيابة، أحيل المتهمون على غرفة الجنايات، حيث حضروا من السجن، وبعد أن تأكد الرئيس من هوياتهم أشعرهم بالمنسوب اليهم كل على حدة، فنفى رشيد قتله الضحية ، موضحا انه كان بعيدا عندما قتل المتهم باحنيني الضحية، ونفى تصريحاته لدى الضابطة والتحقيق . باقي المتهمين نفوا المنسوب اليهم مؤكدين على أن معرفتهم برشيد تبقى منحصرة في انه احد ابناء الحي او لبطشه الشديد. الشهود الذين استمعت اليهم المحكمة بعد أدائهم اليمين القانونية افادوا جميعا انهم تعرضوا للاعتداء من طرف رشيد وعصابته ومنهم من لايزال يحمل آثار الاعتداء الى الآن، ومنهم من يتنازل عن شكايته في مواجهته؟! النيابة تعتبر القضية اعتداء على المجتمع وبعد أن اعلن عن جاهزية القضية لمناقشتها، تناول الكلمة دفاع المطالبين بالحق المدني ذوي حقوق الهالك بلفقيه، حيث التمس ادانة المتهمين وفق فصول المتابعة ومدنيا الحكم وفق المطالب المقدمة. المدعي العام الذي وقف غير ما مرة على خطورة الافعال المنسوبة الى المتهمين، اكد أن نفيهم امام المحكمة ماهو الا تهرب من العدالة، والتمس الحكم وفق فصول المتابعة مع تشديد العقوبة في حق الجميع. دفاع المتهم رشيد وبعد ان تطرق الى ظروف النازلة، اعتبر ان محاضر الشرطة مجرد بيان في القضايا الجنائية، وان المحكمة عليها ان تأخذ بما راج امامها وان شهادة متهم على متهم لا تجوز ، واضاف ان هناك تناقضات واضحة في شهادة الشهود، وان موكله لم يطلع على المحاضر، وأن الشرطة أرادت ان تتخلص من الشكايات وألصقتها بموكله والتمس في الأخير تبرئة موكله من المنسوب اليه واحتياطيا جدا تمتيعه بأوسع ما يمكن من ظروف التخفيف لانعدام الاركان التكوينية للجرائم التي توبع من أجلها . دفاع باقي المتهمين المعين في اطار المساعدة القضائية، اعتبر ان متابعة موكليه لم تنبن على اي اساس قانوني، اذ انهم ينفون المنسوب اليهم جملة وتفصيلا، بل ان منهم من ذنبه الوحيد ان رشيد ابن الحي واعتبر المحاضر مجرد بيان في القضايا الجنائية والتمس تبرئتهم واحتياطيا تمتيعهم بأوسع ما يمكن من ظروف التخفيف . وبعد ان كان المتهمون آخر من تكلم، انسحبت الهيئة للمداولة وبعد اكثر من ست ساعات عادت لتنطق بالقرار التالي: ان غرفة الجنايات تصرح علنيا حضوريا ابتدائيا في الدعوى العمومية، بمؤاخذة المتهمين جميعا بالمنسوب اليهم ومعاقبة رشيد بالسجن المؤبد وعلى المتهمين عسال والهاشمي بخمس عشرة (15) سنة سجنا نافذا وعلى المتهمين رشيد ووهيب بعشر (10) سنوات سجنا نافذا وعلى المتهمين حسن، بوكمية، شيكر، عبد الصمد، وسعيد بعشر (10) سنوات سجنا نافذا، وعلى المتهم موسى بسنة واحدة حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها (500 درهم) مع تحميل المتهمين الصائر تضامنا مع الاجبار في الادنى،و في الدعوى المدنية التابعة بقبولها شكلا وموضوعا: الحكم على المتهم رشيد بأدائه للمطالبين بالحق المدني، ورثة مصطفى تعويضا مدنيا اجماليا كما يلي: لفائدة والدة الهالك بلفقيه فتيحة مبلغ (20.000) درهم ولها نيابة عن ابنها القاصر رشيد (10.000) درهم ولفائدة شقيقة الهالك فاطنة 10.000 درهم ،الكل مع الصائر والاجبار في الادنى.