«نحبكم جميعا ونقدركم ونحترمكم ولن ننساكم ما حيينا، وندعو الله أن يخفف عنا وطأة الحرمان من ملاقاتكم ولواعج الابتعاد عنكم»… هكذا اختار أحد قضاة المحكمة الابتدائية باليوسفية، الذي انتقل للعمل بمحكمة أخرى، ختم كلمته خلال حفل التكريم الذي شهدت أطواره المحكمة، بعد أن أبت رئاسة المحكمة والنيابة العامة بها، إلا أن تخصصا لحظة وداع لزملاء في المهنة ربطتهم به أواصر وطيدة، وعلاقات عمل متينة. في جو ملئ بالحزن والأسى والحسرة ، شهدت المحكمة الإبتدائية باليوسفية حفل تكريم أقيم على شرف قضاتها الذين انتقلوا للعمل بمحاكم أخرى. وتم خلال الحفل تكريم كل من القاضي «محمد رافع» الذي شغل مهمة قاض للتحقيق بمحكمة اليوسفية، حيث انتقل إلى المحكمة الإدارية بمراكش، والقاضي «رشيد التباتي» الذي عين مستشارا باستئنافية العيون، وقاضي التوثيق «الحسين بنزمرون» الذي انتقل إلى استئنافية مراكش. وقد تناول الكلمة خلال حفل التكريم كل من رئيس المحكمة ووكيل الملك بها اللذان عبرا عن الحزن العميق لمغادرة قضاة من هذا الحجم للمحكمة، والذين شكلوا «قدوة في النزاهة والشهامة وحسن الأخلاق». كما تناول ممثل هيئة المحامين الكلمة معتبرا «انتقال القضاة بمثابة الخسارة الكبرى للمحكمة». وهي الشهادات التي زكتها كلمة المفوضين القضائيين التي تقدم بها ممثل المفوضين في حفل التكريم. في حين اعتبر عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان وممثل عن موظفي المحكمة أن «جمعيات وهيئات المجتمع المدني وكل أطيافه تشهد على نزاهة القضاة والقضاء بمدينة اليوسفية، لأنه أصبح نموذجا يقتدى وتفتخر به وزارة العدل». وبعد أن تناول الكلمة القضاة الذين حظوا بالتكريم شدد الأستاذ محمد رافع الذي أعطى نموذجا صريحا لمفهوم القضاء ولما يتمتع به من نزاهة وأخلاق عالية جعلته يكسب قلوب الموظفين والمتقاضين وبعض المسؤولين، واستهل القاضي محمد رافع كلمته بتوجيه الشكر إلى منظمي حفل توديع القضاة الذين انتقلوا للعمل بمحاكم أخرى بناء على نتائج المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة. واعتبر هذه «الالتفاتة الطيبة خير معبر عن عمق العلاقات الإنسانية التي تجمع بين القضاة وجهاز كتابة الضبط والمحامين ومساعدي القضاء على صعيد المحكمة الابتدائية باليوسفية، رغم الصعاب والمعيقات وإكراهات الواقع العملي»، التي قال إنهم «استطاعوا التغلب عليها بفضل تلاحمهم وتآزرهم»، وأضاف أن «لحظة الوداع صعبة وحزينة نظرا لافتقاد أناس يحظون من جانبهم بالمحبة والإخاء». ولم تفت القاضي «رافع» المناسبة للإشادة بالدور الذي لعبه مجموعة من القضاة وكتاب الضبط في سبيل «إشعاع المحكمة الابتدائية باليوسفية»، والذين «انتقلوا للعمل بمحاكم أخرى أو وصلوا سن التقاعد». وشكل الحفل مناسبة لتذكر أفراد من أسرة العدالة إلى دار البقاء، حيث ترحم القاضي «محمد رافع» على روح المحامي «بنجبالي»، ولوم يفوت الفرصة دون أن يتمنى «الشفاء العاجل للأستاذ التغزاوي». وقد استغل الفرصة لتذكير الحاضرين ب «حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم أمام الشعب المغربي قاطبة لكون قطاع العدل هو المعول عليه لقيادة قاطرة التنمية في هذا البلد»، داعيا إياهم ل «مضاعفة الجهود وإخلاص النوايا لكسب هذا الرهان التاريخي»، مشددا على ضرورة «التحلي بصفات التفاني في العمل والنزاهة والشرف والاستقامة واستشعار المسؤولية للوصول للهدف الذي رسمه جلالة الملك لهذا القطاع في خطابه التاريخي يوم 20 غشت 2009». وقد نبه إلى أن «للإصلاح أعداء ومناوئون وأن الخير ينتصر على الشر في نهاية المطاف». وفي النهاية أكد أن القضاة المحتفى بهم «يشعلون في صدورهم لمنظمي هذه المبادرة شموع المحبة والتقدير والإخاء، لأنه من الصعب نسيانهم. غير أن صعوبة اللحظة وقسوتها حالت دون إيفائهم ما يستحقون من مدح وتبجيل. وجدد في ختام كلمته التأكيد على الحسرة التي تتملكهم نتيجة لحظة الفراق، غير أنه أكد أن «الفراق الجسدي بينهم لن ينال من الوصال المعنوي الذي انبنى على دعائم العلاقات الإنسانية المتينة والوشائج التي لن يستطيع أن ينال منها تباعد الأجساد والأماكن».