تعد الرشوة، واحدة من أعظم الآفات الاجتماعية التي تنخر أوصال هذا الوطن كما ينخر المرض الخبيث جسد المريض شيئا فشيئا حتى يقضي عليه. ولكي لا تقضي الرشوة علينا وعلى هذا الوطن وتهوي بنا إلى الحضيض اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، بذلت الحكومات المغربية المتعاقبة «جهودا مشكورة» لمحاربة الظاهرة والحد من تفشيها، لكنها جهود غير كافية بالنظر لحجم وخطورة الظاهرة التي هي أقرب ما تكون لأفعى أسطورية، كلما قطع رأسها ظهرت برؤوس جديدة . من بين الإجراءات التي اتخذها المغرب في هذا الصدد، مصادقته سنة 2008، على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الرشوة، وإحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وإطلاق موقع إلكتروني لمحاربة الظاهرة، إضافة إلى الحملة التواصلية الأخيرة التي أطلقتها حكومة بنكيران بشراكة مع منابر إعلامية مختلفة. في ظل هذه الإجراءات والمبادرات يبقى السؤال الكبير مطروحا. إلى أي حد نجحنا في القضاء على الرشوة ؟ الاجابة عن هذا السؤال لا تتطلب كبير عناء. يكفي لأي واحد منا أن يقصد أحد المستشفيات أو المقاطعات أو «الكوميساريات» أو أي مرفق عمومي أو خصوصي، ليستقبله الجواب الصادم بالمكشوف تارة، وبالمرموز تارة أخرى. جواب على شكل شعار موزون يحفظه جميع المغاربة عن ظهر قلب «ادهن السير يسير». « ادهن السير يسير» جملة أمرية بضمير مستتر تقديره «الرشوة» المقدمة تحت الطاولة تارة، و»يدا في جيب» تارة أخرى، حسب قيمة الخدمة المقدمة ودرجة خطورتها، وحسب حجم بطن المرتشي وقياس حزامه بدرجات ريشتر الجشعي. «ادهن السير يسير»، جملة أمرية «الفاعل» و«المفعول به» فيها، مواطن مغلوب على أمره قادته ظروفه لطلب وثيقة أو تحصيل خدمة، له كامل الحق فيها بموجب القانون، ليجد نفسه بين خيارين أحلاهما مر، تقديم «الدهن» أي الرشوة وقضاء مصلحته في أيسر الظروف، أو الامتناع عن ذلك والاستعداد لمسلسل طويل من «سير حتى تجي» و « طلع وهبط» و «ماكاينش المدير» وغيرها من الأعذار التي تدخل المواطنين في دوامة الانتظار و «الاحتضار». « ادهن السير يسير» جملة أمرية «المفعول له» فيها، موظف كسول أو «مسؤول» غير مسؤول، دفعه الجشع والطمع طوعا أو كرها – لا يهم – إلى استغلال حاجات المواطنين تارة ومصائبهم تارة أخرى لاستنزاف ما استقر في جيوبهم من دريهمات وامتصاص ما تبقى في عروقهم من دماء. «ادهن السير يسير» وصفة سحرية ترفع من راتب «المسؤول» في الحين، لكنها تحط من قيمته كإنسان. وصفة تقضي حاجة «السائل» في رمشة العين، لكنها تقضي أيضا على حقوق الذين لا يؤمنون بها، وتظلم من لا «دهن» لهم، وتقبر آمالهم وتطلعاتهم في مغرب الكرامة والحقوق والمساواة. «ادهن السير يسير» شعار مغلوط صنعته الأخطاء التربوية والاختلالات الاجتماعية والتخبط الاقتصادي والسياسي، لتصبح كلمة السر في الإدارات المغربية حتى يومنا هذا، بها تقضى الحوائج وتيسر الخدمات وتكسب الانتخابات أيضا. «ادهن السير يسير» نموذج للفساد الأخلاقي والاجتماعي الذي ينخر هذا الوطن، الأمر الذي يفرض بذل المزيد من الجهد لمحاربة الظاهرة ومواكبة العمل التحسيسي والوقائي بقوانين زجرية وفعالة يبدو أكثرها إلحاحا، إصدار قانون مؤطر لعمل الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة التي تظل مهامها «وقائية» حتى كتابة هذه الأسطر. صحفي بالقناة الأولى