نجحت حكومة عبد الإله ابن كيران منذ صعودها قبل 15 شهرا في تركيز اهتمامها على التحكم في دواليب الإدارة المغربية ، عبر ترسانة قانونية تجاوزت الخمسة نصوص حتى الآن . فبعد أول وآخر قانون تنظيمي وضعته الحكومة والذي رسم الحدود بين اختصاصات التعيين في المناصب السامية بين الملك ورئيس الحكومة، توالت المجالس الحكومية التي لا يكاد يخلو أي واحد منها من تعيينات يوقعها رئيس الحكومة الذي كان بين يديه المرسوم التطبيقي للقانون التنظيمي والمعروف بمرسوم التعيين في المناصب العليا والذي هيمن تنفيذه على أكثر من ثلثي اجتماعات مجالس الحكومة. و بعدما فرغت الحكومة من المصادقة على المرسوم الذي أحكمت بموجبه القبضة على المدراء المركزيين وعلى الكتاب العامين والذي جعل محور الإدارة العمومية يدور حول الوزير الذي لم يعد يمثل أقلية، على عكس السابق الذي كانت فيه حلقة الوزير لا تتعدى مركز ديوانه المكون من مستشاريه والمكلفين بالدراسات، (بعد هذا) عقدت الحكومة 18 مجلسا حكوميا كانت كلها معنية بتعيينات في المناصب السامية، بعد أن أثارت الكثير من الجدل حول طريقة اشتغال اللجن التي كانت عادة ما تضع أسماء المرشحين تحت مقاس الوزراء. لم تتوان الحكومة عوضا عن عقلنة التعيينات في المناصب السامية عن بسط نفوذها على أكثر من 910 آلاف موظف مضافا داخل الإدارات العمومية يضافا إليهم أكثر من 90 ألف موظف بالجماعات المحلية ليصل العدد إلى حوالي المليون موظف. قبل أسبوعين من الآن وضع عبد العظيم الكروج، الوزير المكلف بالوظيفة العمومية و تحديث الإدارة ، مرسوما ينظم وضع الموظفين الملحقين والذي سمح للوزراء بإغراء بعض الموظفين المحسوبين عليهم لجلبهم إلى مؤسساتهم من خلال سماح المرسوم لهذه الشريحة من الموظفين بالترشح لمناصب المسؤولية داخل القطاعات التي سيلتحقون بها. المرسوم الذي طوعت بموجبه حكومة عبد الإله ابن كيران آخر ما جادت به حكومة عباس الفاسي، كانت تشتم منه رائحة الولاءات الحزبية. قبل أن يضع الكروج مرسومه كان الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني قد قاد رفقة بسيمة الحقاوي ،وزيرة التضامن و المرأة و الأسرة والتنمية الاجتماعية، عملية كبرى "لمسح الطاولة" داخل وزارتيهما، بحملات إعفاءات كبيرة وواسعة طالت رؤساء المصالح والأقسام قبل أن يصبح الباب مشرعا بموجب المرسوم الذي صادقت عليه الحكومة لعمليات الإلحاقات التي ستتلو فيما بعد. عملية "السطو" الرابعة على الإدارة العمومية قننها مرسوم رابع هو المعني بوضعية الموظفين "رهن الإشارة" والذي ثار محمد الوفا وزير التربية الوطنية عليه وعطل تنفيذه بعد نشره للوائح المستفيدين منه. المرسوم الجديد لم يعمل على عقلنة هذا المجال بل شجع الموظفين على ترك مؤسساتهم والالتحاق رهن الإشارة بمؤسسات أخرى قد تكون نقابات أو أحزاب أو جماعات محلية. أكثر من ذلك فقد سمح هذا المرسوم للموضوعين رهن الإشارة التي لا تتجاوز مدتها ثلاث سنوات على أقصى تقدير بتحمل مسؤولية رؤساء المصالح والأقسام داخل المؤسسات التي سيلتحقون بها، كما هو الحال بالنسبة لمرسوم الملحقين حديثا بالإدارات العمومية. ما زاد الطين بلة هو مرسوم خامس والذي كان من المنتظر عرضه على مجلس الحكومة المقبل ثم أجل لاجتماع لاحق. المرسوم المذكور المعني أساسا بعمليات الانتقالات والتبادلات داخل الإدارات العمومية، أعطى الحق للوزراء لوضع قائمة سوداء للموظفين غير المرغوب فيهم وطرحهم في "سوق التبادلات والانتقالات". بموجب هذا المرسوم الموضوع حاليا في موقع الأمانة العامة للحكومة، أطلقت الحكومة أيدي وزرائها على رقبة مليون موظف وإخضاعهم دون موافقتهم لتنقيلات ليس داخل قطاعاتهم الوزارية بل في قطاعات أخرى ما يعني أن موظفا غير مرغوب فيه داخل وزارة المالية مثلا قد يجد نفسه بين عشية وضحاها منقولا دون إرادته إلى جماعة محلية لا يعرف حتى موقعها الجغرافي.