يخيل لمن يخشى حدوث انتكاسة في مسيرة بلادنا نحو الديمقراطية والحداثة، أن حزب العدالة والتنمية يريد أن تترجم وسائل الإعلام العمومية حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات وترأسه الحكومة إلى خضوع تام لسلطته. من هذا المنطلق يبدو عدم انصياع تلك الوسائل لرغبته تمردا على شرعيته، وعدم اعتراف بما عبرت عنه صناديق الاقتراع. لذلك وجب كبح جماحها وترويضها، فكانت دفاتر التحملات. ولما فشلت في تحقيق المراد، اهتدى رئيس الحكومة وحزبه إلى أسلوب «نظرية المؤامرة» التي تبرع فيها تيارات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية المتطرفة، فانهالت التهم على وسائل الإعلام العمومية، وحصلت القناة الثانية على حظ الأسد. قال عبد الإله بن كيران عن وسائل الإعلام: «الله أعلم من يحركها ويوحي لها. هل الشياطين أم الجن؟». وكان قد قرر مقاطعة القناة الثانية؛ أليس أمرا غريبا أن يقاطع رئيس حكومة قناة تلفزية، حتى ولو كانت لا تعجبه إذا لم يكن ذلك الأمر نوعا من ممارسة الضغط عليها؟ هل يمكن تصور باراك أوباما يقاطع قناة «فوكس نيوز»؟ اتهم برلماني من العدالة والتنمية نفس القناة بأنها «أصبحت أداة لنشر الفتنة في البلاد، وعملها يقترب من الإجرام»، و«يجب التخلص من عفاريتها وعفريتاتها». قناة «ميدي. آن. تي. في» لم تسلم هي الأخرى، من غضب حزب رئيس الحكومة، فاتهمت بالكذب، وتعرضت للهجوم لأنها بثت برامج تفضح الجرائم الإرهابية. أما وكالة أنباء المغرب العربي، فإنها، في نظر «البيجيدي» تبث أخبارا غير بريئة، وتحابي حزب الاستقلال…! ببساطة، عندما يتعلق الأمر بالعدالة والتنمية يتحول كل عمل تلفزي لا يتبنى أطروحات هذا الحزب، إلى مؤامرة مدبرة من جهات تسعى إلى عرقلة الإصلاحات! طبيعي أن تحاول السلطة السياسية استمالة الإعلام إلى جانبها، وإغرائه بنشر خطاب مناصر لها وصور إيجابية عنها. يجري هذا حتى في البلدان التي تتمتع فيها وسائط التواصل الجماهيرية، سواء كانت عمومية أو خاصة، بالاستقلالية والحرية. لكن ما يجري في البلدان غير الديمقراطية هو نزوع السلطة السياسية إلى فرض سيطرتها على الإعلام، والتضييق من هامش حريته واستقلاله. هذا بالضبط ما يسعى إليه رئيس الحكومة المغربية وحزبه.