حكومة من أجلها سال مداد كثير، وشغلت أحلام المواطن المغربي البسيط، هي في الواقع حكومة ثلاثة في المائة فقط من أصوات الناخبين. الحزب الحاكم، بلغة صناديق الإقتراع، هو حزب مليون ومائتي ألف صوت(1200000 )، وأصل المسجلين في اللوائح الإنتخابية هو ثمانية عشر مليون ناخب (18000000)؛ إنه فارق مثير . بلغة الفيزياء والرياضيات الحزب مهمل كباقي الأحزاب الأخرى، وبلغة السياسة يجب على حزب ما أن يترأس حكومة ما، حتى وإن كان عدد المصوتين عليه أقل من أعضاء أمانته العامة . تُسائلنا هذه الأرقام سؤالا صادما؛ هل الحكومة قائمة من أجل المغاربة جميعا ؟ تتطلب الديمقراطية إختلافا قويا في التوجهات السياسية، لكنها لا تتطلب هذه الضحالة في ممارسة الحق في الإنتخاب، وهذه الضحالة قائمة لأن السياسة معطوبة عندنا . لماذا بعد هذه المدة من تعيين الحكومة لابد من طرح سؤال الأرقام هذا ؟؟ إن الأرقام تؤشر على الجو العام المغربي، تؤشر على وضع الممارسة السياسية، تؤشر على تصور المواطن البسيط لعملية التسيير؛ إنه تصور جد سلبي تكون نتيجته الإمتناع عن حق أساسي للفرد . هل تكفي نتائج حكومة ما كي تلغي سؤال الأرقام هذا؟ الجواب لا يمكن تحديده ببساطة، فحتى وإن كانت النتائج جد إيجابية، فإن الأرقام تقول أنها حكومة أقلية، الأمر كأنه على الشكل التالي؛ نعطي لشخص ما كل الصلاحيات التسييرية، وإذا كان تسييره في صالح الجميع، ننسى أنه يقف على كومة عظام الديمقراطية . مرة أخرى أجدني مرغما على التذكير بعطب السياسة المزمن عندنا؛ الإبتعاد التام عن ممارسة الحق فيها / والإبعاد التام عن ممارسة هذا الحق . الإبتعاد اختيار شخصي يهم صاحبه/ الإبعاد عملية قصرية تمارس بطرق شتى في حق المواطن، عملية مقصودة، وعملية غير مقصودة تأتي نتيجة الإرتجال في حث الشباب على ممارسة هذا الحق . تساءلت وأنا أشاهد تجمعا حزبيا في أحد الفنادق، وأبصر المنخرطين الذين تجاوزوا في غالبيتهم منتصف العقد الخامس، والمرسومين ببذل السموكينغ والنظارات السوداء … تساءلت؛ كيف سيقتحم هذا التجمع، شاب يبحث عن أمل جديد، ربي ضمن نسق إجتماعي يخلق الخوف من هذه التجمعات؟. ناقشوا مرض الفويبا الإجتماعية ستجدون إن إداراتنا ومؤسساتنا هي من خلقته في المواطن . الأرقام الهزيلة هي بسبب هزالة التعبئة السياسية، وهي بسبب اعتبار السياسة حدثا موسميا يحدث بعد سنوات عجاف من اللقاءات والتجمعات؛ انتظروا الإنتخابات المقبلة كي نعرف فعل ساس يسوس سياسة … أفضل شكل للتسيير والتدبير هو مبحث السياسة عند أرسطو، وهو مبحث احتواء التعدد والإختلاف وتدبيره دون اصطدام، وهو واجهة تماسك أو تنافر فئات المجتمع. حين يتم تحاشي هذا المبحث من طرف المواطن ، فلأن أسبابا قاهرة تتمثل في ذهن المواطن بشكل واع / وبشكل غير واع ؛ أنا المواطن كنت أخشى المرور قرب مخفر الأمن في صغري؛ كيف لمواطن يرى في إدارة عامة مينوتورا /وحشا إغريقيا قاتلا أن يمارس السياسة؟ يمكن أن يكون سبب الخوف نفسه قد تبدد، لكن المواطن يبقى سجين مصيدة الإحساس بالخوف. يمكنني أن أستعير مفهوم العدمية ؛ السياسة عندنا عدمية . عدمية لأنها تمارس وفق منطق شخصاني -ليست شخصانية الحبابي – ضيق، وماذا يهمنا نحن في أهواء الأشخاص وأحلامهم وآمالهم الخفية. عدمية لأنها تحدث تحت الطاولة – كل الطاولات تصلح لعملية الإخفاء – وما يحدث في الخفاء عنا لا يهمنا لأنه غير موجود بالنسبة لنا . عدمية لأن أغلب المشتغلين بها يربطونها بالقذارة فعلا في الغالب، وينسون أنها تدبير المتعدد والمختلف . ثلاثة في المائة عنوان لفراغ سياسي صارخ، والتبجح بأن الحكومة حكومة للكل / ومن أجل الكل هو عنوان فرعي لنفس الفراغ السياسي. * أستاذ الفلسفة