“التفيال”،”لقنية”،”الكاميلة” و”المرفودة” عناوين اختلالات تشوب عمل الشرطة المغربية ليس هذا الاستطلاع محاكمة لعناصر جهاز، لا يختلف اثنان بأن المهام الموكولة إليهم حيوية وخطيرة. وليس بالضرورة «رجما بالغيب» تجاه أمنيين، لا يتوانى الكثيرون منهم في أداء المسؤولية الموكولة إليهم بكل إخلاص وتفان وعزة نفس… هو فقط محاولة لكشف ما يعتري عمل بعض المنتسبين إلى جهاز تحكمه «مديرية عامة» لا تلبث أن تطول تأديباتها بعض من يثبت تورطهم في الاختلالات… فكيف تحولت المهام الأمنية وقرارات التنقيلات أو التعيينات محليا إلى وسيلة ل «الكسب»، وكيف صارت بعض المهام الأمنية تغري أكثر من غيرها للرغبة في القيام بها، وأدائها بحماسة مبالغ فيها أحيانا … في الروبورتاج التالي محاولة لمقاربة هذه الاختلالات بعرض حالات قديمة وحديثة لمحاولة كشف ما يجري في هذا القطاع… كانت حادثة «مشرع بلقصيري» انطلاقة لانجاز هذا الروبورتاج.. حادثة بصمت بالدم بعض الاختلالات التي تشوب الجهاز الأمني ببلادنا. كانت الدوافع المعلنة رسميا لارتكاب الجريمة «مشاكل نفسية» لمقترفها. أما اعترافات الجاني فركزت على ما وصفها ب “الكحرة” و”الإقصاء”… إقصاء من أداء مهام أمنية والانتداب لأداء مهمات بعينها، يعتبرها البعض «مهاما مدرة لدخل إضافي»، رأى الجاني أنه «حُرم» منها بقرار إداري، فقرر الثأر لهذا الحرمان، عندما استعان بسلاحه الوظيفي ليضع حدا لحياة ثلاثة من رفاقه في العمل. قتل من أجل نصيب من “كعكة” الحواجز الأمنية ما جرى في ذلك اليوم “المشؤوم” بمشرع بلقصيري، يحيل إلى اختلالات المهام الأمنية وكيفية تدبيرها. وصل «حسن البلوطي» كما نشرت ذلك الجريدة في تحقيق سابق إلى مفوضية أمن بلقصيري عندما كانت عقارب الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحا. تزامن وصوله مع اجتماع لرئيس المفوضية، وباشا المدينة والسلطات المحلية، مع أرباب النقل المزدوج، لتدارس وضعية النقل السري. انتظر حسن إلى أن انفض الاجتماع لمقابلة الرئيس، لمحاولةو ضع حد لما كان يؤرقه منذ عودته من مهمة خارج المدينة. كان «حسن» يصر على العودة للعمل بالحاجز الأمني، بعد أن تلقى نبأ أدخل في نفسه بعض السرور، بشره بقرب التحاقه للعمل بالحاجز الأمني الذي كان مطلبا ملحا له، وغاية سعى إلى تحقيقها. كان رئيس المفوضية يطلب عنصرا أمنيا لينضم لحراسة الحواجز، تعويضا عن آخرين. فاقترح رئيس الدائرة اسم «حسن البلوطي» على رئيس المفوضية، فكان القرار هو الانتظار، بعد أن وعده «خيرا». انتهى اجتماع ذلك الأحد، فقدم حسن لمعرفة القرار، وتلقي الخبر الذي طالما انتظره. انتظر طويلا، وفي كل مرة كان يسأل شرطيا مكلفا بالمداومة عن الاجتماع. انفض اللقاء، وخرج المجتمعون تباعا، وحين انتبه حسن رجع ليسأل الشرطي عن رئيس المفوضية، فاكتشف أنه خرج بدوره. كان همه هو معرفة نتيجة الاجتماع. سأل عن إدراج اسمه في قائمة المقترحين لحراسة الحاجز، وحين علم بأن إقصاءه مازال مستمرا، دخل في مشادة مع من أبلغه هذا القرار. وما هي غير لحظات حتى لعلع صوت الرصاص في أجواء مقر المفوضية بعد أن أردى حسن أول زملائه قتيلا، واتجه إلى الطابق الثاني حيث كان مجموعة من زملائه يؤدون مهام المداومة. بحث من كانوا بمقر المفوضية عن مصدر الضوضاء وصوت الرصاصات. لكن رصاصات ثلاث كانت بالمرصاد أطلقها البلوطي في رأس وجسد زميله وأعز أصدقائه المسمى قيد حياته «سعيد افلاحن». في جو الهستيريا حاول الشرطي الثالث استعطاف حسن متوسلا إليه، فنجح في النجاة من هذه المذبحة بعد أن أصدر القاتل عفوه عليه قائلا:”سير نتا راك بوفري بحالي»… غادر الشرطي الناجي مسرعا، ليعرف الجميع أن ما يحدث كارثة حقيقية، لكن زميلا كان قد التقى حسن صبيحة ذلك اليوم، لم يصدق الخبر، فقرر الصعود لثنيه عما كان بصدده. وما هي إلا دقائق حتى لعلع صوت الرصاص مرة أخرى. حسن البلوطي أجهز على الضحية الثالث، الذي تلقى رصاصات في جنبه الأيسر وفي قفاه. ضحايا ثلاث لحالة هستيرية انتابت الجاني لاستمرار إقصائه مما كان يعتبره «كعكة العمل في الحواجز المرورية». حواجز للمساومة على ثمن المخالفة كانا يختاران عينة من السيارات لكي يتم إيقافها. سيارات للاستعمال التجاري أو تلك المصنفة بأنها سيارات اقتصادية. كان التهديد بسحب الرخص والانتقال في بداية الأسبوع الموالي إلى مقر الدائرة من أجل استرجاعها، هي العبارات التي تتوالى عند كل عملية ضبط مخالفة مفترضة، في حال رفض السائق “المخالف” الرضوخ للمساومة، أو لم يقبل أداء السومة المفروضة. بصرامة كان أحد العناصر الأمنية يتكلم مع السائقين، الذين اعتبرهم مخالفين لقانون السير، متجاوزين للسرعة المسموح بها، على طريق الساحلية بعين السبع. فبعد أن كانت المراقبة الطرقية تتم اعتمادا على جهاز «الرادار»، كان الأمنيون يبدون نوعا من التنازل ليس رأفة بالمخالفين، وإنما «بعد نيل مقابل المخالفة بشكل شخصي». كان الشرطي، الذي يبدو أنه مكلف بتسجيل التجاوزات في كناش المخالفات، يحبك سيناريو نيل مقابل التغاضي عن تسجيلها، بعد أن يسحب رخصة السياقة من المخالفين المفترضين، ويأمرهم بالقيام بجولة صغيرة، قبل العودة لاستلامها بعد الأداء ليس «القانوني»، طبعا، ولكن الأداء الذي يعود لمحافظ المراقبين الأمنيين، المكلفين بمهام في السد القضائي «المفترض». حكاية الواقعة التي نسردها في هذا الروبورتاج تعود إلى أحد نهايات الأسبوع، حيث الفرصة مواتية لبعض عناصر الأمن الوطني المكلفين بمراقبة حركة السير والجولان بنقط مرورية معلومة، يرى من وقعوا فيها، سواء من المخالفين فعلا، أو من يعتبرون أنفسهم «مفترى عليهم»، أنهم ضحايا ل «تعسفات» و«خروقات»، يشجبها السائقون. كانت الحركة مكتظة، لأن اليوم صادف ثاني أيام العطلة الأسبوعية، يوم الأحد، مع التباشير الأولى لارتفاع درجة الحرارة، والإقبال المكثف على اتخاذ الشواطئ وجهة مفضلة، بالطريق الساحلية الممتدة من شارع الجيش الملكي بوسط البيضاء، في اتجاه عين السبع. لكن بعض من استهدفتهم إشارات الأمنيين بالوقوف، غادروا المكان بكثير من الاستياء لما وصفوها ب «المساومات» التي مارسها عنصران من الأمن الوطني كانا ينظمان حركة السير، ويراقبان استعمال الطريق ب «الرادار»، بعضهم اعتبر أنه لم يكن مخالفا، والبعض الآخر اكتفى ب “التفاوض” لكي لا يؤدى الثمن المحدد في المخالفة كاملا، ويفضل أداء ما لا ينال مقابله أي وصل. فهل كانت هذه المراقبة «وهمية» فقط، عندما كان أحد رجال الشرطة صباح ذاك الأحد يقوم بإيقاف السيارات العابرة لهذا الشارع، مدعيا تجاوزها للسرعة، علما أن الاكتظاظ الذي كان يعرفه هذا الممر لم يكن ليسمح لمستعمليه بتجاوز سرعة 60 كلم في الساعة. وحسب ما عاينته «الأحداث المغربية» في صبيحة ذلك الأحد، فإن أحد عناصر الشرطة الذي كان يسجل المخالفات «الوهمية» كان يقوم بالتفاوض مع المخالفين المفترضين، مخيرا إياهم بأداء ثمن المخالفة المحدد في 400 درهم، وهو المبلغ الذي من المفترض أن يذهب إلى الخزينة، أو دفع «رشوة» لا تقل عن 100 درهم، مقابل التغاضي عما سبق تأكيده من مخالفة لتجاوز السرعة المسموح بها. “المرفودة” لشغل منصب المسؤولية من مجال زيارة الأضرحة، والتمسح بها طلبا للكرامة، ينتزع هذا المصطلح.. وفي مجال عمل أمني شديد الحساسية والخطورة يستعمل.، يطلقه بعض عناصر الشرطة تفكها حينا، وفي أحيان أخرى يجدون فيه المبرر “الواقعي” لتفسير كثير من قرارات الرؤساء.. شاع في إحدى المناطق الأمنية بعد أن انقسمت العمالة التي كانت تضمها إلى ثلاث عمالات. ومن رحم المنطقة الأم خرجت منطقتان أمنيتان. استغلت الأولى المقر الأصلي، فيما ابتعدت الثانية بكيلومترات. ست دوائر أمنية هي قوام ما تشرف عليه هذه المنطقة الأمنية البيضاوية، التي توالى على رئاستها حوالي أربعة رؤساء. بعض مسؤوليها تسلقوا الرتب غير بعيد عنها وعن محيط نفوذها.. من عميد رئيس دائرة أمنية، إلى عميد اقليمي إلى رئيس منطقة… هكذا ساعف “الحظ” بعض المسؤولين بها…!! تعيينات متسارعة كان تفسيرها الأول يجد تبريره في المثل العامي “اللي مو في العرس ما يضرو الجوع”. ولأن الوصول إلى تسلق الرتب لم يكن “منطقيا”، فإن الإشراف على تولي المسؤولية بدوره لم يكن ليخلو من علاقات ملتبسة، تظهر فيها المحاباة، وتسودها العلاقات، وتغيب عنها الشفافية أو الدواعي المنطقة. فمن رئاسة دائرة إلى أخرى قريبة وغير بعيدة كان بعض الرؤساء من العمداء يتنقلون، بتعيين جديد، في غير حاجة إلى الابتعاد. لأن من يشرف على التعيينات، يفرقها «حسب هواه».. يقضي العميد “المحظوظ” فترة قصيرة في دائرة تعتبر ذات استقطاب واهتمام. وبعدها ينتقل إلى دائرة أقرب، وبعدها يعود إلى نفس الدائرة التي ما فتئ أن غادرها ليعود إليها من جديد. هي ذي تفاصيل الشهور الأخيرة لعمل المسؤول الأمني الاقليمي. أما التفسير فكان يجد الطريق إلى أن المحظوظين يؤدون “المرفودة” من أجل المكوث في المناصب والمهام التي لا يبغون عنها ابتعادا. بل ويختارون المهمة التي يسعون إلى شغلها، وهو الأمر الذي غالبا ما يكون ب «المقابل» أو «المرفودة». لكن قبل أشهر كان قرار المديرية العامة للأمن الوطني التي شتت كثيرا من شمل من اجتمعوا في منطقة واحدة، وتقاسموا “كعكتها”. كان تقرير من لجنة من المديرية العامة كافيا لإحالة البعض بدون مهمة على “كراج” الولاية، وتنقيل آخرين من مقدمي “المرفودة” إلى مدن بعيدة. “لقنية” تقنية اصطياد مخالفات السير يحيل مصطلحها على عملية كان الأطفال يستعذبونها زمن الصبا. تقنية لاصطياد العصافير البرية، زمن اتساع المسافات وانتشار الحقول الخضراء، حيث تجد الطيور مراتع لها، قبل أن تلتهمها الاسمنت… كان الأطفال يتنادون على بعضهم ب “يالاه نقنينو”… في دعوة لاصطياد العصافير. لكن في ظلمة الليل، قبل أيام قليلة مضت، وقف عنصران من “صقور” ولاية الأمن البيضاء، لممارسة العملية بصيغة جديدة. لأن “الصيد” هنا يتعلق بمخالفين لقانون المرور… في زاوية تقترب من البناية التي كانت تستغل مقرا للملحقة الإدارية عين الذئاب، جلسا على مقاعد دراجتيهما الناريتين. لعلم مسبق بتفضيل بعض السائقين اختصار المسافة من هذه النقطة، وفي اختصار الطريق يكون ارتكاب المخالفة المرورية. فعوض لجوء بعض السائقين ممن يسيرون على شارع الكورنيش في امتداده باتجاه المركب السينمائي «ميغارما»، بعد تجاوز المدارة القريبة من مقر الدرك الملكي بعين الذئاب، إلى النقطة المسموح بالانعطاف عندها، يفضل بعض السائقين اختصار المسافة، عابرين الخط المتصل للسير وسط الفيلات القريبة. هنا تنجح “قنية” الأمنيين، سواء من فرقة الصقور اللذين تابعت «الأحداث المغربية» أطوارها، ليلة الاثنين 25 مارس الجاري، وهي تنجز هذا الروبورتاج. في زقاق ضيق يلفظ متجازيه إلى بعض الملاهي ومقاهي الشيشة يقف بعض الأمنيين، بعيدا عن المدارات والشوارع المكتظة، لعلمهم المسبق بأن “ضحايا” مخالفات مرورية سيقعون لا محالة في “الشباك”. وعنذاك تنطلق المساومات، حيث يؤدي المخالفون الثمن نقدا، إن هم رغبوا في “الخلاص” من “لقنية” الأمنية التي ضبطتهم متلبسين باقتراف المخالفة… مخالفة لن تتضمن أداء ذعائرها “كنانيش” المخالفات الأمنية بطبيعة الحال إلا عند رفض الأداء، أو التعنت في التفاوض…!!! حواجز للمراقبة أم للاستجداء..؟؟ “الله يخلي الحالة زينة”.. دعاء لاستدرار جُودِ من كان مستهدفا به. قصة رصدتها الجريدة في لحظة سفر قريب، لا يبعد عن المدار الحضري للعاصمة الاقتصادية إلا بكيلومترات معدودة. على طريق كانت توصف بأنها «ثانوية» تسير وسط الحقول الفلاحية. قبل أن تغدو طريقا رئيسية تقود إلى مدينة حديثة في طور التشكل، هي «مدينة الرحمة». أما الطريق فلم تكن تعرف بغير اسم الولي الذي يقود امتدادها للمرور بجانب ضريحه.. دعاء لم يصدر عن شخص افترش الأرض قرب مسجد لنيل كرم المصلين بعد انتهاء الصلاة. ولا جلس مصدرها على قارعة الطريق يستعرض عاهة من العاهات، ليحظى بالتضامن، وينال الشفقة. ولكنه دعاء فاه به شرطي بزي رسمي، قبل أشهر معدودة انصرمت، وقف رفقة زميل له بحاجز أمني ينتصب ب «طريق مولاي التهامي». أوقف الشرطي سيارة ال «BMW» ذات اللون الأزرق الغامق. أدى التحية، لم يسأل عن وثائق السيارة ومدى توفر سائقها عليها. أصدر ابتسامة عريضة إلى السائق، الذي كان ينتظر طلب إطلاع الشرطي المراقب بالحاجز الأمني على الوثائق. اكتفى الشرطي بأن يتبع الابتسامة بدعاء: “الله يخلي الحالة زينة”.. بعد توقيفه بدون مخالفة ارتكبها. فهم السائق المغزى.. تحسر على حال الواقف أمامه، لكنه فهم المطلوب، مد يده إلى جيبه استل ورقة نقدية بقيمة 20 درهما لا غير…! سلمها خفية في حركة سلام باليد إلى الشرطي الذي ظل يلتفت يمينا ويسرة. بعدها ختم الشرطي المراقبة بدعاء آخر: “الله يخلف عليك.. والله يعطيك الخير”. هكذا تتم المراقبة ببعض الحواجز الأمنية على الطريق، كما أكد السائق للجريدة. في حواجز تظل منتصبة في مكانها شهورا. في مهمة يفترض أنها للمراقبة والضبط. ضبط المخالفات وفحص سلامة وثائق بعض وسائل النقل المشتبه فيها، أو ضبط ممنوعات قد يستغل أصحابها الفرصة للمرور دون مراقبة ولا تفتيش. وهو الأمر الذي قد يجعل كثيرا من الأشياء التي يجب ضبطها تمر في “أمن وأمان”، بعد أن تتحول الحواجز أحيانا إلى مناسبة ل “السعاية”. فالحواجز الأمنية لها مهمة خاصة.. سواء كانت عادية أو استثنائية.. المراقبة وضمان حركة السير وظيفتان تلازمانها.. غير أن بعض من تسند إليهم مهمتها، يفقدونها هذه الوظيفة. صفحات مشرقة من عمل الأمنيين «الحاج».. عميد الأمن يزهد في سيارة «هدية» ليس التجاوزات أو “الشطط” ميسما يطبع قطاع الشرطة بالمغرب، وليس «كل أبناء عبد الواحد» في قطاع الأمن «واحد»، كما يقول المثل العامي المغربي… وفي حكي مشاكل هذه المؤسسة تطفو على السطح نماذج مشرقة، تتفانى في أداء الواجب المهني.. لا تجذبها المغريات المادية، ولا ينال منها وهج السلطة وبريقه، لينسيها المهمة الموكولة على عاتقها. أول نموذج مشرق نورده في هذا الروبورتاج، لواحد من عناصر المؤسسة الأمنية في مدينة «المغريات» الدارالبيضاء، حيث تتشابك العلاقات وتتقاطع المصالح. تدرج «محمد» في رتب المؤسسة الأمنية من عنصر أمني برتبة «حارس أمن»، إلى أن غدا عميدا أشرف على رئاسة كثير من المصالح، كما عمل رئيسا بدوائر أمنية، في فترات متفرقة. كان له فضل التأسيس عند الإشراف على مصلحة أمنية مستحدثة في عمل الشرطة بالبيضاء، ومدن سياحية أخرى. فبصم بجديته وتواصله سير العمل بها. كل هذه المهام لم تغير من طبيعة «الحاج» شيئا. «شريف النفس عفيفها، نقي اليد»، هكذا يصفه زملاؤه في العمل، وكل من يعرفونه أو سبق لهم أن تعاملوا معه. صفات لا يعترض عليها أحد. لأن الوقائع تشهد عليها. قبل سنوات ومن منطلق المسؤولية التي كانت تناط به في ولاية أمن البيضاء، تلقى «هدية»، عبارة عن سيارة من تجمع للمهنيين بمركز المدينة. كانت «الهدية» شخصية، أراد مانحوها التعبير عن «الامتنان» لمن تفهم مشاكلهم، وحرص على تأمين سير أعمالهم، وفق ما يقتضيه القانون… رفض العميد أن تسجل السيارة باسمه، مؤكدا على أن تمنح باسم المؤسسة التي كانت يترأس فرقتها. لاعتقاده الراسخ أن “الهدية”، أتت تازمنا مع أداء عمله، لذلك ينبغي أن تظل رهن إشارة هذا العمل، ورهن إشارة المصلحة التي رأسها… نشأ وترعرع في أحد الأحياء البيضاوية الشعبية، حيث تابع مراحل تعليمه الابتدائي والثانوي. كان شهيرا في الحي الذي قطنه، وشارك أبناءه الكثير من آمالهم وآلامهم. وعندما التحق بسلك الشرطة، لم يتغير من طابعه الهادئ والرزين شيء. ظل كما هو، وكما عرفه مجايلوه. لم تغره المسؤولية التي تقلدها في مركز قرار ولا جذبته “فتنة زي الشرطة”… قليل الكلام.. طويل القامة أسمر البشرة. في وقت الجد يقف يقظا يتابع كل كبيرة وصغيرة، سعيا إلى الالتزام بالقانون الذي درس مبادئه في كلية حقوق البيضاء.. وعند أداء المهمة، وتحقيق المراد تطلع من بين شفتيه ابتسامة الرضى على ما حققه رفقة عناصره من نجاح في أداء الواجب. «حسن».. ضابط أمن من طينة خاصة..!! قليل الأكل والنوم.. لا تفارق السيجارة الشقراء من نوع “ماركيز” حسب عهدي به أنامله.. يتبع واحدة بأخرى، إلى أن يأتي على آخر سيجارة من علبته، ليفكر ثانية في اقتناء واحدة جديدة.. حريص أشد الحرص على إتمام كل مهمة تسند له. شديد ضد الظلم، لين حين جلوسه إلى الأصدقاء ليتبادل معهم الأحاديث، والنكت.. منضبط في تحرير محاضره، التي يتقمص من أجل أداء واجبها وملاحقة المتهمين في أطوارها أدوارا مختلفة. فلا يتوانى أن يتستر في زي عامل نظافة، أو تقني كهرباء، وحتى زي «البدوي» بجلباب ثقيلة، لكي تصل يداه لإيقاف بعض المنحرفين واللصوص، ومروجي المخدرات… متكتم أشد ما يكون التكتم عند محاولة استدراجه للحديث عن عمله وطبيعة مهامه الأمنية. وحتى إن قبل الحديث عنها، فبعد أن تصير متداولة على نطاق واسع، ويعرفها «القاصي والداني»، وما عدا ذلك، فلن تظفر من الضابط «حسن» ببنت شفة، تغري فضولك الإعلامي، لتفضل الخوض معه في عموم الكلام. هو ابن الجهة الشرقية، ومنها اكتسب صلابة الشخصية، ولكنة الحديث.. سقطت بعض أسنانه في عز الشباب، فعوضها بطقم أسنان صناعي… لشراهته في التدخين، دون إقبال على المشروبات الكحولية، التي لا يتذوقها. بتفكير «منطقي»، اكتسبه من تكوينه العلمي، في تخصص الرياضيات، يتحدث، ويحاول البرهنة على استنتاجاته. وبصرامة وانضباط «العسكري» السابق الذي يتعب بعض مشاركيه في العمل، يتحرك فلا يكل ويمل. قد يخوض ليلة بيضاء، لا يلتقي له فيها جفنان وفي صباح يوم جديد، تجده على أهبة الاستعداد لمعاودة العمل بهمة ونشاط. لا يُسمع عنه طمع في نيل إتاوة، أو مماطلة في أداء الواجب إلى أن “يفهم” المعني “رأسه”. فلا يقبل أن يكون “عبدا” لمانح، لأنه بكل بساطة يقنع بما يوفره راتبه وراتب حليلته، التي تبقى زميلة له في نفس القطاع الأمني. قبل سنوات قليلة “انتزعته” مهام أمنية عليا، في إطار فرقة وطنية، من العمل في الدوائر الأمنية بالبيضاء، لكن سيرته مازالت تلهجها الألسن، كنموذج لعفة رجل الشرطة بهذا البلد، الذي لا يتنازل عن ملاحقة المنحرفين من مروجي المخدرات والخمور وحتى اللصوص، حتى يودعهم “الجيول”، ويخضعهم للمتابعة القضائية اللازمة. رجلا أمن يرفضان رشوة للتستر على عصابة «تحية لرجال الأمن الشرفاء، وما أكثرهم في المغرب الحبيب. يشتغلون في صمت ويضحون لأجل أمننا، ننام ويسهرون، ونستريح ويتعبون، تحية خالصة من القلب، بارك الله فيهم…». عكذا اختار أحد المواطنين التعليق على هذا الخبر الذي سبق لجريدة «الأحداث المغربية» أن نشرته على صفحاتها. بقميصه الرياضي الذي يحمل ألوان الفريق الكاتلاني «إف س برشلونة» يرتديه دائما، وبهيئته التي لا تختلف عن أوصاف اللاعب لمدلل لهذا الفريق الإسباني الأرجنتني ليونيل» ميسي »، ظل «أشرف» يسقط في شراكه ويغرر بعشرات من الضحايا، أغلبهن فتيات رفقة شريكه «زكرياء». استطاع الشابان خلال فترات متقطعة ممارسة اعتداءات جنسية على بعضهن بالقوة، قبل تجريد الضحايا من ممتلكاتهن المادية تحت طائلة الضرب والجرح بواسطة الأسلحة البيضاء، قبل أن يسقطا في حالة تلبس بإرشاء عناصر فرقة الصقور الأمنية برشوة تصل إلى 8000 درهم بمنطقة كاليفورنيا بمدينة البيضاء. صباح ذات اثنين، من شهر أكتوبر الماضي، أحالت عناصر الشرطة القضائية بالمنطقة الأمنية عين الشق عصابة »ميسي»، وهي شبكة إجرامية على الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، بتهم عديدة، تتعلق بتكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة مقرونة بظروف التشديد، واعتراض المواطنين بالضرب والجرح المؤدي إلى إحداث عاهة في حق الضحايا، واستخدام الأسلحة البيضاء، والتزوير واستعماله مع انتحال هوية مستعارة . توقيف المتهمين كانت في نهاية أسبوع كان يودع آخر أيامه، بطريق أولاد حدو بالبيضاء. أما معتقلو المتهمين فلم يكنوا غير عناصر فرقة الصقور الأمنية، بعد أن انتابتهم شكوك حول تصرفات شابين »أحدهما يسمى أشرف» و»الثاني زكرياء» كانا يمتطيان دراجة من الحجم الكبير نوع « »تيماكس». بعد إخضاعهما إخضاعهما لكشف الهوية، والتأكد من وثائق الدراجة النارية الأجنبية المصدر ظهر لعناصر الأمن أنها تحمل بيانات ومعطيات مزورة. الموقف الصعب للشابين، دفع أحدهما وهو الملقب ب «ميسي » إلى محاولة تقديم رشوة لعناصر فرقة الصقور، وصل مبلغها إلى 8000 درهم، مما جعل العناصر الأمنية تربط الاتصال بمصالح الشرطة القضائية، التي أوقفت الشابين بعد إخضاعهما للتفتيش، ومصادرة أسلحة بيضاء كانت بحوزتهما عبارة عن »مدية» من الحجم الكبير. إحالة العنصرين الإجراميين على الوكيل العام للملك، كشف أن المتهم الرئيسي يتحدر من »جمعة فوكو» بنواحي سطات، وظل يتنقل رفقة شريكه من مسقط رأسه إلى الأحياء الراقية بمدينة الدارالبيضاء، خصوصا منطقة كاليفورنيا لممارسة اعتداءاتهما الإجرامية، وصدرت في حقه مذكرة توقيف على الصعيد الوطني من قبل مركز سرية الدرك الملكي بأولاد عبو . مجموعة من الضحايا طالتهم الاعتداءات الإجرامية لعصابة »ميسي» تعرفوا على الظنينين فيما تخلف مجموعة من الضحايا عن الحضور في مواجهة الجانيين. رشيد قبول