تظهر خارطة مالي كمثلثين متداخلين، مثلث للشمال وآخر للجنوب. كان لمالي في البداية امتداد يربطها بالمحيط الأطلسي، لأن سياسة تصفية الاستعمار التي سلكتها باريس في عهد الجنرال دوغول عام 1960، جعلت السينغال جزء لا يتجزأ من مالي.. ولكن هذه العشرة لم تدم إلا شهورا معدودة، فسرعان ما تم انفصال تولد عنه قيام جمهورية لمالي وآخرى للسينغال في نهاية صيف 1960 السينغال من الدول الإفريقية التي لم تتعرض لانقلابات عسكرية، ويمكن اعتبارها البلد الفرنكوفوني الإفريقي الذي استمرت أوضاعه مستقرة منذ إعلان الاستقلال، في حين أن الكولونيل موسى تراوري أطاح بنظام الرئيس مودي بوكيتا، وبذلك انخرطت مالي مبكرا في نادي الدول الإفريقية التي توالت فيها الانقلابات العسكرية مما جعل من نظامها السياسي كيانا ضعيفا وهذا ما سيشجع تنظيمات ظلامية لتستولي على شمال مالي استعدادا لإكمال السيطرة على كل مناطق البلاد. هذه التنظيمات الموجودة والمحصنة في مالي والنيجر حاولت استغلال حالة الاضطرابات في ليبيا، البلد الشقيق الذي لم يتخلص بعد من مخلفات عهد معمر القذافي. فرنسا في جهتها، تجد وتجتهد لتكون لها إمكانية مراقبة التطورات السياسية في كل من مالي والنيجر ، ومن المحقق أن تطورات الحالة في مالي كانت في جدول أعمال المباحثات التي أجراها فرانسوا هولاند مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أثناء زيارة الرئيس الفرنسي الأخير للجزائر، المعنية كذلك بتهديدات الجماعات الظلامية المسلحة، خاصة وأن من بين زعمائها جزائريين هاربين من العدالة الجزائرية ولحاجة إلى القول بأن الجزائر تتعامل مع هذه التهديدات بحذر كبير وبصرامة أكبر جراء ما عانته في تعسينيات القرن الماضي، حيث دفع أكثر من مائة ألف من أبناء الشعب الجزائري الشقيق ثمنا لحرب أهلية مازالت مآسيها تطغى على الذاكرة. الجزائر أكدت على لسان رئيس وزرائها بأنها لن تتدخل في الحرب بجمهورية مالي، ولكنها فتحت أجواءها أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، لنقل الجنود الفرنسيين إلى مطار باماكو، علاوة على إقفال الشريط الحدودي الطويل الذي بفصل الجزائر عن مالي. المجموعات المسلحة اعتبرت هذه التسهيلات سببا كافيا للهجوم على محطة لتصفية الغاز في موقع عين أميناس غير البعيد في جنوبالجزائر عن الحدود مع مالي والنيجر بهدف اختطاف خبراء أجانب يعملون في محطة التكرير والانتقال بهم إلى شمال مالي واحتجازهم كرهائن. السلطات الجزائرية عرفت كيف تفشل هذا الهجوم لكن كان الثمن باهظا حيث سقط ما يقرب من 70 من الرهائن والعناصر المسلحة التي كانت تحاول الفرار بهم بعيدا عن مركب عين أميناس وإذا كانت السلطات الجزائرية قد نجحت في التصدي للجماعة الإرهابية بقتل 29 نفرا واعتقال ثلاثة، فإن هذه السلطات لم تنجح في المعركة الإعلامية التي واكبت معركة التصدي للهجوم الظلامي. ،ومع الأسف، فمن تتبع نشرات أخبار التلفزة الجزائرية طوال خمسة أيام، وشاهد الندوة الصحفية التي عقدها رئيس الوزراء عبد المالك سلال يصعب عليه أن يخرج بفكرة واضحة عن حقيقة ماجرى، لأن نشرات أخبار التلفزة الجزائرية تخضع هي كذلك إلى تقنيات لغة الخشب كدليل على أن الحكام في الجزائر لا يهمهم أن يكون الشعب في الصورة الحقيقية لما جرى في موقع عين أمناس طوال خمسة أيام بلياليها، مما يجعل المشاهدين مضطرين إلى البحث عن الحقيقة في فضائيات أجنبية