1- عمليتا التسمية / والسرد يمكن اعتبار عملية التسمية كأول إجراء تعديلي في الخريطة للحدث. فعملية التسمية كما يعتبرها هي عملية نقل الحدث من مرحلة التعدد إلى مرحلة الفردنة، وبالتالي فتوصيف الحدث اسميا كحدث لا يتحقق إلا عبر فعل التسمية الذي يمكن اعتباره تدخلا توصيفيا، لنقل الحدث من الحقيقة المادية إلى الحقيقة التعبيرية. من جهته، يعتبر نوفو في استطراد تحليلي لمقاربة باديو أنه عندما يتم تحديد الحدث اسميا (اضراب، احتجاج، ثورة)، فإنه عمليا توجيه التحليل والاستناج من خلال متانة المسميات المستعملة. هذه العملية تجعل الحدث قابلا للتحليل، وبالتالي التركيب، يتضح لنا أن علمية تسمية الحدث خلال فترة الأزمة كعملية تتبلور أساسا داخل منظومة الخطاب، تكتسي أهمية بالغة في توجيه الحدث، ومن ثم الرأي العام، وبالتالي فهي عملية استراتيجية تترتب عنها آثار اجتماعية (ردود فعل)، وحتى كذلك (القانونية)، فعندما يتدخل الخطاب الإعلامي بتوصيف حدث اجتماعي مادي ب «حركة اجتماعية، ثورة شبابية، مظاهرة، شغب»، فإننا بصدد عملية توجيهية للحدث، وتوجيهية للرأي العام من خلال توفير أرضية مناسبة للتحليل والتحكم في مسار تحديد مورفولوجية الحدث. من جهة أخرى، يعتبر بول ريكور أنه لاستكمال الحدث وتحديد معناه، لابد من إخضاعه لعملية السرد، حتى يكتمل معناه ويصبح قابلا للفهم، وباسقاطنا لهاتين العمليتين داخل الخطاب من خلال عناوين الصفحات الأولى، التي يتحقق فيها شرط التسمية، وكذلك من خلال أعمدة الرأي، التي يتحقق فيها شرط التحليل والتوجيه 3 – الخطاب الإعلامي كفضاء استراتيجي لتأطير الحدث الخطاب الإعلامي كفضاء استباقي من بين العمليات التي يتعرض لها الحدث أثناء المعالجة الإعلامية، نذكر عملية استباق آثار الحدث من خلال إعادة صياغته في إشكالية ما، أو إعادة إدراجه في سياق أحداث مماثلة، وذلك حتى يتم تأطير النقاش حوله، وبالتالي تأطير ردود أفعال الرأي العام، هذه الآلية التي نعتبرها استراتيجية واستباقية بامتياز لإدارة بغض النظر عن الرهانات التي تؤطرها والتي ستكون موضوع تحليل لاحق، تتبلور تركيبيا عبر آليتين كما سلف الذكر : آلية صياغة الحدث ضمن إشكالية ما آلية المقارنة والتطبيع بإخضاع الحدث لتأطير إشكالي عبر جعله محور أسئلة إشكالية، هو بمثابة إخضاع الحدث لسلسلة من عمليات التفكيك والتركيب، فحدث 20 فبراير يعتبر الحدث الوحيد في سياق الربيع العربي الذي تعرض لعملية تفكيك ممنهجة، وفق توافق ما، من طرف الخطاب الإعلامي بجميع توجهاته، فالقول بأن احتجاجات الشارع والمطالب المرفوعة هي نتيجة طبيعية لغياب الأحزاب والنقابات دورها التأطيري (إشكالية التأطير الاجتماعي)، أو القول بأن الاحتجاجات والمطالب هي مؤشر عن أزمة السياسة وليس أزمة سياسية، هي بمثابة أسئلة تأطيرية لنقل الحدث من موقع الفعل إلى موقع المؤشر ضمن منظومة إشكالية، ومن ثم، فهي فعل استراتيجي بامتياز، يروم أساسا تطبيع الحدث من خلال جعله جزءا، ضمن منظومة أشمل. إن عملية التطبيع أو بالأحرى، عملية اختزال الحدث، يمكن أن تأخذ أشكالا أخرى، ومن هذه الأشكال يمكن أن نذكر عملية المقارنة أو سراب المقارنة، فعندما يتم تشبيه حركة 20 فبراير بامتداد للحركات الاجتماعية العادية التي يشهدها المغرب باستمرار، أو القول بأن المطالب الاجتماعية المرفوعة التي تنادي بها الحركة كانت دائما محور المطالب التي رفعتها الأحزاب السياسية الوطنية في إطار مذكرات منذ التسعينيات، فهنا نلاحظ أنه تم إخضاع الحدث لعملية مقارنة غير متكافئة وغير عادلة، فسياق حركة 20 فبراير تختلف تماما عن سياق الحركات الاحتجاجية المؤطرة نقابيا وسياسيا، وبالتالي فالمقارنة وظفت في إطار يروم تطبيع الحدث، بجعله فعلا اجتماعيا عاديا في إطار سيرورة إصلاحية وتاريخية. إن إخضاع الحدث لمثل هذ النوع من المقارنات الغير البريئة، هو بمثابة إضعاف للحدث، عبر إخراجه من سياقه وجعله ممنعا من كل عدوى ثورية الإجماع الوطني اللفظي كآلية لتأطير الحدث يتم تفكيك الحدث على مستوى الخطاب الإعلامي أيضا، باللجوء إلى إخضاعه لمنطق توافقي معين، فأن يتم القول بأن الشعب المغربي بجميع مكوناته يجمع على محورية المطالب الاجتماعية، أو القول كذلك بأن الجميع يعتبر أن الإصلاحات يجب أن تعالج في إطارها المؤسساتي الشرعي بعيدا عن منطق المقاربة الفئوية. فهنا يتم إخضاع الحدث لنوع من المحاكمة الرمزية على مستوى الخطاب من خلال جعل المواقف المرافقة للحدث خارج الإجماع الوطني، وبالتالي الاتجاه إلى عزلها بالرغم من حجيتها. إن عملية توظيف مفهوم الإجماع الوطني الذي لا يعدو أن يكون إجماعا وطنبا لفظيا، هي عملية استراتيجية بامتياز تندرج في إطار تدبير الحدث على مستوى الخطاب من خلال تسليط الضوء على أحد مكونات الحدث (أطروحة الحدث ، الفاعلين في الحدث…) استراتيجيا، نعتقد أنه يمكن توظيف استراتيجية الإجماع الوطني، على مستوى الخطاب والخطاب الإعلامي خاصة، باعتبار أحد الفاعلين في الحدث، من خلال تبني أحد الاختيارين، اختيار الإنكار أو اختيار الاعتراف. عندما نقوم بمقارنة الأحداث التي عرفتها الثورة المصرية، والأحداث التي عرفها المغرب خلال 20 فبراير، من منظور استراتيجية توظيف عملية الإجماع الوطني على مستوى الخطاب، نخلص إلى نتيجتين متضادتين، كان لهما أثر مباشر على سيرورة الأحداث، فعندما نراقب توظيف استراتيجية الإجماع الوطني داخل الخطاب الإعلامي المصري بجميع أصنافه، وخاصة خلال الفترة الممتدة من 25 يناير إلى 6 فبراير، نجد أن هذه العملية وظفت بطريقة خاطئة وفق منظور خاطئ لتدبير الأزمة من خلال تبني اختيار الإنكار. هذا الاختيار الذي تبنته الدولة خلال تبني الأيام الأولى لاندلاع الأحداث، وظف الخطاب الإعلامي الرسمي خاصة، استراتيجية الإجماع الوطني توظيفا سيئا تسبب في تهييج الشارع من خلال الإصرار على جعل رمز الرئيس المصري حسني مبارك محط إجماع وطني لفظي ضد إجماع وطني حقيقي. على النقيض من ذلك، وظف الخطاب الإعلامي المغربي، منطق الإجماع الوطني وفق استراتيجية الاعتراف والتي تعتبر بالمناسبة إحدى الاستراتيجيات تدبير الأزمة الأكثر فعالية لتطويق الأزمات، فمن خلال هذه المنظومة التي تبنتها الدولة بمعية إعلامها الرسمي والمستقل (تغطية القناتين الأولى والثانية/ الصحافة المكتوبة المستقلة والحزبية) تم تأطير الأحداث من خلال توجيه عملية الإجماع الوطني حول شرعية المطالب وليس حول الفاعلين في الأحداث، بمعنى أنه تم القيام نوع من الانتقائية في توظيف الإجماع الوطني وذلك لأجل تأطير الحدث. يتضح لنا من هذا المستوى الأولي من التحليل، أن الخطاب الإعلامي باعتباره فضاء تركيبيا لتشكيل الحدث من جهة، واجتماعيا لتشكيل مجموعة من التمثلات الاجتماعية حوله، يعتبر فاعلا سياسيا واجتماعيا في تدبير حالة الأزمة التي يخلقها الحدث، من خلال توظيف آلة الخطاب توظيفا استراتيجيا وفق سياقات ورهانات معينة، هذه القوة الرمزية التي يكتسبها الخطاب الإعلامي خلال الأزمة، تحيلنا على طرح مجموعة من الأسئلة يمكن أن تكون مقدمة لتحليلات لاحقة ومنها : هل يمكن أن يشكل الخطاب الإعلامي خلال الأزمة فضاء لتصريف توافقات بين الفاعل الإعلامي والفاعل السياسي لاجتياز الأزمة؟ إذا كان الجواب بالجزم، فإلى أي حد تصمد نظرية الموضوعية خلال الأزمات؟ وما مدى جدوى الاستمرار في محاكمة منطق الدعاية إذا كان الهدف هو تجاوز الأزمة؟ والتالي هل يمكن أن نتكلم عن مفهوم الدعاية الديمقراطية؟ وفي الأخير، إذا كان الخطاب الإعلامي، يتميز بهذه الإمكانات خلال الأزمة فإلى أي حد ستصمد هذه الإمكانات أمام بروز وسائط الاتصال جديدة وتفاعلية، توفر إمكانية نقل الحدث في حينه بدون رقابة إعلامية؟ بقلم: * الحسين بوخرطة الحق في الاختلاف ارتباطا بالحقوق السالفة الذكر، الاختلاف أساس الجدال والنقاش والبحث والتقدم في المعرفة. وعليه جعل الله من الاختلاف حقيقة وجودية عند الإنسان بدء من اللون، والشكل، واللغة، والجنس، والعرق، والتفكير، والعقيدة، والمنهج،…إلخ. فالاختلاف رحمة ودافع للاجتهاد وآلية لتعميق التفكير والسعي للاقتراب من الحقيقة المطلقة التي لا يعلمها إلا الخالق، حقيقة، نظرا لصعوبة كشفها وجوديا بالكامل، لن ينبئ الله بها عباده إلا يوم القيامة (ستكون مرجعا لتقييم المقدورات الاجتهادية للعباد). وعليه، جعل الله من الاختلاف داخل دائرة الإسلام حق، لأن أساسه اجتهاد، وهذا الأخير توج بدوره كأحد مصادر التشريع الإسلامي، وأساس تطور العلوم والإبداع والإنتاج والبناء الإيجابي وتنمية التنوع السليم والخصوبة الفكرية. إن الاختلاف الذي يرتضيه الله لعباده هو ذلك الذي يساهم في تطور المعرفة، ويقوي الأمة ووحدتها، ويجنبها التعصب والتطرف والطائفية، ويساهم في ترسيخ ثقافة الاعتدال والاعتراف والتسامح والانفتاح وقبول الآخر. وفي شأن الاختلاف ومكانته عند الخالق، أنزل الله عدة آيات: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا…ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين» (سورة الروم الآيتان 20-21). «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم» (سورة هود الآية 118). «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم في ما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم تختلفون» (سورة المائدة الآية 50). «إن الذين آمنوا والذين هادوا (أي اليهود) والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (سورة البقرة الآية 61). «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين» (سورة آل عمران الآية 84). والمقصود هنا بالإسلام هو دين التوحيد، دين إبراهيم عليه السلام. الحق في المساواة الحق في المساواة هو حق طبيعي انبثق من كون أصل المجتمعات البشرية بقبائلها وشعوبها هو «آدم وحواء». وبذلك، فالتمييز بين بني البشر لا يمكن أن يكون إلا على أساس درجة الإيمان والتقوى. وعليه، فكل ما نعيشه من سلوكيات التفاخر والتفاوت والتفاضل على أساس الأنساب، والآباء، والعائلات، والأجداد، والقبائل، والعشائر، واللون، والمال والجاه،…إلخ هو سلوك غير مقبول ولا أساس له من الصحة لا إنسانيا ولا دينيا. ولقد أنزل الله في هذا الشأن عدة حِكم، حيث لم يفضل قوما على آخر، ولا شعبا عن آخر، ولا أمة عن أخرى، بل أكثر من ذلك، لم يفضل أمة الإسلام إلا على أساس ما تقوم به من عمل وخير ومعروف مع الناس كافة. وهنا قال الله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (سورة الحجرات الآية 13). «إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين إخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون. يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن، إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، واتقوا الله، إن الله تواب رحيم. يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى…» (سورة الحجرات الآيات 10-13). «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هو المفلحون» (سورة آل عمران الآية 104). «وأن للإنسان إلا ما سعى» (سورة النجم الآية 38). الحق في الحرية ومحاربة الاستعباد بالرغم من كون الإسلام دعا إلى الحد من الاستعباد ومحاربة الرق في عهد النبوة، فإن الظاهرة استمرت إلى مشارف القرن الأخير، وعرف التاريخ معاملة سيئة للعبيد حيث ارتبط مصيرهم بالعمل الشاق والاضطهاد كالحيوانات. كما أكد التاريخ أن مسألة إلغاء الظاهرة قبل الإسلام كانت في وضعية «اللامفكر فيها» و«غير قابلة للتفكير فيها». لكن، مع مجيء الإسلام، ونزول آيات في هذا الشأن، أصبحت الظاهرة «مفكر فيها». ومن أجل محاربتها جعل الله من تحرير العبيد عملا تعبديا، ودعا في نفس الآن إلى المساواة بين السادة وما يملكون من عبيد في المأكل والملبس في أفق تصفية الظاهرة بصفة نهائية. فالإنسان ولد حرا، ويجب أن يبقى حرا. وفي هذا الشأن، عن أبي ذر، قال النبي (ص): «إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون واطعموهم مما تطعمون»، وفي نفس السياق قال عمر بن الخطاب (ض): «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». الحق في العدل كلمة «عدل» هي النواة الأساسية للنص القرآني، فقد احتلت حيزا كبيرا في القرآن والحديث، وعند المفسرين والفقهاء والمتكلمين والكتاب ومؤلفي «الآداب السلطانية». فقبل أن يأمر الله المؤمنين بعدم التمييز بين الناس كافة (بين الفقير والغني والقريب والبعيد)، أول من أمر بالعدل في القرآن في هذا الشأن هو الرسول (ص). فعكس ما ساد في «الآداب السلطانية» من سلوكات أدخلت مسألة «العدل» في دائرة «الوعظ» و«النصح»، فإن القرآن تحدث عنه بصيغة الأمر (اعدلوا)، وهو تعبير عن وجوبه على المسؤول كيف ما كانت مرتبتها وكيف ما كان مجال مسؤوليته. وهذا الوجوب، الذي ورد في النص القرآني بشكل صريح، تم الانتباه إليه في صياغة حقوق الإنسان الكونية حيث تم اعتبار ضرورة التمتع به أساس التنمية والتطور والتحديث. كما أصبح المنتظم الدولي يعتبره من الضروريات المفروضة على الحكام وحق مصون بالنسبة للمحكومين. وفي هذا الشأن، قال سبحانه وتعالى: «وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم» (سورة الشورى الآية 13). «فإن جاؤوك (أي اليهود) فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط (أي العدل) إن الله يحب المقسطين» (سورة المائدة الآية 44). «يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى» (سورة ص الآية 25). «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» (سورة النساء الآية 57). «إن الله يأمركم بالعدل والإحسان» (سورة النحل الآية 90). «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا» (سورة النساء الآية 134). «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي» (سورة النحل الآية 90). الحق في الضمان الاجتماعي والتنمية والحماية الاجتماعية للمستضعفين مصطلح «المستضعفين» ورد في القرآن بمعنى «الضعفاء» من الناس، وهو بذلك يعاكس «المستكبرين» وهم المعتدون بقوتهم المالية أو السياسية أو العسكرية، والذين يعتبرون أنفسهم أرفع مقاما وأعلى منزلة من سائر الناس. إنهم كذلك المتنكرون لمبدأ المساواة بين الناس، والمكرسون للتمييز بينهم، والمعتدون المستبدون على الضعفاء من فقراء، ومساكين، وبائسين، ويتامى، وأبناء السبيل، والسائلين، وعبيد، وأسرى، وعجزة من آباء وأمهات وأقارب،…إلخ. وردا على سلوكيات «الاستكبار» و«الاستبداد»، وردت آيات جامعة لحقوق المستضعفين قال فيها تعالى : «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون» (سورة البقرة الآية 176). فمن خلال هذه الآية قرن الله حقوقه (العبادة) بحقوق المستضعفين (إيتاء المال من خارج الزكاة). وفي هذا الشأن عزز الله هذا المعنى من خلاله قوله : «وفي أموالكم حق للسائل والمحروم» (سورة الذاريات الآية 19). فإضافة إلى حقهم في مال الله المملوك من طرف الميسورين (الحق في البر)، فلهم الحق في الزكاة المفروضة (ركن من أركان الإسلام). ويتضح إذن من خلال النص القرآني أنه من الواجب اللجوء إلى ما سوى الزكاة عندما لا تفي هذه الأخيرة بتغطية حاجيات الفقراء وإقرار الحد الأدنى من التوازن الاجتماعي والمعيشي. كما حث القرآن الكريم على نفس الحقوق بالنسبة لأهل الذمة. وهناك آيات أخرى تؤكد حق المستضعفين في أموال الأغنياء نذكر منها: «فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير» (سورة الحج الآية 26). «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله» (سورة التوبة الآية 60). «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون» (سورة الممتحنة الآيتان 8-9). خاتمة من خلال ما سبق، يتضح أن القرآن الكريم قد أقر حقوق الإنسان كحقوق كاملة ومتكاملة للبشر كافة من دون تمييز أو استثناء: الحق في الحياة، والحق في التمتع بالطيبات، والحق في الاعتقاد بحرية، والحق في المعرفة، والحق في الاختلاف، والحق في الشورى، والحق في المساواة، والحق في العدل، الحق في الضمان الاجتماعي والتنمية والحماية الاجتماعية للمستضعفين. إنها حقوق جعل القرآن من التمتع بها شرط من شروط استكمال الشخص البشري لمقومات وجوده، ودعامة أساسية لازدهار المجتمعات ونماء عمرانها وتفوق حضارتها. وتأملا في هذه الحمولة الحقوقية وقيمها الإنسانية، يتضح أن بعدها الفكري، بقدر ما يبتعد عن الأطروحة النيوليبرالية المؤسسة على فكرة «دعه يعمل دعه يسير ومن لا يعمل لا يأكل»، بقدر ما نجدها لا تتعارض البتة مع مقومات الفكر الاشتراكي الديمقراطي، بل يمكن أن نقول أنها توجد في صلبها. فالإجراءات القرآنية، كحماية للمستضعفين كشرط ضروري لتحقيق ديمومة التنمية واستقرار المجتمع وتضامنه، هو بالضبط ما نسميه اليوم ب«الضمان الاجتماعي» و«الحماية الاجتماعية» و«التغطية الصحية»،… إنه حق المواطن في التطبيب، والدواء، والاستشفاء، وتعويض البطالة، والتقاعد،…إلخ. كما دفع الوعي البشري بقيمة الحرص الرباني على احترام «الحق في المعرفة»، الى جعل «الحق في التربية والتعليم والتثقيف» من أولوية الأولويات في سياسات الحكومات في العالم بأسره. بالطبع، كما هو منصوص عليه قرآنيا، التكلفة المالية لهذه الحماية الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية، لا يمكن استخلاصها إلا من أموال الأغنياء (مأسسة البر من خلال فرض الضريبة على الثروة مثلا)، والاقتطاعات الضريبية على الدخل كيف ما كان مصدره،…إلخ. وموازاة مع واجب حماية المستضعفين، فإن القرآن يجعل من العمل عبادة ويأمرهم بذلك بالبحث عنه من أجل الكسب في الزراعة والصناعة التجارة والخدمات والعمل اليدوي (الصناعة التقليدية)،…إلخ. وفي هذه النقطة بالذات قال تعالى: «هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، وإليه النشور» (سورة الملك الآية 15)، وقوله: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله…» (سورة الجمعة الآية 10)، وقوله: «وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله» (سورة المزمل الآية 18). وباستحضار المقالات السابقة التي أشرنا لها في التقديم، نكون أمام تناغم كبير بين الأسس والمبادئ والأحكام الإسلامية وما وصلت إليه الإنسانية من تطور في العلاقات السياسية، والتي أصبحت خاضعة للمنطق الديمقراطي والحقوق الديمقراطية، لتشمل الثقافة المنبثقة على هذه الحقوق الجديدة مختلف العلاقات بين الناس ورجالا ونساء، آباء وأبناء، حاكمين ومحكومين،…إلخ. بقلم: رندة تقي الدين كان فرنسوا هولاند على الطائرة التي نقلته من باريس إلى أبوظبي واثقاً من أن قرار التدخل العسكري الذي اتخذه في مالي يوم الجمعة الماضي ضروري ولا بد منه. فالقوات الفرنسية وعددها كان في البداية حوالي 1500 جندي منعت مالي من السقوط في أيدي إرهابيي منطقة الساحل الذين يريدون تحويل هذا البلد الحليف لفرنسا إلى معقل إرهاب تعد منه عمليات إرهابية ضد فرنسا في أفريقيا وفي فرنسا. وأكد الرئيس الفرنسي للصحافيين الذين رافقوه في الطائرة إلى أبو ظبي، و»الحياة» كانت من بينهم، انه اتخذ القرار يوم الجمعة وليس قبل ذلك. وقال انه اتصل بالرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي اكد له انه اغلق الحدود وأعطى الإذن بمرور الطيران فوق الأجواء الجزائرية. وأجرى اتصالاً بالعاهل المغربي محمد السادس وتناول الموضوع في لقاءاته مع قادة الإمارات في كل من أبو ظبي ودبي. وأيدته المعارضة الفرنسية والإعلام الفرنسي في هذا التدخل رغم أن هنالك 8 رهائن فرنسيين لدى الجهاديين في الساحل. وشرعية التدخل الفرنسي أتت من طلب السلطات المالية من فرنسا هذا التدخل الذي حصل أيضاً على ضوء اخضر من مجلس الأمن. وهولاند يدرك مخاطر هذه الحرب واحتمال سقوط الضحايا وأيضاً احتمال مقتل الرهائن. إلا أن العملية فرضت نفسها لأن تقدم الجهاديين في الساحل كاد يسقط باماكو وهناك جالية فرنسية من 6 آلاف شخص في مالي كانت مهددة. إن العملية العسكرية معقدة وصعبة لأن الجهاديين يستخدمون طرقاً غير تقليدية في حربهم وهي طرق إرهابية وهذا مريع. ولكن هولاند يدرك ذلك وانتهج خياراً شجاعاً رغم أن خطورة تدهور الأوضاع ليست لمصلحة فرنسا، ولكنه خياره الأفضل من أن يبقى في جوار فرنسا معقل لإرهابيين جهاديين يسيطرون على بلد ضعيف مثل مالي. وقراره بالتدخل أعطاه زخماً على صعيد الرأي العام الذي منذ بداية عهده كان ينتقده ويلومه على عدم الحسم في القرارات الحكومية. فقد اظهر في هذا القرار حسماً في اتخاذ القرار فاجأ الكثيرين من منتقديه. ولا شك في أن هولاند يدرك أيضاً أن جزءاً من الرأي العام العربي والإسلامي سيرى في هذا التدخل في أفريقيا استعماراً فرنسياً، وهذا خصوصاً في صفوف مجموعات سلفية جهادية في المغرب العربي تنتمي إلى «القاعدة» وجزء كبير منهم جهاديون جزائريون قاتلوا النظام في الجزائر ثم أبعدتهم الجزائر إلى مالي، والقسم الآخر جهاديون تمكنوا من الحصول على الأسلحة من ليبيا. ففرنسا وحيدة في هذه الحرب رغم أن البريطانيين والولايات المتحدة أعطتا مساعدات رمزية للحليفة الفرنسية كما أن رئيس الأركان النيجيري للقوات الأفريقية تمركز في باماكو ولكن هي حرب فرنسية بوضوح وهي مصيرية في مقاومة الإرهاب. ولكن مما لا شك فيه هو خيبة الأمل من أن هذه الحرب في أفريقيا تبعد أي احتمال بتدخل عسكري آخر لتخليص الشعب السوري من نظامه. فمجلس الأمن معطل في هذه المسألة والإدارة الأميركية لا تتحرك. فالمعلومات لدى الأوساط التي تعمل على الملف السوري أن إيران هي عقدة اكبر من روسيا أمام رحيل بشار الأسد. فالتدخل العسكري غير وارد في سورية ولو أن الوضع في هذا البلد يهدد منطقة الشرق الأوسط والعالم. وبالطبع سورية ليست مالي والأوضاع والمصالح تختلف ولكن الإرهاب السلطوي في سورية اسقط اكثر من 60 ألف ضحية وإدي إلى نزوح نصف مليون سوري ولم يتحرك احد لإيقاف هذه الكارثة. فحجة أن الوضع في مالي ليس مماثلاً للوضع السوري لا تكفي. إن سفك الدماء المستمر وتدمير البلد من دون أن يتصدى احد لذلك أمران غير مقبولين مهما كانت الحجج. فالوضع في سورية يجعل المراقب يثور على تدخلات سريعة في أماكن لوقف الإرهاب وفي أماكن أخرى يترك القتل والقمع من نظام تؤيده إيرانوروسيا، وذلك بحجة أن لا قدرة للعالم وللدول القوية الفاعلة على إنهاء هذا الوضع. * مهندس باحث في سلك الدكتوراه